الحلول الهشّة للسلام


ياسر عقيل

في كل مرة يتطلع اليمنيون للسلام وإنهاء الحرب ويتفاءلون كثيراً عندما تتجه أنظار العالم نحو بلادهم المنهكة بالصراع والميلشيات المسلحة، والتي أسفرت عن أزمة إنسانية هي الأسوأ بالعالم في ظل تكاثر تجار الحروب الذين استطاعوا تكوين ثروات هائلة خلال الحرب.
 
بيد أن محاولات بناء السلام على اتفاقات هشة لن تحقق لليمنيين الاستقرار الذي يحلمون به، بل ستضاعف المعاناة مستقبلاً على المدى القريب في استمرار العبث في مؤسسات الدولة تحت غطاء الاتفاقات المعلنة وإعادة التمترس وتفخيخ المستقبل بإجراءات لا يمكن تجاوزها بسهولة.
 
"اتفاق استوكهولم" الذي أعلن عنه في 13 ديسمبر الجاري كان هدفه أن يحقق اختراق في الأزمة اليمنية، ففي حالة ظل ذلك الاتفاق على ذات الهدف فتلك مسألة ممكن أن يتم تقبلها في إطار حسن النوايا بالجهود الأممية والضغوط الدولية، لكن أن يتحول إلى خطة ممنهجة لاتفاقات قادمة فلا يمكن ان يُفهم إلا أن تلك الجهود تهدف لتحسين قواعد الاشتباك فقط.
 
وتبرز خطورة ذلك التوجه في عملية توطين الحرب في اليمن بين الأطراف، وستكون تلك الاتفاقات خطوة نحو حماية المصالح الدولية ووضع خطوط محدده للطرفين في إدارة حروبهم المختلفة وتكون بذلك الأمم المتحدة ضالعة في صناعة سلام خادع عبر المراقبين الدوليين الذين من المتوقع ان يتم نشرهم خلال الأيام القادمة في مدينة الحديدة.
 
إذا ظلت الجهود الأممية  تركز جهودها على ملفات بناء الثقة فهي في مجملها عبارة عن هدنة في جوانب إنسانية لحرب طويلة الأمد، فخلاصة تلك الملفات تتمثل في تجاوز الأزمة الإنسانية من خلال فتح المنافذ وتحييد الاقتصاد وتسليم الرواتب بالإضافة للإفراج عن المعتقلين، وإذا نجحت في ابرام اتفاقات وتم تطبيقها فهي تهدئة وتجاوز لضغوط الأزمة الإنسانية، وبالتالي ستبقى حالة التفكك والحرب مستمرة بلا أفق وهو ما سيودي في الأخير  لإنهيار تماسك البلاد والقبول بحالة من اللا حرب واللا سلم في مناطق سيطرة الطرفين.
 
وإذا ما تم  الانتقال نحو الخطوة التالية للسلام في مناقشة إطار الحل السياسي الشامل للحرب، فهي الاختبار الحقيقي لمدى جدية المواقف الدولية من خلال ضغوطها والتي من المتوقع أن تمارس ضد الطرفين لإبرام اتفاقية حقيقة تُمكن اليمنيين من الحصول على دولة قوية تدير شؤونهم وترسخ السلام وتنهي كل آثار الحرب، وإذا لم يحدث ذلك فالجهود الأممية الحالية عبارة عن تطبيع مع الحرب لتستمر بدون نهاية.
 
الإبقاء على ميلشيات في خاصرة الدولة اليمنية سيكون عبارة عن مرض خبيث في جسد الدولة سيعمل على قتلها في أي وقت، سواء من خلال السيطرة الجغرافية أو الحلول الترقيعية التي تبقى على الميلشيات كقوة مسلحة خارج إطار الدولة والتي بمقدورها أن تتحكم في مسار الأزمات وإيقاف أي تقدم أو نهوض في عمل المؤسسات الحكومية، التي من المفترض ان يتم الاتفاق على ادارتها ضمن مرحلة انتقالية في إطار الحلول الأممية المطروحة.
 
الحلول الهشة للسلام لا يمكن ان تبني لليمنيين دولة تحميهم وتؤمن حياتهم، بل ستعمل على ترحيل الحرب إلى المستقبل على المدى المتوسط والبعيد، كل ما يريده المواطن اليمني هو ألا يبقى رهن عبثية السلاح المنفلت الذي تملكه الميلشيات والتي لا أمان في أن تلتزم باتفاقات أو قانون وطني يحمي مكتسبات الوطن ويبني دولة قوية.
 
على سبيل المثال تبقى سيناريوهات حلول المجتمع الدولي أما على أساس التقسيم الجغرافي وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الأمريكي، أو على الطريقة اللبنانية والعراقية والتي تتم عبر تقاسم للسلطة على أساس موازين القوى المؤثرة، وهو مشروع تفكيكي لإبقاء البلاد في صراع دائم بأشكال مختلفة إما باندلاع دورات عنف مستمرة، او أزمات سياسية لا تنتهي ويكون المجتمع الدولي بذلك ضمن مصالحة فقط.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر