اتخذت الحكومة اليمنية جملة من التدابير الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا، أبرزها تعليق الرحلات الجوية وإغلاق المنافذ البرية، وهذه التدابير يجب أن تطبق فعليا على أرض الواقع، خاصة وأن معلومات ترد عن منافذ لا تزال تواصل عملها دونما اكتراث للقرارات ذات الصلة بها.
 
حتى الآن، لم تسجل أي حالة إصابة بالفيروس التاجي في اليمن، وهذا يجب أن يشكل دافعا قويا لتشديد الإجراءات بأعلى درجة من الصرامة لضبط المنافذ البرية والملاحة البحرية والجوية، وأي تقصير في ضبط المنافذ وحركة الملاحة، سيكون ثمنه ملايين الأرواح.
 
لو ألقينا نظرة على خارطة انتشار الفيروس، نجد دولا أوروبية تنعم بالاستقرار، ولديها أنظمة صحية متقدمة، ومع ذلك عجزت عن السيطرة على تفشي الفيروس، لتسجل يوميا مئات الإصابات بالفيروس، فكيف سيكون الوضع إذا وصل كورونا إلى بلد طحنته الحرب ودمرت نظامه الصحي منذ خمس سنوات؟
 
في أوقات الأزمات، ترسم الدول أسوأ الاحتمالات لا أفضلها، ومن يتابع تصريحات المسؤولين الغربيين ومراكز البحوث بشأن أزمة كورونا، يجد أنها تنحو هذا المنحى، لتستحث مواطنيها على التعاون معها، والتقيّد بالتعليمات والقرارات، لمواجهة انتشار الفيروس في الأماكن التي لم يصلها بعد، وتقليل حالات الإصابة المحتملة إلى أقل قدر ممكن.
 
دعونا نفترض أسوأ ما يمكن أن يحدث في اليمن حال انتشر الفيروس؛ الوضع سيكون كارثيا فيما يخص انتشار الفيروس لعدة أسباب، منها اعتماد المواطنين على أعمال حرفية ومهن ذات طابع جماعي وحركي، كمصادر للدخل، وإغلاقها دون حلول معقولة يعني خلق مجاعة ستطال آلاف الأسر؛ فإغلاقها دون حل يخلق أزمة مجاعة، وإبقائها مفتوحة يعني انتشار واسع للفيروس.
 
من المرجح أيضا، أن أي انتشار للفيروس، سترافقه حرب اقتصادية على معيشة الناس ستصل إلى ارتفاع جنوني في الأسعار واحتكار للغذاء واستغلال للحاجات، وقد ينجح اليمنيون في مواجهة الفيروس بأجسادهم التي خاضت صراعات صعبة مع أمراض عدة خلال سنوات الحرب، لكنهم لن يستطيعوا مواجهة الحرب الاقتصادية، بل إن ضحايا هذه الحرب سيفوق بكثير أعداد ضحايا الفيروس، وهذا يوجب على السلطة المحلية في المحافظات التعامل بقوة القانون مع كل من سيتعامل مع معاناة الناس كسلم للربح السريع وجني الأموال الطائلة.
 
إن أي انتشار للفيروس-لاسمح الله- سيخلق بالتأكيد هلع جماعي لدى المواطنين وأزمات جديدة، ولن يكون مسؤولو الدولة عند مستوى الهلع والأزمات الناتجة عنه، والعبء الأكبر سيقع على المجتمع في التحرك للحفاظ على حياة أفراده، وسيكون على المجتمع أن يتصرف على أساس عدم وجود دولة تحمل العبء بدلا منه، وهناك أمثلة لأزمات رافقت الحرب لعب فيها المجتمع دورا كبيرا في مواجهتها، كأزمة الحصار الخانق الذي تعرضت له تعز إبان الغزو الحوثي.
 
لقد مر اليمنيون بأزمات خلقت حالة من الهلع والتسابق لتأمين حاجياتهم الأساسية، ووطنوا أنفسهم في التأقلم معها، لكن هذه الأزمات لن تكون بمستوى أزمة كورونا، فالوضع الذي سينجم عن انتشار الفيروس، سيكون أخطر بكثير من الفيروس نفسه.
 
وأنا إذ أرسم في مخيلتي هذا السيناريو الأسود، فإنني أدعو الله كغيري ألا يصل هذا الفيروس إلى البلد، وإن كانت تداعياته قد بدأت بغزو الخريطة اليمنية كجزء من خريطة العالم الموبوءة بالفيروس.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر