المليارات والجائعين في اليمن


ياسر عقيل

لا أحد من اليمنيين راضي على عمل الأمم المتحدة خلال سنوات الحرب، يرى معظم المواطنين أن مأساتهم تحولت إلى نوع من التجارة المربحة للمنظمات الأممية لتغطية مصاريفها وتكاليف مقراتها وموظفيها الذين يتقاضون رواتب باهظة، في الوقت الذي لا يصل الجوعى إلا القليل من الأموال المتدفقة إلى اليمن من قبل المانحين خلال أربع سنوات من الحرب.


ماذا جنى اليمنيون من المنظمات سوى انهم يجوعون كل يوم، ومطلع كل عام  يسمعون أخبار المليارات التي تتدفق إلى بلادهم ولا يجدون شيئاً أمامهم يتغير، يذهبون المتاجر فيجدون شعار برنامج الغذاء العالمي على الدقيق والزيت وأصناف أخرى للبيع نقداً، وكأن المنظمة تحولت إلى شركة استيراد تبيع للفقراء وتستثمر بأجسادهم النحيلة.
 
الأمر لم يعد خافياً على أحد في عملية البيع التي تتم لقوت الناس المجاني في الأسواق، والقضية لم تعد عبارة عن مجموعة سلال غذائية استلمها مواطنون وباعوها لأنهم بحاجة إلى نقود، البيع تحول إلى شيء علني ومألوف وبكميات هائلة، وبإمكان موظف أممي ان يتجول في أقرب سوق لمقر اقامته وسيجد غذاء الفقراء يباع، وعلى الجانب الآخر متسولون يملؤون الشارع.
 
حسناً...! سيقول أحدهم لا علاقة للمنظمات الأممية بعملية البيع. وإنما الحوثيون والسلطات التي توزع الإغاثة، لكن هذا الفساد وبيع قوت الناس يتم على مرأى ومسمع من هذه المنظمات، دون اتخاذ أي إجراء لحماية إغاثة المحتاجين.
 
نحو 10 مليار دولار حصلت عليها الأمم المتحدة في اليمن، جعلتها تتحكم بمصير الحرب وتديريها بالطريقة التي تريدها، يعرفون ان تلك الأموال ليست إلا وسيلة للوصاية على الجميع في البلاد، فهم الوحيدون الذين يتحركون في عموم البلاد بحرية ويوزعون الفتات على طوابير الجوعى، تلك المهمة الانتهازية استطاعت أن تطول بأمد الحرب حيث لا شيء في الأفق يعطينا امل عن انتهائها في الوقت القريب.
 
ومادام ان الأموال لازالت تملأ جعبة المنظمات الأممية، فلا شيء يمكن أن يستجد في سبيل الوصول إلى السلام وإنهاء الحرب، بل سيعمل "غريفيث" على تجزئة الحلول أكثر مما فعل خلال عامه الأول والذي فشل في إحراز أي تقدم، سوى أنه استطاع استنزاف أموال كبيرة كوقود لطائرته ومصاريف سفرياته الكثيرة، واستئجار سفينة للمراقبين الامميين في البحر الأحمر بنحو 400 ألف دولار شهريا.
 
منذ العام 2015 والأمم المتحدة تقدم خطط سنوية للاستجابة الإنسانية، ولم تستطع ان تحد من تفاقم الأزمة -أو بالأحرى لا تريد- وفي كل عام تعلن عن مبلغ أكبر من المطلوب للحصول على التمويل الكامل، ومؤخراً في "مؤتمر جنبف" كانت تطمح لجمع أربعة مليار دولار، لكنها جمعت تعهدات بـ 2.6 مليار دولار وهذا ليس مبلغ بسيط انما كبير جدا، وسياتي نهاية العام وأرقام المحتاجين لم تتقلص إنما ترتفع كعادتها.
 
كيف يمكن ان يقتنع اليمنيين بعمل المنظمات الأممية وكل عام يرتفع أعداد المحتاجين، يتساءل الناس: كيف جرت الاستجابة الإنسانية خلال العام ولم تنقص من عدد المحتاجين أصلا بل زايدتهم؟ بمعنى أن لا شيء يتغير في حالة المحتاجين لا يزالوا تحت خط الفقر ويأكلون وجبة واحده في اليوم، وكل تلك المليارات لم تستطع أن توفر لهم وجبة أخرى.
 
في الواقع استطاعت المليارات التي تستلمها الأمم المتحدة أن تصنع فساد كبير في اليمن ودعمت تجار الحروب، الذين يعملون على تبييض تلك الأموال، والتي تظهر حالة الرخاء التي يعيشها المتحاربون في بناء وشراء العقارات، أما الجوعى والفقراء فهم لا يزالون في تلك الطوابير الطويلة ينتظرون علبة الزيت وكيس الحبوب، وهذا هو الواقع الذي يشاهده اليمنيون في حياتهم اليومية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر