كلما تصاعّدت حفلة الخصومة المجانية ضدّ الإصلاح في معسكر الشرعية، يخرج علينا قيادي في معسكر الجماعة الحوثية الانقلابية كي يغازل الإصلاح؛ فعلها محمد البخيتي سابقًا، ورددها أخرون، وكررها رئيس مجلسهم الحاكم بالأمس، مهدي المشاط..
 
لكن؛ من هو الغبي الذي لا يدرك أن هذا النوع من الغزل ليس بريئا ولا صادقًا؟! إنّه نوع من الانتهازية الرخيصة، تلك التي يتلطف بها خصم ضدّ خصمه بهدف إحراجه، لحظة تعّرُض الأخير لخذلان أصدقاءه في الميدان الواحد.
 
لدى الإصلاح شركاء يخاصمونه بفجور أشد من أعداءه؛ بدءً من الناصري والمؤتمري والاشتراكي (أحيانا)، مرورًا بالحراك الجنوبي الانفصالي، ووصولًا لحلفاء الخليج..!! وهي خصومة تتخذ أحيانًا طابع العداء المبالغ فيه، أو ربما المُفرِطْ. إلا أن كل هذه الخصومات، مع ذلك، لا يمكنها أن تُخفف من طابع خصومة الإصلاح المنهجية مع الحوثي؛ ولا يمكنها أن تُشتت تركيز الحزب عن المعركة الوجودية مع المشروع الإمامي، فضلا عن التقارب معه.
 
والاستحالة هنا، لا تتعلق بالتناقض الأيديولوجي/ المذهبي بين الحوثي والإصلاح. فهذا موضوع يمكن تجاوزه والتعايش معه، وفق أي صيغة متاحة. إنما جوهر المشكلة تكمن في إدراك الحزب لطبيعة الحركة الحوثية، وعقيدتها السياسية المفارقة للجميع، ولمشروع الدولة الحديثة ككل. وهذا- في نظري- ما يجعل الشراكة مع الحوثي مستحيلة، ليس بالنسبة للإصلاح فحسب، بل ولكل القوى السياسية الأخرى ذات التوجه المدني المتجاوز للاعتبارات العصبوية والسلالية الضيقة.
 
كما أن هذا العداء العنيف ضد الإصلاح، من قبل شركاء الهدف الواحد، ونفخهم للخصومة معه، وتركيزهم على معاداته أكثر من الحوثي، لا تلغي حقيقة أن الحوثي أخطر عليهم من الإصلاح. ولو أغفلتهم عداوتهم المنفلتة للإصلاح عن هذه البديهية؛ لكنهم سيعودون ويتذكرونها يومًا. الحوثي يمثل خطرًا وجوديًّا بالنسبة للإصلاح، كما هو بالنسبة لغيره من القوى الوطنية، وبنفس الدرجة تقريبا، مع اختلاف في مستوى العداء بحسب الوزن والحضور. 
 
 
فكرة أخرى، بخصوص شائعة "وهم التقارب"؛ من المهم التذكير بأن: العدو المشترك لخصمين، لا يكفي لتأسيس شراكة بينهما ضدّ الأخر. فالحوثي والإصلاح خصمان يقفان على طرفي نقيض، وعداء الخليج المعلن والمبطن للطرفين، لا يلغي الخصومة الجذرية بينهما ولا يقلص المسافة، أو يخلق إمكانية، من أي مستوى، لتحقق "فرضية التقارب" التي يتحدث عنها البعض ولو كخيار سياسي ومؤقت.
 
يدرك الحوثي أن الإصلاح أكبر خصومه تهديدًا لسلطته، وأكثرهم تصميمًا على إسقاط مشروعه؛ لكنه مع هذا لا يكف عن إعلان استعداده للتقارب معه، وهو لا يفعل ذلك من منطلق الحرص عليه كما يروج، أو كما قد يعتقد البعض؛ بل محاولة ساذجة لحشره أكثر في الزاوية الضيقة عبر هذه الدعوات الانتهازية المفضوحة للمصالحة، أملا في تعزيز عداء الخليج له بشكل أكبر، مع توفير مادة إعلامية مضافة للخصوم تبرر استهدافه أكثر.
 
كما أن هذه الدعوات الحوثية يمكن قرأتها كسلوك ذات طابع براجماتي متذاكي، يرغب من خلالها الحوثي باستثمار عداء الخليج للإصلاح، فينبري لمغازلة الحزب المغدور به كمحاولة مفضوحة وفاشلة لامتصاص حدّة الخصومة التي يحملها أنصار حزب الاصلاح تجاه الحركة الحوثية، وإشاعة أجواء نفسية تخفف من اندفاعهم الكبير وحزبهم- ولو على مستوى الموقف- في الحرب الرامية لإسقاط حكم الحركة، كونه يدرك حجم دورهم في المعركة ضدّه.
 
أخيرًا: من الجيد أن نتذكر أننا أمام جماعة بلا أي موثوقية، ودعواتها للمصالحة لا تنطلق من أي رغبة حقيقية في قيام شراكة على أسس وطنية، سواء كانت هذه الدعوات موجهة لحزب بعينه، أم تجاه الجميع.. ومسيرتها تؤكد أنها جماعة ذات غريزة استحواذية، لا يمكنها اقتسام السلطة مع أحد، ولا تريد حلفاء بقدر ما تريد أتباعًا، تحلل بهم وجودها وتُلمِّع وجهها الطائفي البغيض.
 
إلى جانب ما سبق، فهذا دور يستحيل على حزب بحجم الإصلاح، راكم كثير من الخبرة وله تأريخ سياسي طويل، أن يتقبل مجرد نقاش فكرته. فضلًا عن التورط به، وبهذه الخفة. وفي تأريخ تحالفات الحزب ما يؤكد طبيعته في إقامة التحالفات عبر الانتقالات الراسخة والسلسة، ما يستبعد تمامًا هذه القفزات العشوائية من النقيض إلى النقيض ودونما حسابات منطقية كافية.
 
باختصار: مهما بلغت مشاكل الإصلاح مع حلفاءه، ومهما كانت عداوتهم له مُرّة، ودسائسهم ضدّه صادمة وغير مبررة، إلا أن كل هذا لا يخلق أي إمكانية تدفع الإصلاح للتقارب مع الحوثي، مهما تفنن الأخير في عروضه.
صحيح أن الإصلاح في موقف صعب وحرج، واقع بين خذلان الصديق وخبث العدو، إلا أن الخناق مهما كان شديدًا، ثمة دائما هامش للمناورة، ووسائل أخرى متاحة لتجاوز الحرج، وبالتأكيد- حسب معرفتي على الأقل- ليس من بينها التخلي عن إيمانه الراسخ باستكمال معركته الوطنية ضد المشروع الإمامي.
 
فقط، أخبروا الحوثي أن يطلق آلاف المعتقلين من أعضاء حزب الإصلاح، والتوقف عن التنكيل بهم، وكثّر الله خيره. وبعدها فليبدأ بالحديث عن المصالحة.
 
وحينها، أظنه سيكون من الممكن لأعضاء الحزب، الذين تعرضوا لأكبر عملية قمع، وتعرض حزبهم لأكبر تجريف من قبل الجماعة الحوثية، تقُّبل نقاش الفكرة.. من باب التسلية فحسب.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر