‏تراشق التراشق


نور ناجي

 ‏"يبقى الحال كما هو عليه، وعلى المتضرر البقاء قيد الانتظار". قد يكون هذا التوصيف الملائم لحالة الركود المحيطة باليمن والحرب المقامة على أرضها، والتي يبدو أن لا نهاية قريبة لها، "وذلك بافتراض أن لكل مأساة فصول نهاية !!"..
 
‏يسير العالم من حولنا بحركة سريعة، لا نكاد نتبين ملامحها في المستنقع الذي قنعنا به. لكننا، وبرد فعل غير مألوف لشعب في حالة حرب، نتابع بلهفة متلاحقة أخبار العالم وقضاياه الساخنة؛ ابتدأ من حركة تصدير السكر في البرازيل، دون الانتهاء بقضية حدود "جمهورية تالوسا". وكأننا نهرب- بشؤون غيرنا- من يأسنا في تغيير بُحت حناجرنا بانتقاده، وتناسي مجاعة بدأت تلتهم اطرافنا بلذة!..

لعل هذا الشغف الغريب اختراع خاص بنا، نبتعد به عن التفكير في خيباتنا الناتجة عن توقف جبهات الحرب الممنهج !!..
 
‏كل ذلك حتى تفاجئنا لحظة ما، بسقوط حصاة صغيرة في مستنقع اليمن الساكن؛ تستدير باتجاهها القلوب باحثة في الحلقات الصغيرة التي لم تأخذ بعد وقتها الكافي للتوسع، بعض من أمل، تفاؤل، وجد فيه المواطن نقلة للأمام الرافض للتزحزح ..
 
‏ما يثير الاستغراب فعلا، هي الحركة المضادة التي تهب في مواجهة أي تغيير يطرأ على سطح البركة. موجات شديدة العنف تشحذ فيها الألسن، وتسن بها رؤوس الأقلام بهجمة تراشق انتقادات لاذعة.
 
 لا تفهم إن كان السبب الحقيقي ورائها "المعارضة للمعارضة"، التي امست عادة لدى البعض يصعب التخلص منها؟!؛ أم أن الحسابات الضيقة هي من ترغب في استمرار ذلك الركود حتى لا تتنازل عن مكتسبات "قد" تحصل عليها يوماً، غير آبهة لحقيقة أن لا مكان لمكتسبات أو انتصارات فئوية في برك الوحل الآسنة التي غمر اليمن بها منذ أربعة أعوام ..
 
‏لم يكد مداد توقيع قرار رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي على تعيين رئيس وزراء جديد لحكومة الشرعية أن يجف، حتى ابتدأت تلك الهجمة الشرسة على شخص الرجل، باتهامات شككت في تاريخ ميلاده وأسباب تعيينه، اللوبي الخفي الذي البسه ربطة عنقه المغوية للرئيس" الغر"، "الساذج"؟!، حتى أن تنبأهم الحكيم قد وصل لتحديد الساعة والدقيقة التي سيعلن فيها عن عجزه وفشله عن تأدية مهامه !!..
 
‏لاحق المواطن تراشق المعلومات، التي تدفقت على مواقع التواصل الاجتماعي، ليخرج منها دون أن يفهم فعلا: إن كان رئيس الوزراء الجديد قد أكمل دراسته في الروضة، أم أن شهادته مزورة كما تسرب؟!، هل ينتمي فعلا لبرج "الحمل"، أم أنه مرتزق عميل وينتمي لبرج "الزرافة"؟!..

دون أن يدرك المتراشقون أن متابعة ذلك الزخم المعلوماتي الرهيب من قبل المواطن البسيط، يندرج تحت باب الفضول الذي يسلي به وقته، وما يهمه فعلياً هو النتيجة المرجوة من حكومة جديدة..
 
‏من حق كل إنسان أن يمسك هاتفه أو قلمه، بعد استيقاظه من النوم، ويحرر حروف انتقاداته على الملاء، حتى قبل أن يبلل حلقه برشفة صغيرة من فنجان القهوة، شريطة أن لا تحض تلك الحروف على كراهية أو عنف..

إلا أن السؤال الحقيقي الذي يتبادر لأذهان البسطاء، هو: لماذا؟! ..

لماذا يجب علينا أن نتحمل ذلك التراشق، وما يتبعه من طاقة سلبية تحاول ابقائنا في ركود، لا يعلم الله موعد اهتزاز جديد له؟
 
 لماذا نزيد من جرعة الأذى الواقعة علينا من الآخرين بجلد ذواتنا، وبكل قسوة؟!
 
‏هل كان للحرب دور في صناعة هذا النزق الغريب، أم أننا كنا منذ البداية شعب صعب المزاج؟!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر