الاستبداد وسلب الإرادة الشعبية


منذر فؤاد

بعد مرور ثمان سنوات على اندلاع أول ثورة عربية ضد في تونس ضد استبداد بن علي، الذي صادر إرادة الشعب لنحو ربع قرن من الزمن، تطل علينا أخبار جديدة عن مواصلة أنظمة عربية مصادرة الإرادة الشعبية والاستخفاف بها.
 
في الجزائر بلد المليون شهيد، يُعلن بوتفليقة عن ترشحه لولاية رئاسية خامسة، بعد أن أمضى الولاية الرابعة بين كرسيين؛ الكرسي المتحرك وكرسي السلطة، وسواء كان ترشح بوتفليقة برغبته أو برغبة قوى نافذة داخل مؤسسات الدولة، فإن ذلك ليس إلا إمعانا في الاستخفاف بإرادة الشعب كما لو أنها مشلولة كما هو الحاكم!
 
سلب الإرادة الشعبية ومصادرتها لم يتوقف في مصر أيضا، منذ انقلاب العسكر في يوليو/تموز 2013، ومع اشتداد الخناق على حرية التعبير والتظاهر، وإرهاق تفكير الشعب بأموره المعيشية المتدهورة بشكل مستمر، لم يكن مستغربا أن يلجأ قائد الانقلاب السيسي لتعديل دستور ما بعد الانقلاب بما يمنحه 12 سنة إضافية قابلة للتمديد للبقاء في سدة الحكم والقضاء على ما تبقى من مكتسبات ثورة يناير المنبثقة عن إرادة شعبية خالصة.
 
في اليمن، لايزال الشعب يخوض صراعا مريرا لفرض إرادته التي تعرضت لتآمر داخلي وخارجي لم يتوقف حتى الآن.
 
في احدى المرات، سألني أحدهم مستخفا عن مدى قدرة اليمنيين على التظاهر ضد الحوثيين وإسقاطهم كما فعلوا مع صالح، فأجبته أن الظروف الراهنة واستقواء الحوثيين بالسلاح واعتبارهم التظاهر ضدهم "خيانة وطنية"، لا يجدي معه أسلوب الفعل السلمي، وهو ما ينطبق على حالة الثورة السورية، وفي هذه الحالة يبقى الفعل العسكري هو الأهم، واليمنيون اليوم يجسدون إرادتهم في مواجهة الحوثيين من خلال الفعل العسكري، على أن هذه الإرادة الشعبية لاتزال عرضة للتهميش والسلب من قبل أنظمة خليجية، ومن نظام الرئيس هادي نفسه، الذي عمل خلال فترة رئاسته قبل تمديدها، على مصادرة الإرادة الشعبية إرضاء لأنظمة سلطوية خليجية ورضوخا لنفوذ سلفه، وهذا بالطبع سهّل انقلاب الحوثيين على الإرادة الشعبية وأوصل البلد بعد أربع سنوات من الانقلاب والحرب لأن يصبح هادي الذي جاء بفعل الإرادة الشعبية مسلوب الإرادة لا يملك قراره.
 
مصادرة الإرادة الشعبية من قبل أرباب الثورات المضادة ونظم القهر والاستبداد، ليس قدرا يجب التسليم له وعدم الاعتراض عليه، بقدر ما هو مرحلة مؤقتة ستنتهي كما انتهت عقود من سلطة الفرد، وكلما أمعن المستبدون في دعس إرادة الشعب اشتعلت جذوة الثورة في نفوس العامة، وإن حجبها الرماد لبعض الوقت، وتوهم المستبدون أنهم في مأمن.
 
صحيح أن الشعوب العربية تعيش حالة يأس غير مسبوقة، بفعل الإبادة والقمع ومصادرة إرادتها من قبل أنظمة الثورات المضادة، لكن ذلك لن يرغمها عن استساغة الواقع والقبول بالهزيمة، وهي التي كسرت حاجز الخوف قبل ثمان سنوات وأسقطت أربعة رؤساء عن عروشهم، وبالتالي لن يقف هذا الواقع البائس أمام تطلعات الجماهير واستعادة إرادتها، وما يجري اليوم في السودان من ثورة شعبية ضد نظام البشير، ومظاهرات واسعة في الجزائر ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة إنما يؤكد أن الشعوب لاتزال تحتفظ في كوامنها بضرورة التغيير وفرض إرادتها المصادرة من الاستبداد.
 
إن الاستبداد مهما تعاظم في سلب إرادة الشعب، فإنه بذلك يحفر قبره بنفسه، وكلما   توسع في مساحته وتعمّق في سطوته، فإنه إنما يوسع حفرته ويعمقها أكثر فأكثر، إلى أن يأذن الله بزواله ودفنه، وما على الشعوب إلا المثابرة وعدم اليأس والاستسلام حتى تفرض إرادتها بإذن الله.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر