نساء من القرآن (5).."أهل البيت"


نور ناجي

 
قال تعالى: "يٰٓأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوٰجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"..
 
نزلت الآية السابقة بعد قيام زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام "بحيلة صغيرة"، لم أجد كامرأة ضيراً من استخدامها في سبيل التخفيف من زيارات الرسول لعروسه الجديد السيدة "ماريا القبطية". ربما أضفت إليها بعض التعديلات والرتوش، قبل أن أتوقف للحظة وأشعر بالانزعاج!..
 
لا يجدر بنا الاصغاء للنساء خلال نوبات غيرتهن. أقولها بكل صدق. فغالباً ما تفقد المرأة خلالها مَلَكَة المنطق السليم، وغالباً ما كانت السبب الرئيسي لعدم تعاطف نساء النبي مع السيدة "ماريا". هل كان جمالها، الذي عرفت به، سبباً لوضعها في "مرمى النيران"؟ أم أن البعض لم يجدها مكافئة بالقدر المناسب كونها "جارية سابقة"؟!..
 
لا تحمل النفس البشرية ذلك النقاء، مازلنا نحمل شوائبها وإن تحت سقف منزل نبوي، ألم يرد الله- في موضع آخر- أن يذهب الرجس عن أهل بيت رسوله؟!..
 
لعل معجزة الرسول عليه الصلاة والسلام الحقيقية هي عدم امتلاكه "معجزة حسية" خاصة به. لم يؤمن له أتباعه بسبب عصى سحرية ولم يُسخر الجن لإقامة مملكته،...، مازال رسولنا الكريم يحمل لمسة إنسانية تضج بمفارقاتها العديدة: هواجس وطموح، شك ويقين، وضعف بشري يقابله صرامة وقوة حين يستدعي الأمر. وعلى ما يبدو أن الرسول لم يجد ضرورة لاستخدام الشدة في معاملته لأهل بيته، حتى تخللت حياته بالممحاكات النسائية!..
 
لم يكن تحريم الرسول العسل على نفسه هي الحادثة الوحيدة. فها هي إحدى زوجاته تسرب لأخرى بعض أسراره! هل حدث ذلك من باب الصدفة أم أن وشوشة الزوجتان كان لإعداد مخطط جديد؟ قال تعالى: "وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلٰى بَعْضِ أَزْوٰجِهِۦ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتْ مَنْ أَنۢبَأَكَ هٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ"..
 
لم تدرك أم المؤمنين فداحة ما قامت به، حتى تسأل زوجها (الرسول) عن مصدر معلوماته؟! وربما قامت باستشارة رفيقتها عن تكتيك أفضل للتعامل مع هذا المستجد. لم يكن لاستمرار زوجتا النبي تقليل من شأنه- عليه الصلاة والسلام- كل ما في الأمر أنه يحمل قلب لين، يشفق على من حوله، حتى إن علم بما يخططان له. مازالت زوجتا الرسول تتهامسان قبل أن يأتيهم الرد الإلهي: "إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلٰىهُ وَجِبْرِيلُ وَصٰلِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ"!!..
 
أي حشد؟! أعتقد بأن الرسول كان أول من تفاجأ بالدعم الذي أعده له الله مقابل تعنت زوجاته اللائي أخذنّ ينظرنّ إلى بعضهن البعض بحيرة وجزع: "لم تحض معركة بدر بكل هذا الدعم؟! هل تخطينا الحدود بسبب معركة وهمية؟! لا يتخطى الأمر غيرة نسائية مجردة، وأي إمرأة تلك التي لا تغار؟!"..
 
ليت الأمر توقف عند ذلك، فمازالت الآيات تتابع تأنيبها بلهجة قاسية: "عَسٰى رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوٰجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمٰتٍ مُّؤْمِنٰتٍ قٰنِتٰتٍ تٰٓئِبٰتٍ عٰبِدٰتٍ سٰٓئِحٰتٍ ثَيِّبٰتٍ وَأَبْكَارًا"..
 
أكاد أشعر باللطمة التي أصبنّ بها. ليس من السهل تذكير إمرأة بسهولة تبديلها، فكيف إن كانت "زوجة رسول" تدرك المكانة التي نالتها بشرف الاقتران به، كما تدرك بأن السماء لا ترسل "ازواجاً انبياء" كل يوم؟!..
 
طالما تساهلنا في تجاوزات الأقرب والأكثر محبة، واستسصغرنا أذاها، سواء نالت منا أو أصابت غيرنا، متجاهلين بأن ذلك التساهل يجعلنا مشاركين فاعلين في الظلم :"يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوٓا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ !"..
 
يبدو أن السور القرانية أخذت تسميتها من "السور"، أو" الطوق"، الذي يحدد هدف كل سورة!!..
 
ابتدأت سورة التحريم بتأنيب الرسول وزوجاته، وانتهت بمقارنة صريحة بين أربع شخصيات نسائية مذكورة في القران، نصفهن تقيد بالإيمان، رغم قيود البيئة الثقيلة التي أحاطت بهن، ونصف آخر آثر الانهزام أمام ضعف. لم تكن الغيرة بأي حال من الأحوال مسبباً له!..
 
لم تكن الآيات تجرم غيرة النساء أو تسعى لتجريدهن منها. مازالت- وغيرها من الطباع البشرية- مغروسة فينا حتى تتجاوز حدودها ويشوبها الاعوجاج..
 
من حسن حظنا كمسلمين، أن القرآن لم يترك تلك الحادثة لأمزجة قلوب أصحابها، والا كنا فقدنا مذاق العسل مبكراً. فلم يكن إرضاء النبي لازواجه ليقتصر عليه، طالما سنت تشريعات وقوانين من خلال أفعاله.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر