قبل ثلاث سنوات، أعلنت الإمارات موقفا مفاجئا بانتهاء عملياتها العسكرية في اليمن، والتفرغ للمناطق المحررة، قبل أن تتراجع وتؤكد استمرار عملياتها العسكرية، وقبل أسبوع تقريبا أعلن مسؤولون إماراتيون انسحاب بلادهم من مناطق تواجدها في اليمن في إطار "الانتقال من إستراتيجية القوة العسكرية إلى إستراتيجية السلام"، وما بين هذين الموقفين، يكون النفوذ الإماراتي قد تمدد على بقعة واسعة داخل الأرض اليمنية.
 
من المؤكد، أن الانسحاب الإماراتي كان جزئيا أو كليا، لن يؤثر كثيرا على نفوذها العسكري والسياسي، كونها تملك ميليشيات محلية موالية لها يقدر عدد أفرادها بعشرات الآلاف، وتتولى الإمارات تمويل هذه الميليشيات والإشراف عليها، وأضحت بمثابة "مسمار جحا" الذي تركته خلفها في اليمن ولن تتخلى عنه بسهولة.
 
ثمة حسابات سياسية وعسكرية، دفعت الإمارات لإعلان سحب عدد من قواتها الموجودة في مأرب والساحل الغربي ومناطق أخرى، بينها التهديدات الإيرانية على لسان الحوثيين باستهداف أبو ظبي ومنشآت حيوية فيها، وليس بالضرورة أن ينفذ الحوثيون الهجوم، يكفي فقط أن يتبنوا الهجوم كما حدث في هجوم الطائرات المسيرة على الرياض، الذي تبيّن أن مصدره أراض عراقية وليس يمنية.
 
الدور الإماراتي في اليمن، لم يصب إلا في مصالحها الخاصة ومصلحة الحوثيين، وخلال تدخلها في اليمن خلال السنوات التي تلت الحرب، لعبت دورا كبيرًا في إيقاف عجلة التحرير لمحافظات تعز وصنعاء والحديدة، وتسببت ممارساتها الإجرامية في المناطق المحررة، في إكساب الميليشيا الحوثية، مادة دسمة لتسويق مشروعها وإظهار عجز الحكومة الشرعية، التي اتسم موقفها بالخنوع أمام النزوات والرغبات الإماراتية السعودية.
 
الحكم على الانسحاب الإماراتي، لا يمكن أن يكون من خلال سحب بعض أو كل القوات الموجودة على الأرض، وإنما في انسحاب المشروع الذي تركته خلفها، ويتولى تنفيذه تشكيلات عسكرية لديها أسلحة ثقيلة ربما لا يمتلكها الجيش الوطني، ومتى ما انتهى المشروع الإماراتي وتفككت روابطه مع الميليشيات التي خلّفها، حينئذ يمكن الحديث عن انسحاب حقيقي.
 
الانسحاب الإماراتي من اليمن لا يمكن تصديقه، بينما ما يزال مئات المختطفين مخفيين قسرا في سجون تديرها الإمارات عبر ميليشياتها، ولا يعرف ذويهم عنهم شيئا، وما إذا كانوا على قيد الحياة أم لا.
 
كما أن الانسحاب الحقيقي الذي يجب أن تقوم به الإمارات، يتمثل في سحب نفوذها السياسي والعسكري الذي يهدد وحدة البلاد ووحدة المؤسسة العسكرية، ورفع يدها عن الموانئ والجزر الحيوية، ووقف كافة أشكال الدعم الذي يقوّض سلطة الحكومة في المناطق المحررة، ووقف تسليح الميليشيات والجيوش الموازية، وتسليم السجون السرية والعلنية التي تديرها إلى الحكومة الشرعية، أما عدا ذلك فلن يكون سوى انسحاب من مربع التحالف مع السعودية ضد الحوثيين إلى مربع مواجهة الحكومة اليمنية وإنهاكها حتى يصل الوضع إلى تسوية سياسية مع الحوثيين، وتلك إستراتيجية السلام التي تدعمها أبو ظبي.
 
يبدو أن السعودية، ستكون الخاسر الأكبر من الانسحاب الإماراتي، فهي وحدها من يطالها القصف الحوثي ووحدها من يتحمل تكلفة الحرب، وربما وحدها من سيتحمل ثمن جرائم التحالف التي ارتكبت بشكل خاطئ أو متعمد، ووحدها من ستواجه عاصفة الضغوطات الدولية التي تدعم الموقف الحوثي، وهكذا تكون أبو ظبي قد نجحت في حشر الرياض في مأزق حقيقي، بينما هي خرجت بسلاسة كما تخرج الشعرة من العجين.
 
في تصريح قديم يعود للعام 1999، قال الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي في ذلك الوقت: " إن الإمارات دولة نصف إيرانية، فنصف معاملاتها التجارية تجري مع إيران، ونصف سكانها إيرانيين أو من أصول إيرانية". وهذا أصدق تصريح لمسؤول سعودي عن الإمارات، ولو أسقطنا كلام الأمير على الدور الإماراتي في اليمن خلال سنوات الحرب لوجدنا أن نصفه الأول كان لمصلحة إيران وأذنابها في اليمن، ونصفه الآخر كان لخدمة مصالحها الخاصة في التوسع والسيطرة وبسط النفوذ.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر