قبل الحديث عن اللعبة الإماراتية بمسألة الإرهاب في اليمن، من الجيد التذكير أن مفهوم الإرهاب، ومنذ إطلاق شعار الحرب عليه بعد أحداث 11 سبتمبر، لا يزال مفهومًا عائمًا ودون أي محددات تعريفية تسهم في ضبط دلالاته النظرية في الواقع، وتمنع من التلاعب به وفقًا للأجندات السياسية لهذا الطرف أو ذاك.
 
 وأما سبب بقاء المفهوم سائلًا، فلا يعود لمشكلات نظرية في ذات المفهوم يصعّب تحديده، بل يعود لرغبة عملية تعكس وجود إرادة دولية لإبقاء المفهوم غائمًا ومفتوحًا هكذا، وبما يسهل توظيفه من قبل اللاعبين الدوليين الكبار ووكلاءهم بحسب الظرف والمصلحة.
 
وإسقاطًا على الحالة اليمنية، تأتي الحرب الإماراتية على الإرهاب في ذات السياق، ولذات الغرض السياسي ذو البعد المحلي والدولي معا.
 
 
 من دعم الشرعية إلى الحرب على الإرهاب
 
لم يكن شعار الحرب على الإرهاب، أحد أهداف التدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن. أو على الأقل لم يكن هدفًا معلنًا. إلا أنه وبمرور الوقت، تغيرت الأهداف وأعاد التحالف- من خلال سلوكياته على الأرض- رسم أهدافه بشكل مغاير لما هو معلن عنه، بخصوص استعادة الشرعية ودحر الانقلابيين الحوثيين..
 
وكان أحد مظاهر انحراف التحالف عن الهدف الأصلي، هو الدخول في معارك موازية تحت شعار ما يسمى "الحرب على الإرهاب". وتعد الإمارات هي رأس حربة هذا الشعار، والدولة الأولى في التحالف التي تجاهر بهذا الهدف، ونفذت عمليات تحت غطاءه وبدعم أمريكي معلن.
 

 أسباب استدعاء الإمارات لورقة "الإرهاب"
 
هناك جملة أسباب دفعت الإمارات لاستثمار ورقة الحرب على الإرهاب لتحقيق أهدافها المحلية والدولية تحت هذا الشعار.
 
بالنسبة للأهداف المحلية، فالأمر يتعلق برغبتها في تصفية خصومها المحلين، وتضييق الخناق عليهم وتحجيم أدوارهم وحضورهم إلى أقصى حد ممكن. والمقصود بخصومها المحليين هنا، ليس عناصر تنظيم القاعدة، بل الخصوم السياسيين الذين يشكلون مصدر ممانعة لمشروعها التوسعي في اليمن ويرفضون تجاوزاتها لفكرة السيادة وعبثها بمفهوم الاستقلال الوطني.
 
إلى جانب هذا الهدف المحلي، فالإمارات تهدف لتعزيز نفوذها الإقليمي في أكثر من بلد، ومنها اليمن. وتتخذ من شعار الحرب على الإرهاب، لافتة لتسويق نفسها كوكيل جديد للغرب في المنطقة. وذلك باستغلال حالة الفراغ الذي خلفه انشغال الحلفاء العرب التقليديين والسابقين في شئون بلدانهم وتعذر لعبهم لهذا الدور.  
 
حيث تستثمر الإمارات هذا الفراغ وتدفع بنفسها للواجهة أكثر، مع التنويه أن علاقة الغرب الوثيقة بالإمارات ليست وليدة اللحظة؛ لكن مؤخرا تجلى ما يشبه النزوع الإمبريالي للإمارات (مع صعوبة انطباق مفهوم الإمبريالية على هذه الدولة لأسباب بنيوية ذاتية يطول شرحها)، وترغب في الذهاب أكثر بهذا الاتجاه، كي تستثمر عائدات هذا التوسع في تعزيز أهليتها كحليف قوي؛ ومنح شراكتها مع الغرب بعدًا أخرًا؛ وتعزيز ثقة الحلفاء الدوليين بها أكثر.
 

نماذج لعمليات إماراتية على الإرهاب وتداعياتها
 
في مطلع العام الماضي، أعلنت الإمارات تنفيذ عملية عسكرية خاصة لمكافحة الإرهاب في "صعيد شبوة" بمحافظة شبوة- شرق اليمن. جاءت تلك العملية بعد أسابيع من الصدام العسكري المسلح الذي حدث في العاصمة المؤقتة (عدن) بين قوات الحكومة الشرعية ومسلحي الحزام الأمني والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في يناير 2018.
 
 وما إن شعرت الإمارات بفشل مخطط إزاحة القوات الشرعية كليّا من عدن، جرّاء تدخل السعودية، لجأت لمد نفوذها شرقا باتجاه محافظتي شبوة وحضرموت، وأنشأت ما يسمى "قوات النخبة الشبوانية"، على غرار "قوات النخبة الحضرمية"، و"الحزام الأمني" في عدن، ولذات الهدف المزعوم: حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب. لكن، حين تنظر في الواقع، تجد الهدف مختلفاً، ويتمثل- كما أسلفنا- في تحقيق مكاسب سياسية، تتعلق بتعزيز حضورها كشريك دولي في مكافحة الإرهاب، وتوظيف اللعبة لكبح جماح التيارات المناهضة لمشروعها في اليمن.
 
نموذج أخر؛ ما حدث في الثالث من يناير الجاري (2019)، حين قامت قوات من النخبة الشبوانية باقتحام قرية في محافظة شبوة، بحجة تعقب أفراد مشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة.
 
 هذا السلوك استفز مسلحين قبليين في المنطقة، ودخلوا في اشتباكات مباشرة مع قوات النخبة، التي خاضت العملية بمساعدة الطيران الأمريكي والدعم المعلوماتي لها. ونتج عن العملية مقتل عشرة أشخاص، بينهم طفل. الأمر الذي ولد حالة استياء مجتمعي واسع من العبث الإماراتي بمفهوم الإرهاب، وتصدير صورة مشوهة عن أبناء البلد!!
 
يأتي ذلك، في وقت أصبح معلوما فيه أن المجاميع المسلحة لتنظيم القاعدة، لم يعد لها أي حضور في الفترة الأخيرة، وتبدو أنها فقدت مصادر تغذيتها كلياً. إلا أن الإمارات تسعى للتحرش بالقبائل واستفزازهم عبر إلصاق تهمة الإرهاب بهم، لتحقق أهدافها السياسية في الاشتباك معهم على حساب أمن المجتمع وسلامته.
 

الخلاصة: 
 
نحن إزاء دولة طائشة، لا تتردد عن العبث بأخطر الملفات الأمنية في البلاد والمتاجرة به، لتحقيق مكاسب سياسية. وهذا هو الإرهاب في أوضح تجلياته. إرهاب الدولة التي تسعى، بتصميم وإدراك كامل، لتفعيل ورقة الإرهاب وتفخيخ عناصر السلام والاستقرار في المجتمع اليمني، واستعداء قطاعات مجتمعية واسعة عبر تنميطهم بتهم زائفة وتصدير صورة مشوهة عنهم للمجتمع الدولي.
 
 وإن كان المجتمع الدولي لا يجهل حقيقة الأمر، إلا أنه لا يمانع بعقد صفقة مع كل جهة ترفع شعار "الحرب على الإرهاب"، وتعمل على تقديم مختلف أنواع الدعم له، وذلك بهدف تغذية أسباب النزاعات المجتمعية وإبقاء المنطقة في حالة اشتعال دائم، كونها تمثل أحد أهم مسارح العنف الدولية، التي تدر عليهم الأرباح وصفقات السلاح الهائلة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر