أزمة


سلمان الحميدي

اقترح عليّ أحد الأصدقاء في القرية، مشروعاً يدر الربح بسرعة: المتاجرة بالمشتقات النفطية، أن نشترك سوياً في المشروع، فالسوق السوداء لا ترد أحدا، والنفط، وإن بدت هناك أزمة في مناطق الحوثيين، فيمكن جلبه كالماء وإن بعدت الطريق، فالأزمة ليست أزمة بقدر ما هو حيلة لربح القيادات، وإثراء الكثير من المغامرين.
 
لا يتطلب المشروع أكثر من "دينا/ قلاب"، ومليون ونصف إلى مليونين، ومعرفة الطريق لا يقل أهمية عن "الدينا". هناك مغامرون من القرى المجاورة نجحوا في جلب الديزل وبيعه، قال صاحبي: الناس "افتقشوا" بيس واحنا نشوف".
 
وبعد أن كان هم أبناء القرى أشياء بسيطة، مثل الحفر على أشجار القات في وديانهم، صاروا يتابعون أخبار الموانئ وأحوال الجمارك وصعود الخام وهبوطه.
 
ورغم ادعاء الأزمة، لم تتوقف المركبات التي تحمل البراميل، والدراجات النارية التي تحمل الدبب، وبمجرد دخولك هذا المشروع ستعرف كم أن الأزمة مربحة، وسيكون انفراجها من أكبر المصائب الجالبة للهموم.
 
المقترح جعلني أفكر بكتابة قصة كوميدية: رجل يرى أصحابه يتاجرون بالديزل ويتحدثون عن الأرباح الخيالية، ينشغلون بمتابعة الموانئ وأخبار السفن، لكنه لا يملك فلساً ليتاجر به، فيقنع زوجته أن تمنحه ذهبها، وأمه وأخته ويأخذ جنبية جده، على أن يعوضهم بدل الجرام جرامين، ثم يستأجر دينا ويذهب في طريق وعر يرى فيه الموت، ويواصل المغامرة حتى يصل إلى ملتقى المهربين، يسارب كثيرا حتى يأتي دوره ليعبي البرميل، يرشى صاحب الناقلة الكبيرة كي يهتم بالتعبئة، وعند العودة تعجز الدينا في النقيل، فيضطر لاستئجار "شيول" ليخرجها من العقبة، يواصل المرور، ويشتري للسائق أكلاً طازجاً وهو يشعر بكرم التاجر الذي ربح صفقة خيالية، ويطمئن حين يجد الدينا التابعة له، وحيدة في الخط، إنه الإمبراطور الصاعد فجأة إلى عالم الذهب الأسود، سيبيعها بأريحية كما يفكر، ذلك أنه وحيد في الطريق ولا يجد مركبة عائدة إلى ملتقى النواقل الكبيرة.
 
مشاعر أهله متأرجحة بين الخوف من الفشل والرجاء في النجاح، أما هو فيؤمن أنه ليس أقل حظاً من الآخرين، وفي الطريق يفكر، وقد صار إمبراطوارًا، بكتابة سيرته ليلهم الأجيال، ويثني على من وقف معه في البداية ويفكر في الماضي البئيس وكيف غالبه وتمنى لو أنه كان يتيماً لإضفاء المزيد من مسحة النضال على قصته، ويفرد فصلاً كاملاً لكيفية استثمار "الذهب الأصفر الجامد، بالذهب الأسود السائل"، تتخلق تفاصيل كثيرة في القصة عندما تختمر في الذهن وتأخذ شكلها النهائي عندما يفكر الرجل بكتابة سيرته، لكن الخاتمة التي كانت في رأسي، هو أنه سيصل في ذروة سعادته ليتفاجأ أن "الأزمة انتهت"، وأن النفط صار متوفراً، إلى درجة أنه لم يعد أحد يشتريه!.
 
**
بالنسبة لمقترح صاحبي، ففي اليوم التالي تماشيت معه للمتاجرة بالمشتقات في السوق السوداء، أثناء طرحه كان المشروع منطقياً ونحن بحاجة للمال، وكان سهلاً للدرجة التي اشترينا فيها "دينات"، وللبدء قال صاحبي أن علي تدبير مبلغ مليون ريال وعليه نفس المبلغ، عدالة الشراكة، أكدت له بأني لا أقدر على تدبير المبلغ، فأشار لي "ابصر لا به شقادف ذهب".
 
الربط بين الخيال والواقع أخافني. قلت له: تاجر وحدك.. لا معنا بيس ولا ذهب..
لكنه في الليل اتصل بي: "مابوش معك خمسة ألف قديم حق غاز".
أوه.. لقد خسرنا.. نحن نعيش أزمة عملة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر