تجارة خاسرة


نور ناجي

من السخف اعتماد لفظ "الخيانة" على العلاقات بين الدول، فالمصالح كانت ومازالت الدافع الذي يحرك تلك السياسات، إلا أن المواطن اليمني أختار تغليب عواطفه وأصر على أن التدخلات الساعية لانفصال وتقسيم اليمن ليست سوى فعل خائن، على الرغم من أن سرية التخطيط ومفاجأة الفعل، شرطا وقوع خيانة ما، غير متوفر لإسقاطه على ما حدث، كما أن ذلك التدخل لم يكن مرفوضا بالنسبة له حتى تجاوز حدود "تدخلات سابقة" حملت موافقته الضمنية!
 
فقد اعتاد اليمني على تدخل المملكة العربية السعودية في شؤون بلاده منذ تأسيسها، وبرر ذلك الاعتياد بالحاجة واقتضاء المصالح والجوار الذي يربط الدولتان بمصير مشترك، فمهما بلغ الاختلاف مع المملكة لن ترجح الجارة فوضى ملاصقة على بقاء دولة لا تمثل أوضاعها الاقتصادية تهديد خطير.
 
استخدمت المملكة لتنفيذ نهجها السياسي في اليمن وجاهاته القبلية والشخصيات ذات الثقل الاجتماعي بالإضافة إلى الأحزاب على الرغم من خطورة ذلك الاستخدام، فاحتمالية الانقلاب عليها وارد وغير مستبعد أمام مزاج القبائل أو أولويات الولاء والانتماء للقوى السياسية، إلا أن مكانتها كدولة تحترم نفسها منعها من تغيير تلك السياسة على الرغم الانتقادات التي لم تكن تسلم منها من قبل الرافضين لذلك التدخل.
 
لم تعتمد الامارات ذات السياسة بعد توغلها في الداخل اليمني، قد يكون تدفق الأموال النقطة الوحيدة التي ربطت دول التحالف مع الأطراف اليمنية مع اختلاف الطريقة والأسلوب، قد يصاب البعض بالحيرة أمام سياسة الإمارات، فبعد انضمامها الحماسي للتحالف الساعي لإزاحة انقلاب صنعاء وإعادة الشرعية لموقعها، لم تنكر دعمها المبكر لفكرة تقسيم اليمن.
 
لم يمثل ذلك الدعم خطراً حقيقياً في حينه فلم تكن الأدوات التي استخدمتها بشخصياتها الهزيلة تنبئ عن رغبة حقيقية للانفصال بقدر ما كانت أوراق ضغط على الدولة اليمنية، إلا أن تلك الأوراق احرقت حين وضعت على الطاولة في توقيت أبعد ما يكون عن تحقيق هدف الانفصال المعلن.
 
حول اليمني نظره الى الشقيقة الكبرى في نظرة مليئة بالشك، هل غيرت المملكة سياستها القديمة؟ وانبهرت بسياسة القراصنة التي لا تحمل الكثير من الأعباء رغم خطورتها، أم أن الامارات قصدت بدعمها الانقلاب اظهار المملكة بهذا العجز والضعف.
 
هل المملكة فعلا بهذا الضعف، يتساءل اليمني وهو يراقب ردود أفعالها البطيئة عبر ورقة الشرعية التي تمسكت بها المملكة في أروقة فنادقها، وقد أدرك أن انفصال اليمن لم يكن السبب الحقيقي لدعم الامارات المفاجئ للانقلاب بقدر ما كان الطريقة الاسرع لقطع الطريق أمام مطامع ونفوذ جديدة.
 
من السخف اقرارنا المتأخر بأننا مجرد متفرجين عديمي الإرادة أمام ما يحدث على بقايا دولة يفترض أنها ما تبقى لنا، أخذنا دور المشاهد والمراهن على المنتصر والأرباح التي يمكن أن نجنيها من ذلك الترجيح، على الرغم أن تجزئة اليمن التي تدعو إليه الإمارات لا يختلف فعليا عن ابقاءه عاجزا ضعيفا أمام الجارة الكبرى.
 
قد يكون إلقاء اللوم على الغريب هروب من حقيقة أننا أصحاب الخطيئة الأولى بتجاوزنا عن التدخلات الخارجية السابقة واعتبارنا شراء الولاءات مجرد لعبة ستبقى بتكاليف مخفضة، دون أن ندرك أننا أصدرنا بقبولنا لها تشريع مبطن للخيانة سيجعل المواطن البسيط ينظر إلى ما يحدث على ارضه بلامبالاة وكأنه اي من الأحداث لا يخصه، في أحسن الأحوال سيكتفي بالركون الى حق سيأتي دون تفعيل اسبابه!!، ناهيك عن محترفي التجارة الذين وجدوا في الحرب المستمرة وفوضاها سوق لا يختلف عما سبقه من مزادات شراء الولاءات والذمم.
 
لكن الأسواق لا تبقى مشرعة أبوابها للأبد، في لحظة ما سيتفرغ روادها لإحصاء الخسارة والربح، وللأسف سيكتشف اليمني الذي تاجر بأرضه أنه الخاسر الأكبر، وأن الدولة الهشة التي استخف بوجودها وسعى لإضعافها ستكون أقصى طموحه حين لا يجد أرض تحتويه بأقل قدر من الاحترام.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر