"عدن" إذ تشرق بعد الغروب


همدان الحقب

 غربت عدن خلف أدخنة الحرب، وتكابد جاهدة لتشرق من جديد..
 
 بدا لي أن عدن غربت مع حرب تركت ندوبها وجراحها النازفة حيثما وليت وجهك في المدينة. غربت كما تغرب شمس يوم حزين وكئيب خلف القمم النائية. لكنها كعادتها تحاول جاهدة أن ترسل خيوط فجرها الأولى من بين الركام الحرب ورمادها ..
 
وهكذا هي مدينة عدن؛ حينما يأفل فجرها، يؤذن بإشراقة جديدة تمهد لإسراج نهار جديد. الحرب هذه المرة حجبت وجهها كما لم تفعل غيرها من قبل، وسحّت دمها ودمعها على جنبات جبل شمسان ورمل شوائها الدافئة.
 
تحت تأثير الدمار الشامل الذي طال عدن، هممت في قرارة نفسي بسؤال: هل يمكن أن يكون الذي دمر عدن بهذا الشكل المنظم قد شعر ولو ليوم عابر في حياته بانتمائه لليمن؟! أنا أشك في ذلك.
 
 أشك أن يكون من وزع الموت والدمار على مختلف أزقتها وشوارعها يمنيا!! فهذا نزوع عدواني أعمى وموتور، يطبع أنفس الغزاة الذين تجتاحهم رغبة عارمة لتدمير كل ما مروا عليه؛ يشعرون بنشوة تستحضر دائما المقارنة بين وطنهم الآمن والمستقر، ووطن من وطأته أقدام خيولهم لاستعماره وامتصاص ثرواته دونما رحمة.
 
شن الانقلابيون (غزاة الداخل) حربهم على مختلف مدن اليمن وقراه بنية أخذها غصبا أو تركها وراءهم ركاما. وظهرت هذه النزعة ذات الطابع العدواني في عدن، حينما تركت شاهدا حيا على ديدن الإمامة وجرائمها البشعة بحق اليمن وأهله، منذ مجيء الهادي قبل نحو ثمانية قرون وحتى يومنا هذا. قدم الهادي الرّسّي من طبرستان، بصحبة جحافل مطاريد، إلى اليمن، ليبحث عن دولة يؤسسها بعيدا عن أعين الدولة العباسية ونفوذها، وتنطلق من هناك، من جبال صعدة الوعرة حيث حط رحاله المشؤوم.
 
كان قيام سلطة السلالة المصطفاة، التي يسعى لإقامتها الهادي الرسي، مشروط بتدمير ما هو قائم في اليمن على مستوى الدولة والمجتمع، وبناء حقه وأسرته على أنقاضها!! قدوما يظهر المظلومية وإحقاق الحق ويضمر التدمير والقتل والتشريد والسلب في سبيل سلطة يحيون من خلالها مترفين على حطام اليمنيين وكدهم، عصارة ما تنتجه اليمن ملك كروشهم دون غيرهم ممن زرعوا وحصدوا وعصروا.
 
يا لها من مأساة مزمنة، توغر الصدر وتندي الجبين!! فرصاص الهادي الرّسّي ومشروع إمامته ونسله (بعون وتنفيذ  بغال اليمن الغافلة)، ناشبة في قلب عدن بعد مرور ثمانية قرون على نفوقه، كما انغرست حرابه وسهامه في قلب المطرفية وهجرها، وعلى أكباد كثير من القوى والشخصيات الوطنية التي ناهضت مشروعه الاستعبادي، مع كل مرة دفعه الجنون لبناء دولة الفقر والظلم والمخافة.
 
قبل نحو شهرين قال "القاوق" حسن زيد- (السراج المنير نور عترة الحسين)- أن الشرعية والتحالف سيكونون واهمين أذا ما ظنوا أن جماعته ستترك لهم مدينة الحديدة وميناءها سليمين، وأن الحطام سيكون كل حظهم منهما إذا أجبروا ميليشياتهم على الخروج منها!!
 
 قالها عن قناعة راسخة ودون أدنى شعور بتأنيب الضمير. ولمَ سيؤنبه ضميره أصلا، ما دامت هذه القناعة أصيلة، جرت مجرى دم الإمامة عبر تاريخها؟
 
 كل شبر مر منه الحوثيون في طول اليمن وعرضه، حمل ما يدعوا إلى ضرورة استئصال شأفتهم وإلى لأبد.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر