أيها العالم.. نحن زيرو


سلمان الحميدي

ونحن نعيش حربًا، نعيش معها غرابة العالم في التعامل مع المواطنين اليمنيين.
في معظم الدول العربية: مريض يمني يموت في المطار.. أمن تلك الدولة حجزه خوفًا أن ينقل مرضًا معديًا.
دولة يعمل فيها مئات الآلاف من اليمنيين، تقوم بترحيلهم وسط هذا الظرف العصيب، ترحيل من يعمل بشكل نظامي كيف ستتعامل مع الهاربين من الحرب؟

دولة قبضت شرطتها على مهاجرين يمنيين بطرق غير شرعية وعذبتهم الأسبوع الفائت، ومازالت تحتجزهم، وهم الفارين من الحرب طمعًا بأمل الحياة.
هذا نزر يسير من تعامل بعض الأجهزة  الأمنية لبعض الدول العربية مع اليمني البسيط، في ظرفه الإنساني المتدهور، في أحلك ظرف يعيشه، ثم في المناسبات ستجدهم يتباهون بنا: اليمن أصل العرب.
إذا لم نكن أصل العرب؟ ما الذي كان سيحل بنا؟ ربي لطف.

في الدول الصديقة، الأجنبية، لم يعد لليمني غير التسلل إليها بعد إغلاق دائرة اللجوء.. هكذا تتزايد أعداد الشباب المهاجرين هذه الأيام بحثًا عن قليل من الأمل في الحياة في " المسلخ الهمجي الذي كان معروفًا من قبل بالبشرية".
يتم ترحيلهم بالطبع إن تم الإمساك بهم، هذه هي قيم العالم، وكأنه يقول: إذا كان شقيقك يقوم بترحيلك، ماذا تريد منا؟ ليس الصديق بأحسن من الشقيق.
حتى من يملك أوراق اللجوء، تم وضعه في دائرة المخاوف والتوجسات، ليخرج الرأي العام مطالبًا بالترحيل، كما حدث مع اليمنيين في كوريا الجنوبية، 400 يمني في إحدى الجزر الكورية التي يدخلها العالم بلا تأشيرة، رفضت كوريا منحهم حق اللجوء بشكل رسمي هذا الأسبوع.

قليلًا من النبل أيها العالم.. نحن "زيرو مصطفى" خلفنا حياة قاسية، أوفياء للمكان الذي نحل فيه..
كن لنا مثل "غوستاف"، وسط الأحداث الكوميدية ثمة مشهد حزين للغاية سيجعلك تنسى مثاليتك المفرطة، وتستثنى اليمنيين من صرامة القانون وهواجس الخوف.
وإذا كان "زيرو مصطفى" يحمل ورقة رثة وممزقة لا تعطيه الحق في البقاء على "زوبروفكا" فاليمني قد لا يملك ورقة من الأصل.
نحن زيرو مصطفى في فيلم فندق بودابست الكبير..
هكذا أتخيل مع فارق شاسع في مجريات الأحداث، أينما حل اليمني البسيط إلى دولة ما هربًا من الحرب، يجد القسوة.
الفيلم رائع، درامي مشوق بصبغة كوميدية، تفاصيل الحزن حملها "فتى الردهة الذي رحل بسبب الحرب".
في الفيلم: بواب مثالي مرموق في فندق فخم. يقابل شابًا تقدم لوظيفة "فتى الردهة"، المثالي أنيق ويحب العطر، لا عائلة للفتى ولا مؤهل تعليمي، يكتشف البواب صاحب الهيبة وهو يمشي في الممرات ويوجه الموظفين، أُعجب بإجابة الفتى عندما سأله لماذا تريد العمل في بودابست، الفندق الذي لايعرف العاملون مالكه.
الموظف يتملق النساء الغنيات، تعلقت به امرأة كبيرة في السن. امتلكها هاجس مريب في الزيارة الأخيرة وطمأنها ذلك الموظف اللبق، ومشت.

ماتت المرأة، ذهب الموظف الكبير البواب وفتى الردهة لوداعها، أثناء ذهابهم، كانت الحياة مخضرة، يعترضهم جنود ويطلبون منهم أوراق الهوية، فتى الردهة بلا تصريح، يأخذه الجنود فيقوم الرجل للدفاع عنه، يتعرضان للضرب وينقذهم ضابط عرف موظف الفندق
"أترى؟ مازال هناك بصيص خافت من الحضارة متبقى في ذلك المسلخ الهمجي الذي كان معروفًا من قبل بالبشرية" يقول الموظف المثالي لفتى الردهة.
كانت عائلة العجوز المتوفاة مجتمعة،  في الاوراق التي تركتها المرأة أوصت بلوحة ثمينة اسمها "الفتى مع التفاحة" لذلك الموظف، يتعرض البواب لاشمئزاز العائلة، ينصرف مع فتى الردهة ويسرقان اللوحة، يتفقان أثناء العودة إلى الفندق أن يبقى الأمر سرًا على أن يكون فتى الردهة وريثًا للموظف عندما يموت.

قبل أن ينتبهوا أن اللوحة سُرقت، ترفع عائلة المرأة عريضة اتهام بأن غوستاف "الموظف المثالي" قتلها، وهكذا يجد نفسه في السجن بسبب تهمة لم يرتكبها، لديه دليل براءة في الخارج ولكنه اختفى تحت تهديدات من العائلة الساعية للتخلص من الشهود كما سنعرف فيما بعد، يسعى فتى الردهة لمساعدة صاحبه الذي يتعرف على سجناء محترفين، يخططون ويخرجون سويًا ويكون "زيرو" فتى الردهة في انتظارهم عند فتحة تابعة للصرف الصحي.

يسأله عن العطر وأشياء تافهة ليتأنق، كيف سيقابل الناس بذلك المظهر، كلما سأل غوستاف عن شيء أجابه زيرو أنه نسى وبرر له، ما يثير استياء غوستاف الذي يعاتبه ويتهكم من المكان الذي جاء منه، ويوبخه مستفسرًا في لقطة تجتذب فيها عاطفة المشاهدين:
غوستاف يسأل بتهكم: ما الذي جعلك تترك مسقط رأسك حيث تنتمي، وتسافر مسافات بعيدة لتصبح مهاجرًا مفلسًا في مجتمع مثقف للغاية، والذي ـ بوضوح ـ كان من الممكن أن يستمر طويلًا بدونك؟
يرد زيرو بحزن: الحرب..

يتأثر غوستاف، ويطلب منه أن يكرر ما قاله، زيرو يتابع: تم قتل والدي.. بقية العائلة تم قتلهم بواسطة فرقة اعدام، وتم حرق قريتنا عن بكرة أبيها، ومن تمكنوا من النجاة استطاعوا الهرب..  لقد رحلت بسبب الحرب.

كان غوستاف نبيلًا عندما عرف حالة زيرو، طلب منه أن يعذره وتأسف منه، وهما في مشوار ما، تكون جنبات الطريق قاحلة والأشجار جرداء، المشهد بالأبيض والأسود، يعترضهم جنود غلاظ، يطلبون الهويات، فتى الردهة بورقة رثة، يأخذه الجنود من جوار زوجته، ينهض غوستاف للدفاع عنهم، يضيع البصيص الخافت من الحضارة في المسلخ الهمجي، قطع للأسود، سنعرف بعد ذلك أن الجنود أطلقوا النار عليه.. على غوستاف. صار زيرو وريثًا له، المالك المجهول للفندق كانت المرأة العجوز وقد أوصت بالفندق لغوستاف.
لا نريد أن نملك شيئًا من الامتزاج مع العالم.. نريد قليلًا من نبل غوستاف: إننا نعيش الحرب.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر