معاناة المعلمين (نموذجا)


همدان الحقب

قبل أشهر، رأيت صورة على الفيس لطفلة محمولة على كتف أبيها، تمسك بين يديها لوحة كتب عليها: "اطلقوا راتب أبي" ..
 
كان وجه الطفلة شاحبا، وعيناها تفيضان حزنا وحسرة، بينما يقف أبوها واجما بعد أن نفد أمله وصبره، وأعتلكته الفاقة والمجاعة التي اجتاحت أسرته. كانت تعابير وجه الطفلة توحي بإدراكها الكامل لحجم المأساة ولقلة حيلة أبيها، في واقع منهار لا يرحم ولا ينتج سوى المآسي والإحباط، وسلسة من جولات مصادرة الحقوق وانتزاع لقمة العيش من أفواه أطفال اليمن الجياع.
 
 وما زاد شعوري بالحزن، هو إدراكي أن صوت هذه الطفلة لن يتعدى حبر عبارتها الدافقة بالألم، وأنه لامحالة مردودٌ إليها خائب الظن إن تجاوزها ليتحطم جدار الانقلاب المتوحش الجشع أو يتبخر وسط غبار عجز الشرعية وبطأها في تحسين وتحريك أكثر من ملف، وعلى رأسها توفير رواتب موظفي الدولة وانتظامها.
 
لقد أنهك الوضع الراهن أصحاب رؤوس الأموال، وأقعد الأسر التي كانت تمتلك أكثر من مصدر للقمة عيشها، فما بالكم بالمعلمين وبقية موظفي الدولة الصغار، الذين ضبطوا حياتهم على قدر رواتبهم المتواضعة، والذين- ولا شك- كانوا يعيشون حياة العوز والكفاف في ظل انتظامها، فما بالكم بعد انقطاعها !!.
 
بالنسبة للانقلابين؛ لا يعنيهم وضع هؤلاء الموظفين؛ من معلمين وغيرهم. فهم، بالنسبة إليهم، مجرد عبء ممتد من زمن ما قبل استعادة حقهم الإلهي العائلي؛ وهم ليسوا في نظرهم أكثر من متجنين على هذه الوظائف، التي هي حكرا على بسطاء القوم من بيت النبوة..
 
 أما بالنسبة للشرعية؛ فاكتفت باتقاء اللوم، والتنصل عن المسؤولية، بإعرابها المتكرر عن حزنها جراء حرمان المعلمين وبقية الموظفين من حقوقهم، والذي تسبب به الانقلاب دون غيره.
 
 إننا ندرك أن الانقلاب وراء كل عناء أصاب اليمنيين وعطل مجريات حياتهم التي كانت متوفرة قبله. لكننا أيضا لا نجهل أن ثمة مهام كان بإمكان الشرعية القيام بها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنها عجزت عن ذلك، وغرقت في سيل التعيينات للأهل والأصهار، إلى الحد الذي شل قدرها تجاه أي مهمة خارج هذا الاهتمام المعيب !!.
 
قبل أيام، أعلن المستشار بالديوان الملكي السعودي الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة، المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، عن تقديم السعودية والإمارات مبلغ 70 مليون دولار، مناصفة، لدعم رواتب المعلمين في اليمن، بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة اليونسيف.
 
 قال الربيعة إن دول التحالف تتابع بقلق ما يعانيه الشعب اليمنى من تردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي أثرت بشكل سلبي على حياتهم اليومية، بسبب عدم استمرار تسليم المرتبات الشهرية لبعض الفئات العاملة بالمجتمع، وفى مقدمتهم الكوادر التعليمية، الذين يعول عليهم في مسيرة التعليم لأبناء وبنات اليمن. وعليه؛ فإن السعودية والإمارات قامتا بالتبرع بتقديم 70 مليون دولار أمريكي لتقليص فجوة رواتب المعلمين، بالتنسيق مع منظمة اليونسيف، مما سوف يسهم في توفير رواتب 135,000 من الكوادر التعليمية...
 
جميلٌ أن تستشعر دول التحالف معاناة المعلمين، ولو كان هذا الاستشعار قد جاء متأخرا، وهو الأمر الذي يجعلنا نشعر أنه خير من أن لا يأتي أبدا.
 
جميلٌ أن جاء ولو أنه تأخر، حتى عبث البؤس بوجه الطفلة على ذلك النحو الذي يندي الجبين ويدمي القلب. والأجمل من هذا وذاك، لو أن دول التحالف التزمت بتسديد رواتب المعلمين بانتظام، فتستعيد دورهم في الحياة، وهو الدور الذي عطلته الحرب، وجعلت من الأطفال والشباب (الطلاب)، تحت طائلة مشروع الانقلابيين، يجندونهم ويرمونهم إلى الموت في كل الجبهات.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر