النجاة من الوطن


فكرية شحرة

حين تسافر من مدينة إلى أخرى داخل بلدك، ويستغرق منك السفر ساعات طويلة لمسافات قصيرة كأن وجهتك بلا نهاية.. أعلم أن الغربة الحقيقية داخل وطنك.

ما يقرب من عشر ساعات من إب إلى عدن، في حافلة مكتظة، يتساوى فيها الواقفون والجالسون بقسمة الضنك والتعب.

وبأجرة باهظة لا تحفظ حتى كرامتك في الاحتجاج على تعامل أقل ما يوصف بالهمجية واستغلال حاجة الناس.

ستجد على مستوى شركة النقل، صورة مصغرة لدولة الحوثيين.

انتهازية ولصوصية وإهمال وتعسف بلا مبرر.

الحق الإلهي يلاحقنا بصور وأشكال مختلفة، مثله حق النقل الجماعي في الوصول إلى عدن.

نقاط التفتيش ثقوب سوداء، زرعت على طول مجرة اليمن، تبتلع الوقت والمال، وتضاعف من شدة التعب.

يمر الوقت في الطريق، وكأنك في البرزخ لا تدري متى ستبعث في حياة أخرى.

يوقد التنقل داخل اليمن مرارة في النفس، وكأن الله أصابنا بلعنة المباعدة بين أسفارنا إلى الأبد.

وتتضاعف مرارتك حين تسافر إلى دولة أخرى في قارة أخرى، في وقت أقل مما استغرقته من مدينة إلى أخرى جوار مدينتك.

أول ترحيب يصادفك: مبروك لقد نجوت من اليمن بأعجوبة فلا تعود!!!

هكذا يرى الإنسان اليمني وطنه فخ محكم الإبادة والخروج منه على أرصفة التشرد والضياع عملية نجاة خارقة تستحق المباركة.

ليست الحرب فقط من خلقت هذه الصورة القاتمة للبقاء داخل الوطن، فهي صورة قديمة حملها المغترب دائما.

بل هو اليأس من القيادات وصناع القرار أكثر مما مضى.

تخوض الأمم الحروب وتخرج منها أقوى؛ لكن حربنا صارت لعبة فقط تقتل فيك الرغبة في الصمود والقتال وتشعرك أن قضيتك فكرة غير عادلة؛ ما دامت تدر النفع على الكثير وتصنع نخبة راضية مرضية وزبد الشعب يذهب جفاء.

هؤلاء النخبة باعوا واستلموا ثمن بيعتهم وطابت حياتهم وصارت النفعية وطنهم الأم.

أما المواطن المشرد داخل وخارج وطنه تظل العودة قبلة قلبه كالمستجير من الجحيم بآخر.  

ما سرّ عشق الوطن في قلوب الذين يرونه من بعيد؟.

أن تنوي العودة وأنت تعلم أنك بلا دخل؛ وتحت خط النار؛ ومطلوب رئيسي للخوف وملاحق بالفقر ومهدد بالاعتقال.

وتعود محملا بالخوف والحب لأرض تقذف أبنائها كأم ترى الغرق وشيكا.  

ومع ذلك تصر أن الضياع على أرصفة الوطن أقل مشقة منها في بلدان الاغتراب.
ربما هو التفكير أن النجاة من سفينة تغرق فيه خيانة للبقية.

وأنك لست طائر كي تحلق من بين البشر؛ أو أن جناحيك يحميانك من غرق محتوم.

نجاتك فيها خيانة لمصير مشترك صنعه الحقراء في البلد ليواجهه العاجزون فقط.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر