من أقبية العذاب إلى الغربة!


سلمان الحميدي

 مشهد إطلاق المختطفين، امتلأ بالمشاعر الجياشة، بالحزن والفرح، بالدموع والزغاريد، بالعناق والقبل، أستاذ كان كالجواد في انطلاقته، خرج يتوكأ على عكاكيز، صاحب وايت لبيع الماء خرج وقد صارت رضيعته طفلة، شباب كانوا أصحاء خرجوا يحملون العذابات الجسدية والنفسية.. غير أنهم وصلوا.

الصفقة بين المقاومة والحوثيين في تعز، في تبادل الأسرى والمختطفين، لا بد أن تتكرر لتشمل الجميع، وإذا لم يشبع الخاطفون من أخذ الناس من الطرقات، واستخدام اليمنيين كأوراق لابتزاز أقاربهم وتعذيبهم واستعمالهم كأدوات ضغط على هذا الطرف أو ذاك، فعليهم الالتزام بأخلاقيات الحرب فيما تبقى منها، والاكتفاء بأسرى الحرب، المقاتلون الذين يتم أسرهم في الجبهات.

في هذا الجانب، تنتصر المقاومة على الحوثيين في تعز، ومع ذلك نحن بحاجة إلى فترة هدوء، إلى ما يشبه "الربخة" من هذا الانهاك المتواصل الذي يتعرض له اليمنيون، وإلى العمل على التمهيد لثقة متبادلة يمكن الانطلاق منها لإنهاء الحرب.

المظلومون يتوزعون في الأقبية والسجون، وقلوب الأمهات على شواء البعد، العوائل تتعذب، وهناك تجار يستخدمون الأسرى والمختطفين كسلع، يبيعون وهم إطلاقهم بمبالغ ضخمة..

ما حدث في تعز يوم الخميس، يسلط الضوء على معاناة الأقارب في انتظار الأهالي، التجاعيد زادت على وجه الأب الذي كان ابنه يعوله، توقفت الفتيات عن النمو وتوقفت أحلامهن عندما تم إخفاء الأب في أقبية العذاب، واشتعلت عواطفنا على أولئك الذين ذهبوا لاستقبال أبنائهم لكنهم ـ وللأسف، لم يكونوا ضمن المفرج عنهم، أخت تبكي بحرقة باحثة عن أخيها المختطف..

مازالت الأقبية تعج بالمختطفين.. من يفرح الأفئدة الكليمة. علينا أن نشجع مثل هذه الصفقات، أن نحض القائمين على مثل هذه المبادرات الإنسانية، وأن نشيد بمن يساعد ويتعاون معهم بأي طرف كان.

إلى جوار مأساة الاختطاف وقصص أسرهم، وفرحة الإطلاق، تظهر مأساة أخرى لم ينتبه لها أحد، وتتمثل في بعض الأفراد الذين تم إطلاقهم ولم تتمكن أسرهم من اللقاء بهم.

ومن أغرب القصص أن شخصًا ممن أُطلق سراحهم في الصفقة، تم اختطافه من مقر عمله في إحدى الشركات، في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتم تدبيسه بقضية كبيرة: تحديد مواقع ومراقبة الخط، وظهر على قناة المسيرة ليقول ذلك، اعتراف تحت التعذيب على ما يبدو، أسرته لم تكن تعلم عن إطلاقه شيء، أسرته وأقاربه كلهم يعيشون في منازلهم الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، تكرم أحد أعضاء اللجنة بالتواصل مع أحد المقربين منه، وبالكاد وصل الخبر إلى الأسرة.

قبل أن يصل، غمرتهم فرحة كبيرة، وطفقت الأسرة تبحث عن وساطات لإعادته للعمل في الشركة، فعلوا ذلك ظانين أنه سيصل إليهم، لكنهم فوجئوا أنه سيعود للمدينة حيث سيطرة الشرعية، بمعنى أنه لن يتمكن للعودة إلى مسقط رأسه، مثله كثيرون، إنها مأساة: يتم إطلاق سراحك ولا تستطيع العيش في منزلك، وقرب عائلتك، إنها مأساة: تنتقل من أقبية التعذيب إلى الغربة في المدينة.. من لديه حل لإنهاء المآسي وإنهاء الحرب يا عالم..
 
 
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر