إنه الشتاء، الناس مستعدون أن يأكلوا التراب، يقولون عن المعاناة التي تتضاعف مع البرد، لذا يقبلون بالحاصل وإن كان فاسدًا.

هذا الأسبوع، وزعت إحدى المنظمات كروت التغذية للمواطنين في المنطقة، مواطن أراد الذهاب في الليل، لا يوجد في المنزل "ثخلال طحين" والثخلال وحدة قياس شعبية تدل على القلة المرفوعة برؤوس الأصابع، ليلة سيصبر عليها مسرورًا بكرت التغذية، في الصبح تذهب كروت المواطنين إلى التجار ويستلمون المواد الغذائية، هذا ما حدث فعلًا في هذه الأيام، المواطنون مبتهجون، استلموا أكياس الطحين، وكانت المفاجأة عند النخل، إذ يبقى في المنخل: الجشيش غير الصالح كما يحدث دائمًا، غير أن هذه المرة كان أكثر ومصحوبًا بالدود.

دود صغيرة داخل أكياس الطحين، اكتشفه البعض ممن نخلوا، أما من لم ينخل فقد عجن وأكل ولم يكترث لذلك. وللتأكد؛ قاموا بالنخل فوجدوا الدود، بقى القلة الذين رفضوا استخدام المنخل تمامًا: جوع.. نأكل وعلى الله..

بدأت الاتصالات من شخص لآخر، قال أحد المسؤولين بأن على المواطنين خياطة أكياس الطحين وإعادتها، المواطنون خائفون: سنعيد غير الصالح ولن يسلموا لنا شيئًا، وأكثرهم تململوا بسبب "أجرة الطريق".

من المسؤول عما يجري؟ من المسؤول لو حدث مكروه للمواطنين؟ ولم تأت هذه الأكياس بلا تواريخ الإنتاج والانتهاء؟

صمت المواطنين إزاء الكارثة، ليس جهالة ولا قلة توعية، بل يظنون الصمت رزانة في هذا الموضع، فالمطالبة بتبديل الأكياس قد تمنع عنهم المعونة في الأشهر القادمة، لذا كان الصمت حكمة الجوعى..

ولا يقتصر الأمر على التغذية فقط، بل يتعداه إلى ما هو أسوأ: الأدوية!.

تذهب لتتعالج في إحدى المخيمات الخيرية، أو الهلال الأحمر الفلاني، فيصرفون العقاقير والأمصال، ليست الرديئة فقط وإنما المنتهية.. كارثة أن يصرف لك الأدواء بداخل علب الأدوية..

ذهب كثيرون إلى إحدى المراكز الخيرية القريبة من المنطقة، معظم المرضى صُرف لهم أدوية ستنتهي بعد أيام، اكتشفت ذلك بالصدفة، وبما أن الناس لا يعيرون الأغلفة اهتمامًا ولا ورقة الاستعمالات، فكان لابد من تنبيهنا لبعض الذين ذهبوا، أحدهم قال أنه اكتشف ذلك وأخبر العاملين في المركز فقالوا له: الدواء لا يفسد.. إنما تقل فاعليته فقط كلما اقترب من تاريخ الانتهاء! هذا ما جعلهم يملؤون له كيسًا كبيرًا من الأدوية..
هناك من يدخر الأدوية وسيستخدمها بعد أيام من انتهاء الفاعلية.. من يتحمل ذلك؟

ـ ردوه؟
ـ قاهوه بلاش قله وزنه!.

هل سنصير ضحايا، لمجرد ثقتنا أن معونات الآخرين تعد مكسبًا، أو باللهجة الشعبية، عرطة، وإن كانت فاسدة؟

كلهم يربحون، أو يريدون أن يكسبوا، هذا ما يجعلهم يخفون التقارير المالية، ولو راقبنا الصرف الخيري بالتسلسل لاكتشفنا طرق الثراء وحيل الكسب الملتوية.

تستلم المنظمات المنح المالية، تضع مشروعًا للناس وقد أخذت حقها وزيادة، تسلم المشروع إلى مقاولين للتنفيذ ويأخذون حقهم، ويقوم المقاولون بالتعامل مع التجار "في حال كان المشروع غذائي مثلاً"، ومع أن الأسعار معروفة في السوق إلا أنهم يأخذون حقهم، وأحيانًا لا يكتفون بذلك، بل يحتالون على التربح من المواد نفسها.

السلة الغذائية، يقولون أنها تجتاز الخمسون ألف ريال، يعطون التجار أربعون ألف، وينفق التجار تسعة وعشرون ألف وخمسمائة ريال، وهكذا.

الخشية أن يتحول العمل الخيري في اليمن، الميدان الأنسب لإنفاق المواد الفاسدة، أدوية كانت أو مواد غذاء!.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر