وطن على قارعة التسول


فكرية شحرة

بقاؤه على سرير المستشفى لا يعني إلا مزيدا من الوجع. إنما إلى أين يذهب بساق تتآكل؟!
 
مشاهدة السواد والتعفن يغزو لحم ساقه كل يوم، على أمل أن ينقذها من القطع، تضمحل كل يوم. ليته فقدها مباشرة أثناء المواجهات، خيرا من أن يخالجه الأمل في بقائها.
 
لقد أخبروه عن جهود القائد المخلافي من أجل انقاذ الجرحى، وأن هناك فاعل خير سيتكفل بعلاجهم.
 
فاعل خير يتكفل بعلاج الجرحى!!
 
الجرحى الذين تساقطت أجزاء من أجسادهم على ثرى وطن، لا يملكون الحق في ترميم هذه الأجساد على نفقته!!
 
لا بأس أيها الوطن. فأنت أيضا تتسول مثلنا على قارعة الدول، بعد أن عرّاك اللصوص من كرامتك كسيادة مستقلة؛ بعد أن صادروا خيراتك وحقوقنا كبيعة متكاملة.
 
عندما أصيبت ساقه لأول مرة في إحدى المواجهات، كانت يده مازالت هنا بالقرب، تساعد أختها في رفع هذه الساق الثقيلة. الأن بعد بتر ذراعه اليسرى، صارت اليمني وحدها لا تنفع، إلا لشد شعره كلما اشتدت وطأة الألم على ساقه.
 
حين أصر على العودة للقتال من أجل تعز بساق تعرج، كان حينها يرى تعز كلها سندا له. قلعة القاهرة توازن خطواته ويتكئ عليها في ضعفه؛ كل تعز كانت كتفا واحدة تصد المليشيا وتسند بعضها. تعز الآن عرجاء أكثر منه، تحتاج إلى من يقودها في عماها هذا، ويقطع أقدام تلعب بها ككرة.
 
إصابته الثانية اطاحت بذراعه تماما. أما ساقه العرجاء فمهددة بالبتر. وهذا ما يؤلم روحه أكثر من جسده.
 
تذكر رفيقه، صاحب الشَعر الأشعث، حين قذف به اللغم أمتارا وظل حياً، رغم اقتلاع اللغم لساقيه وسلاحه من بين يديه. فكان يصرخ تحت وطأة صدمة الموت: "هاتوا سلاحي .. هاتوا سلاحي ..".
 
جثى قربه وهو يقول: "أنت مصاب .. اهدأ قليلا سنسعفك". فناشده قبل أن يفقد الوعي: "اجهز عليَّ يا رفيق .. بحق الله، اجهز عليَّ، ما الحياة إن عشت عاجزا في وطن عاجز!!".
 
لحسن حظه، أنه نزف حتى فارق الحياة، دون أن يعايش هذا الموت البطيء، الذي يعانيه الجرحى على أسرة المستشفى، وفي منازلهم. كان ليطلق الرصاص على ما تبقى من جسده، حين يشعر بالعار وهو يقف متظاهرا يحمل لافتة كتب عليها "انقذونا .. أجسادنا تتعفن".
 
يقف ذليلاً، أمام أبواب الشرعية، تنديدا بالإهمال الذي يلاقيه نصفه الأعلى ممن لا يستحق أن يكون النصف الأسفل لأي مقاتل ضحى في سبيل الوطن!!.
 
لكن الأجساد التي تتعفن بانتظار العلاج، عادة تكون بسبب الضمائر المتعفنة لآخرين.
 
وكما يقال "الغريق يتعلق بقشة"، أصبح الجريح يتعلق بقشة الإحسان، فقد ضاعت الحقوق في هذا الوطن، لتحل محلها الصدقات.
 
الشعب كله، يعيش على إحسان ومعونات المنظمات. والجرحى يعالجون على إحسان فاعلي الخير.
 
بل إن العالم قرر أن يحسن إلينا بحاكم يتولى أمرنا كصدقة جارية، بعد أن عجز حكامنا عن مهامهم، وحفظ وطنهم، والبقاء على أرضهم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر