مؤخرا، دعا وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس لوقف إطلاق النار في اليمن خلال ثلاثين يوما، والبدء بمفاوضات سياسية لإنهاء الحرب الدائرة منذ أربع سنوات، ولاقى التصريح ترحيبا من أنظمة غربية وعربية، بالتزامن مع تحشيد إعلامي ملحوظ يدفع باتجاه المفاوضات كحل وحيد لإنهاء الحرب.
 
اللافت في تصريحات الوزير الأمريكي، أنها أعادت تسليط الضوء على واقع الحرب اليمنية، وأفرزت تصعيدا عسكريا من جانب تحالف دعم الشرعية تمثل في شن عشرات الغارات الجوية على صنعاء، وتصعيد العمليات العسكرية في صعدة والبيضاء، وإطلاق عملية عسكرية جديدة لتحرير محافظة الحديدة بمشاركة قوات طارق صالح، فيما يبدو أنها عمليات لتحسين شروط التفاوض أكثر من كونها معركة تحرير كما يتمنى غالبية اليمنيين، وليس ببعيد عنا التصريحات السابقة للوزير الإماراتي أنور قرقاش عن أن معركة الحديدة للضغط على الحوثيين للجلوس على طاولة المفاوضات.
 
دعوات وقف إطلاق النار التي دعت لها واشنطن وأيدتها بريطانيا والإتحاد الأوروبي، تأتي في ظل أزمة حقيقية تمر بها العائلة الحاكمة في السعودية بسبب تورط ولي العهد في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كما أنها تأتي بعد أسابيع فقط من تصريحات لولي العهد السعودي نفسه، دعا فيها الأطراف اليمنية للجاهزية من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، ووفق حسابات المصالح فإن القضايا الكبرى ليست سوى عملية اقتصادية تقوم على الربح والخسارة، بحيث يكون الربح من نصيب الدول الكبرى فقط.
 
الرؤية الأمريكية للحل في اليمن، والتي عبر عنها وزير الدفاع جيمس ماتيس تتضمن إمكانية منح الحوثيين حكما ذاتيا، بالتوازي مع إنشاء مناطق منزوعة السلاح وفق جدول طويل، وهي رؤية قاصرة لن تنهي الحرب، بقدر ما تحقق المصلحة الأمريكية في تفتيت البلاد، وإبقاء الوضع تحت سيطرة أطراف متعددة.
 
كما أن الرؤية الأمريكية لا يمكن الوثوق بها، كونها في النهاية رؤية ترتكز على المصلحة الأمريكية لا اليمنية، ولن نذهب بعيدا عن الوضع في ليبيا واستمرار الصراع فيها رغم توقيع اتفاق الصخيرات للسلام الذي رعته الأمم المتحدة التي ليست سوى منظمة تابعة للولايات المتحدة في حقيقة الأمر، وكانت نتيجة هذا الاتفاق تشتيت قوى الثورة الليبية التي التزمت بالاتفاق، وتقوية نفوذ الجنرال خليفة حفتر الذي رغم عدم التزامه بالاتفاق الأممي.
 
من المهم الإشارة أيضا، إلى أن الرؤية الأمريكية للحل تلاها تغطية صحفية لوسائل إعلام أمريكية للكارثة الإنسانية في اليمن وإلقاء المسؤولية على تحالف دعم الشرعية وإغفال دور الحوثيين في ذلك، مع أنهم يحاصرون مدينة تعز منذ ثلاث سنوات، مما أدى إلى تفشي الأمراض والأوبئة والمجاعة كنتيجة تراكمية لاستمرار الحصار وتعطل عمل مؤسسات الدولة.
 
من يتابع الوضع اليمني، يجد تحركات سياسية وعسكرية خلال الفترة القليلة الماضية، وكلها تهدف إلى إعادة رسم الجغرافيا اليمنية، وخريطة التوازنات العسكرية والسياسية، فالجهود المبذولة لإعادة تجميع حزب المؤتمر جناح صالح، وإصدار قرار تعيين رئيس جديد للحكومة ما يزال موقفه غير واضح من التوسع العسكري الإماراتي، واستغلال انهيار الريال اليمني لأهداف سياسية، والترويج لحلول تبقي الحوثيين قوة رئيسية في المشهد، وغيرها من الأحداث والتحركات تنبئ عن مرحلة جديدة في صفحات الحرب اليمنية.
 
التحركات العسكرية الأخيرة في مدينة تعز، لا يمكن فصلها عما سبق، فعدم وجود مبررات كافية لقرار كتائب أبي العباس بمغادرة المدينة والعدول عن القرار لاحقا، وما ترتب على ذلك من ضعف النفوذ الإماراتي في تعز، أثار تساؤلات عن الخطوات التالية للإمارات لتوسيع نفوذها في مدينة تعز، وهناك معلومات مؤكدة تتحدث عن تجنيد المئات من المواطنين خارج إطار الجيش الوطني تقف خلفها الإمارات، بالتزامن مع مهاجمة الإعلام الإماراتي لحزب الإصلاح في المدينة والحديث عن تحالفه سرا مع الحوثيين.
 
وتوجت الجهود الإماراتية في تعز بظهور خلافات عسكرية إلى السطح، ونشر وسائل الإعلام الموالية لها أخبارا عن معركة مرتقبة بين "حزب الإصلاح واللواء 35 مدرع"، وهي أخبار تأتي ضمن المشروع الإماراتي لصرف النظر عن معسكرات التجنيد غير القانونية، وإحداث اقتتال داخلي يسمح لها بإعادة رسم الخريطة السياسية والعسكرية لتعز.
 
التحركات الإماراتية الأخيرة، تهدف بدرجة رئيسية إلى تفكيك منظومة الجيش الوطني كما هو في تعز بما يسمح لها بتعزيز نفوذها فيها، وتهدف أيضا لإعطاء انطباع إيجابي عن قوات طارق صالح كقوات عسكرية منضبطة تسعى لتحرير المدن كما هو في الحديدة، وهي خطة تهدف إلى سحب البساط من الجيش الوطني الذي ترى فيه الإمارات ذراعا عسكريا لحزب الإصلاح، وإحلال قوات بديلة موالية لها على الأقل في مرحلة لاحقة.
 
والخطة الإماراتية هذه، لا يمكن فصلها عن الموقف الدولي والرؤية الأمريكية للحل في اليمن، وكلها تصب في إطار إعادة رسم الواقع العسكري وتليين الجغرافيا اليمنية وإعادة رسمهما بحيث تصبح قابلة لتشكيلها وفق الرؤية الغربية للحل، كما لو أنها عجينة صلصال بين يدي طفل عابث!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر