عطش الحاجة إلى بطل!


سلمان الحميدي

لم أعتقد أن يأتي يوم وأشجع فيه ليفربول، حتى أتى. وصرنا ننتظر بلهفة مباريات الريدز لننظر إلى محمد صلاح، هل هذه عقدة نقص عربية؟ لا أعرف ما يطلق عليها علم النفس، التعلق بما يجلب النصر وينعش الآمال الخامدة، في حقبة الهزائم والخذلانات..

أبي الذي يعيش على العقاقير المضادة للاكتئاب انخرط في التشجيع، دون أن يشاهد مباراة كاملة أو يعرف اسم الفرق، تكون المباراة في الدوري الإسباني فيأتي ويسأل: محمد صلاح الأزرق وإلا الأبيض، تكون بين أندية أفريقية وأحيانًا منتخبات آسيوية، يأتي والراديو معلقًا على كتفيه مثبت على إذاعة القرآن الكريم، ويسأل السؤال ذاته: محمد صلاح مع من؟
الشهرة العربية التي حققها صلاح، وصلت إلى قريتنا..

ذيوع صيته والحاسة التهديفية بأسلوب سهل وبسيط، جعلته يتلألأ في كل مكان، والجماهير العربية تراقبه حتى من ليس رياضيًا، لأنه وبتعبير درويش: أجج فينا عطش الحاجة إلى بطل!.
ليس هناك مغالاة في شعبية صلاح وحب الناس له، ومع ذلك فقد انسلخ فريق يتهكمون منه، وخاصة مع تركيز محبيه على أخلاقه، هذا التجاذب والتفكه ينعكس من حالات اليأس التي نعيشها في ظل سياسة الكبت العربي، مع صلاح نعيش الحرية كاملة، نقول فيه ما نشاء ويقول الآخرون عليه ما يشاؤون.

يوم الأحد الفائت، كنا متأهبين لمشاهدة مباراة ليفربول والأرسنال، باغت لاعبو الأرسنال ليفربول بهدف مفاجئ، أبي لا يحتمل الهزيمة، دخل إلى غرفته مباشرة، تناول علاجه وكان من المفترض أن ينام ويعلوا شخيره..
في بداياته الأولى وعندما كان مغتربًا في السعودية، شجع مباراته الأخيرة بحماسة واعتزل عن الرياضة حفاظًا على صحته، كانت المباراة بين المنتخبين السعودي واليمني، هزمتنا السعودية بهدف نظيف، حينها حملوا أبي إلى صندقة العزبة وقد أصابته الحمى وبدأ يهذي ويشتم، أحدهم نصح المغتربين بإسكات أبي كي لا يسمعه الجنود ويأخذوه للسجن.

عقب مباراة ليفربول والأرسنال، كان أبي مستيقظًا، يدخن سيجارته في وقت لم يعتاده في الآونة الأخيرة، محمر الوجه وشارد مع الهزيمة في سحب الدخان.. سألني عن المباراة، أجبته: خمسة واحد انتهت.. فرد بنبرة مشوبة بالخذلان: محمد صلاح ولا بسنت.. لقد ظن أن الأرسنال هو من فاز، فصححت له: فريق صلاح اللي فاز.. أطفأ سيجارته: أيوه تمام.. ثم ذهب للنوم.
من الطرائف التي انتشرت بعد المباراة: لماذا فاز ليفربول على الأرسنال بخمسة أهداف؟ لأن محمد صلاح أراد أن يذكرنا بأركان الإسلام..
نحن بحاجة إلى بطل لا ينهزم.. يتألق ويسدد.. ينمي الشعور العربي المنسحق، ذلك الشعور الجمعي الذي غيروه إلى الوهن والتخلف والرعب والطمع والخذلان.

عقب فوز الأرجنيتن بكأس العالم عام 1986، كتب الكبير محمود درويش نصًا مدهشًا لمارادونا. نصًا طويلًا يمدح فيه هذا اللاعب العملاق لا لشيء، إلا لأنه كسر شوكة أوروبا، القارة العجوز التي أبرمت وعدًا لمن لايملك باقتطاع جزء من فلسطين لكيان الاحتلال.
سطى هذا الشعور على النص، عقب الفوز في المباراة النهائية على ألمانيا الغربية..

"لمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجج فينا عطش الحاجة إلى: بطل.. بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلق له تميمة، ونخاف عليه، وعلى أملنا فيه، من الانكسار"..
ويقول:"إن هو لم يسدد ستموت الارجنتين من البكاء، وإن هو لم يصوب سترفع الارجنتين نصبًا لعارها في الفوكلاند. سيتوقف الشعور القومي عن الرقص، وستربح إنكلترا المغرورة الحرب مرتين".

وإجابة لسؤال: ماهي كرة القدم؟ يقول درويش إنها حرب التأويلات، وبعد عدة تعريفات يستطرد:
"ومن مظاهرها الوحدة الأوروبية المفاجئة حول ألمانيا في المباراة النهائية التي اتخذت شكل الصراع الأوروبي الأميركي اللاتيني، بينما لم يعرب "العالم الثالث" عن وحدته. وقد يحمل هذه الدلالة "انحياز الحكم البرازيلي السمسار المستلب الذي بذل جهودًا طائلة للحصول على البراءة الأوروبية من تهمة محتملة، لأن مقياس النزاهة هو مقياس أوروبي"!.
حتى حكم المباراة، لم ينج من ملاحظات درويش.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر