حب المال، والسعي لتملكه، طبيعة فطرية جبل عليها الإنسان منذ الصغر، وحب والمال وتملكه ليس معيبا في حق الإنسان، لكن يعيبه أن يحصل على المال بطرق غير مشروعة، ويندرج فيها الحصول عليه مقابل بيع الضمائر، أو ما يمكن أن نطلق عليه الارتزاق على حساب المبادئ والحقائق.
 
المال يدور ومعه تدور عجلة الاقتصاد، وضمائر ضعفاء النفوس، الذين لا مبدأ لهم غير المادة، وتتحرك نزعاتهم تبعا لمن سيدفع أكثر، ومن سيدفع أكثر يكون قد كسب بوقا لإيصال صوته إلى أسماع الجماهير، وإقناعهم بأي فكرة أو توجّه معيّن.
 
عندما غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق عام 2003، كان المال الأمريكي قد سبق هذه الخطوة بشراء ولاءات ستمائة شخصية عراقية، من خلال استضافتها في وسائله الإعلامية والدفع لها لتجميل الوجه القبيح للاحتلال، وأثناء الاحتلال دفعت الولايات المتحدة مبلغ 200 مليون دولار للمرجع الشيعي علي السيستاني مقابل إصدار فتوى تحرم الجهاد وقتال الجنود الأمريكيين، وذات الرجل هو من أصدر فتوى الجهاد التي تشكل بموجبها الحشد الشعبي الذي له اليد الطولى في حرق وتدمير المدن السنية وتهجير ساكنيها.
 
في اليمن، نعاني كثيرا من ظاهرة الارتزاق على حساب المبادئ، وهناك شخصيات ذاع صيتها بسبب كثرة تقلبات مواقفها التي لا تستند على مبدأ أخلاقي، بقدر ما تدور في فلك المال. والقضايا المصيرية عند هذه الشخوص تصبح أشبه بأسهم قابلة للبيع والتداول في سوق الأوراق المالية.
 
والملفت للنظر، أن هذه العينة لا تجد حرجا في تسويق مواقفها الجديدة المتناقضة مع ماضيها، دون أدنى شعور بالخجل، فإذا قلبت حساباتها الشخصية في فيسبوك أو تويتر وجدت خليطا متناقضا من المواقف تفوح منها رائحة الارتزاق وعدمية الضمير الإنساني، فليس لها مبدأ ثابت والحقيقة عندها قابلة للتغيير وفقا لحركة المال.
 
الملف الحقوقي في اليمن، من الملفات البارزة التي أضحت تجارة مربحة للارتزاق وجني المال، على حساب تجيير الحقائق أو وإخفاء تفاصيلها أو تزييفها إن تطلب الأمر مقابل الحصول على أموال بالعملة الصعبة، وهنا يحضرني أسم منظمة حقوقية موالية للحوثيين تعمل على رصد الانتهاكات الحقوقية، لكنها لا تولي أهمية لانتهاكات الحوثيين بما يوازي حجمها، وهذا فيه تعد صارخ على مهنية العمل الحقوقي وعلى حقوق الضحايا وذويهم، وعلى حق الرأي العام في الحصول على الحقائق دون تهميش أو تجيير أو تزييف.
 
المال ليس مؤمنا وليس كافرا، يدور من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لكن لديه القدرة على جمع المتناقضات على طاولة واحدة، طاولة النظام أو طاولة رجال المال، وتحت هذه الطاولة ينضوي المرتزقة والمطبلون من مختلف المشارب والتوجهات.
 
وحال من يبيعون ضمائرهم ويغيّرون مواقفهم لأجل حفنة من المال، وليس لديهم قضية يناضلون لأجلها غير المال، يذكرني بقصة الأديب الانجليزي برنارد شو مع امرأة جلست بجواره في حفلة مشبوهة فسألها:سيّدتي هل تقبلين أن تقضي معي ليلة بمليون جنيه إسترليني؟

فابتسمت قائلة: طبعاً بكل سرور. فعاد وسألها: هل من الممكن أن نخفض المبلغ إلى عشرة جنيهات فقط؟ فغضبت وصرخت في وجهه: من تظنني أكون؟ فقال لها بهدوء شديد: سيدتي، نحن عرفنا من تكونين، نحن فقط اختلفنا على الأجر.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر