‏تجارة خاصة..


نور ناجي


كان ذلك في صنعاء، ومنذ ثلاث سنوات تقريباً، حين جلَست أمام الجميع متباهية بأن رأس مال مؤسستها تجاوز المليون دولار. هززت رأسي للهراء الذي تقوله وتجاهلتها، كيف لمنظمة جل فعالياتها إلقاء الدورات التثقيفية في فوائد الرضاعة الطبيعية- مثلا- أن تملك هذا المبلغ، خاصة أنها مجرد موظفة بلا راتب ولم ترث عم اغترب جل سنوات عمره في البرازيل، حتى اكتشفت سذاجتي وأنا أقرأ كشوفات المنظمات المتعاونة مع الأمم المتحدة والمبالغ التي تحصلت عليها!!..    

‏يقول إبن خلدون: "أن الإنسان اذا طال به التهميش، يصبح كالبهيمة؛ لا يهمّه سوى الأكل والشرب والغريزة"، كثيرون اعتبروا أن استمرار الحرب في اليمن بالتجويع المتعمد لشعبه، ليس سوى عملية منظمة تستهدف كسر إرادته، وفرض ما يريده الآخرون عليه، وليس من وسائل إخضاع أشد من الحرب والجوع إذا اجتمعا..

‏قد يكون في ذلك الرأي الكثير من الحقيقة التي تملك أوجه عديدة..
‏حين تشتعل حرب في منطقة ما تزدهر معها تجارة من نوع خاص. كان السلاح والمخدرات الصورة النمطية القديمة لنوعية بضائع الحروب، حتى تغيرت الصورة وانضمت سلع جديدة إليها باقنعة براقة تجلب أرباح تتخطى حدود الخيال وبلا مخاطر..

‏تجارة تحمل واجهة ومبادىء إنسانية زاهية المنظر، تترأسها الأمم المتحدة ومنظماتها التي تسعى لإنقاذ العالم من الشر، الذي قد يكون أحد أعضائها الدائمين المتسبب الفعلي له، وكان لانضمام دول التحالف دور في إنعاش تلك التجارة التي أغلقت على مصالح المشاركين فيها..

‏دول غنية تواجه العديد من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب في اليمن، وجدت ربما أن دفع المال خيار ملائم لها على الرغم أن ذلك لن يعفيها من التهم إن صحت على المدى الطويل، وتجاهلت أن التحقيق في تلك الاتهامات والجرائم- وإن كان صوريا- خيار انساني أفضل من صرف مليارات لا يدقق في مسارها، لتصبح مشاع "للشاطر والفهلوي". على عكس دول أخرى ترى مشاريعها النور دون الحاجة لدعاية أو لهدر أموالها عبثاً، وقد أدركت ان المال السايب يعلم البعض النهب.. 

‏لم تمنع تلك الاتهامات الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة من استلام الأموال الممنوحة لليمن، رغم علامات الاستفهام التي تحوم حول مانحيها. وكأن اقتطاع نصيبها وحقها المتعارف عليه جب ما قبله، وأصبح هو النقطة المحورية للعملية الإنسانية المفترضة، قبل أن تقوم بتوزيعها على المنظمات العاملة على الأرض..

‏سمح الإنقلاب وقادته لتلك المنظمات بالعمل شريطة التزامها بالأنشطة التي تناسب حالة الحرب التي يخوضها والاشراف المباشر عليها. وقد وجد في ذلك المال مصدر دخل لا ينقطع وحق مباشر له يطفىء بعض من نار الثار الذي يحمله ضد دول التحالف والشعب الرافض لهم رغم خضوعه وصمته..

‏رفضت بعض المنظمات العمل وفق شروط الحوثي، فأغلق أبوابها دون أن يخشى نقمة الأمم المتحدة وعقابها. فهو مدرك أكثر من الجميع أن الابقاء على ذلك السوق أكثر أهمية للمشاركين فيه من عقابه. 

يعلم الانقلاب قبل غيره أنه كائن لا إطار له ولا شرعية تلزمه بتطبيق القوانين الدولية، أو تجبره على تنفيذ عقوباتها، فمن الصعب محاسبة الاشباح!.. لا بأس إذن من بعض التنازلات الأممية مقابل استمرار تدفق الأموال ..

‏لم تكن لعبة المنظمات الإنسانية خفية على اليمني، لكن الشعوب تتعامل بسلبية ولا مبالاة عندما لا يسير أفرادها وفق عمل منظم، لم يمنع ذلك احساسه بالخديعة التي أصابته، وهو يقراء كشوفات المنظمات "التنموية، البشرية، الاغاثية الطارئة"، والمبالغ المهولة التي حصلت عليها..

‏من الصعب مواجهة حقيقة أنك كنت لعبة طيلة سنوات الحرب، مطية أُستخدم فيها إسمك ليبتلع غيرك المليارات، مقابل بضعة أكياس من القمح وعلب الزيت الموشكة صلاحيتها على الانتهاء، وربما القليل من العدس الذي لم يحل أي من مشاكلك ولم يمنحك الأمان..

‏أين الفلوس؟!، سؤال تداوله الكثير من اليمنيين ولم يجدوا له إجابة، هل صمت المنظمات عنه دليل إدانة لها، ام أن اليمني في نظرها لا يستحق أن يعرف مصير تلك الأموال كما لم يستحقها منذ البداية..؟!

‏نور ناجي ..

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر