المُحارِبون بنا!


محمد علي محروس

 استمعت لجزء من خطاب للملك السعودي الراحل، فيصل بن عبدالعزيز، أثناء الحرب اليمنية بين الملكيين والجمهوريين، في ستينيات القرن المنصرم، لقد قال: ((مشكلةُ اليمن فُرضت فرضًا، ونحن لم نسعى لإيجادها، ولسنا راغبين في بقائها واستمرارها، وإنني أُشهد الله ثم أُشهدكم أنه لا يوجد لنا أي غرض أو مطمع أو هدف في اليمن، ولا أن يستمر سفكُ الدماء بين الأخوة... الخ)).

كان خطابًا حصيفًا، يمثل الدولة السعودية كجارة حريصة على اليمن ومصالحها، وتلك حقبة فيصل التي بانقضائها، انقلبت السعودية رأسًا على عقب في معاملتها لليمن دولةً وشعبا.

ما أشبه الليلة بالبارحة، ولو قُدّر لهم أن يخاطبونا، لخاطبونا بخطاب شبيه، أو مقارب له في الصياغة، وذلك ما رددوه عشية عاصفة الحزم قبل أربع سنوات، ثم انسلخت أهدافهم تباعًا، وغلبتهم الدولة الحليفة التي يثقون بها أكثر من أنفسهم، إذ أقحمتهم في متاهات سياسية واقتصادية وثقافية داخلية؛ لتنفرد باليمن وشؤون المنطقة برمتها، ولتصبح اللاعب الأقوى في كل ما يحدث.

أتمت الحرب عامها الرابع في اليمن، وتجاوزته إلى الخامس، وكلما أحسنا الظن فيهم، أساءوا إلينا بأفعالهم، وأقحموا أنفسهم في شؤوننا الداخلية، وحوّلونا إلى تابعين منتزعَي القرار، نسمع ونطيع، وإلا فالأدوات المصطنعة لليوم الأسود جاهزة للقيام بما يتوجب عليها القيام به، من أعمال شغب وفوضى، أو حتى العبث بالعملة المحلية، ويتجاوزون ذلك بافتعال ما يبرر لهم صناعة أحداث تتفاقم لتصل حد الاقتتال الداخلي، وكل ذلك لأسباب مجهولة، لا تدركها حتى الأدوات المستخدمة، سواء في شبوة وسقطرى وحضرموت وحتى عدن!

من يختلق الفوضى اليوم في المناطق المحررة، ويحاول قسرًا، فرض وجوده الاحتلالي، هو ذاته من صنع الحوثي، وجعل منه قوةً استثنائية؛ لتدمير اليمن، ووأد تطلعات أبنائها، وإنهاء ملامح الدولة الاتحادية، ومحو كافة مخرجات الحوار الوطني، التي شكلت أساسًا متينًا للانطلاق نحو البناء والتنمية، وإلا كيف حصلوا على كل هذه الترسانة من الأسلحة، وكيف نشروا الرعب في أنحاء البلاد، وكيف جنوا على أبناء جلدتهم كل هذا العذاب، وكيف باتوا يفرضون أنفسهم كقوة لا يمكن تجاوزها في أي حل قادم؟

من فعل هذا باليمن، هو ذاته من أغرق المنطقة في وحل الصراعات؛ انتقامًا من الانتفاضات الشعبية الرامية لانتزاع حقوقها المدنية، وهو ذاته من جعل من الجارة السعودية ذات صورة باهتة إقليميًا، ومسرحًا عالميًا للابتزاز، وهو من أقحمها في صراع ذاتي مع التقدمية والتحديث المزيف؛ بغية الحصول على صك الرضوان الغربي، وهو من يدعم الحوثيين صباح مساء لاستهداف مناطق حيوية في العمق السعودي، ويمدها بمستلزمات البقاء حتى يتسنى له تحقيق ما يريد!

وهو أيضًا من يعمل جاهدًا لتقزيم الشرعية اليمنية، واختلاق الأزمات من أجل انهيار شامل، يتيح لأدواته الحصول على ما يعود عليه بمنافع النفوذ والسيطرة، ويكفل للحوثيين البقاء في مناطق الشمال إلى ما شاءوا من الزمن، وهو ذاته من يعيق عمليات الحوار الأممية، ويُفشل أي مساعي للسلام، هو من يخنق الحديدة، ويُحاصر تعز، ويُعرقل تحريرها، ويشل حركة الموانئ، ويوقف تصدير النفط والغاز، ويتلذذ بآهات اليمن وأنينها، ويتباهى بفتات ما يقدمه، وهو الذي قال بأنه تدخل للإنقاذ، وإعادة الشرعية الدستورية، والوقوف إلى جانب اليمنيين في محنتهم!

من غير السوي أن تبقى الأوضاع بهذه الصورة القاتمة، من منحناهم تصريح العبور، في لحظة زمنية معينة، عبروا فوق كل مقدساتنا الوطنية، واجتمعوا من أجل التقسيم، يقتسمون تركة البلد المريض بسياساتهم المعقدة، ويغذون أفعالهم باستخدام أتباعهم والمتعاونين المحليين معهم، بحفنة دولارات، يصرفونها في القات والسيجارة ومحفزات أخرى!

متى يدرك اليمنيون أن هذه الحرب ليست حربهم، وأن هناك قوى بعينها تحارب بنا، تستنزف شبابنا، تسرق العمر الذهبي لوطننا، تبتاع وتشتري بخيراتنا، بعد أن حولت أرضنا إلى ساحة صراع مفتوح لمن هب ودب، وأغلقت أجواءنا فلا تستطيع الطائرات المدنية العبور إلا بتصريح مسبق، وأقفلت موانئنا أمام الملاحة البحرية، وتحكمت في كل شاردة وواردة باستثناء الهواء، ولو أمكنها لفعلت..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر