قرار يتيم يا رئيس الجمهورية


همدان الحقب

   الحقيقة أن نقد الحكومة اللاذع فرض نفسه على كل مهتم بالشأن اليمني العام، وعلى كل حريص على الشرعية، وأملا في تحسين أداءها. الكل كان في حالة من الصدمة جراء الانهيار المتسارع الذي شهدته اليمن خلال  الفترة الأخيرة على مختلف الصعد، وتحديدا في قيمة الريال. في نفس الوقت الذي بدت فيه الحكومة عاجزة وحلولها باهتة.
 
 وزاد من منسوب الإحباط تدويرها لنفايات النظام السابق، من خلال ترأسها للجنة الاقتصادية، فيما لا يخفى فساد هذه العناصر وعجزها عن تقديم أي أداء وطني ونزيه، خلال فترة حكم صالح، فما بالكم اليوم في هذا الوضع الاستثنائي والمعقد..!
 
  مرّ الناس بأوضاع مُزَلزلة خلال الأشهر الأخيرة. وتقريبا، كانت هي الأصعب في حياتهم على الإطلاق. حيث أدى انهيار قيمة الريال والتضخم إلى ارتفاع جنوني في قيمة السلع، مما جعل الأسر متوسطة الدخل والمفقرة عاجزة عن سد احتياجاتها إلى الحد الذي وجدت الكثير منها نفسها مباشرة تحت طائلة المجاعة.
 
 تقرير الأمم المتحدة قال إن ثلاثة ملايين يمني سيضافون إلى تسعة ملايين قبلهم يعانون المجاعة بسبب الانهيار المتسارع للاقتصاد وتدهور قيمة الريال. فضلا عن نفاد الكثير من المواد الاستهلاكية الضرورية من الأسواق اليمنية.
 
 وكانت الناس تتساءل: ماذا تعني لنا أي نجاحات أخرى، يمكن أن تحققها الشرعية، مالم نجد بصماتها واضحة هنا في قوت أطفالنا ودواءهم؟
 
 الحقيقة؛ أن طول أمد الحرب جعل من الناس غير عابهين بشيء أكثر من اهتمامهم بغذائهم. صاروا يرون ما يهدد بقاءهم على قيد الحياة مكشرا في وجوههم: "أنهم يعيشون لحظة الجوع المميت".
 
وفي ضل أوضاع كهذه، ما كان للحكومة أن تبقى في مأمن من اللوم الصاعق الذي وجهه لها كل مهتم بالشأن السياسي، جراء كل هذا الانهيار، الذي يقابله بطء وعجز في إنتاج أي حلول يلمس الناس أثرها الإيجابي.
 
أقال الرئيس عبدربه منصور رئيس الحكومة، وأحاله إلى التحقيق، ليرى البعض أن إحالته للتحقيق دليل على تورط الرجل بملفات فساد، وتقاعس عن خطوات مهمة، كان يفترض به أن ينفذها، ولم يفعل.
 
بينما يرى البعض الآخر؛ أن القرار، مقرونا بالإحالة إلى التحقيق، ما هي إلا نكاية بالرجل من قبل دول التحالف، وتحديدا الإمارات العربية المتحدة، نتيجة لمواقفه الثابتة تجاه أكثر من قضية وطنية، رفض الرجل المساومة بها، وعلى رأسها سعي الإمارات للسيطرة على جزيرة سقطرى، والموانئ اليمنية وإيقاف عملها ...
 
 أيّ كانت الأسباب، إلا أن التغيير كان في محلة، كخطوة في طريق تحريك المياه الراكدة، ومحاولة تحسين أداء الحكومة والشرعية برمتها.
 
 وفي تقديري؛ أن التغيير كان استجابة موفقة لضغط الواقع المر، وما يتطلبه من عمل للخروج من هوة الانهيار الشامل. إلا أن قرار الرئيس الذي قضى بإقالة بن دغر، بدى يتيما ومشلولا، وكان الأولى به أن يستند إلى رؤية شاملة للتغير في طبيعة قوام وبناء الحكومة، التي يمكن أن تقدم أداء أفضل، تحديدا ونحن نعيش حالة الحرب. الأمر الذي يحتم ضرورة تشكيل حكومة مصغرة (حكومة حرب).
 
 بمعنى آخر؛ كان يفترض أن يتم إقالة الحكومة برمتها، ويعاد تشكيل حكومة حرب مصغرة. بالإضافة إلى تنقية محيط هذه الحكومة من الكم الهائل من القرارات الفاسدة، التي لا نستطيع- مهما بلغت إمكاناتنا الحالية- سد نثرياتها.
 
نعم؛ فأول ما يتوجب على رئيس الوزراء الجديد معرفته، هو أن المرحلة أبرزت نخبة فاسدة، وعقيمة القدرات، أخذت شكل حكومة وتفرعاتها من وكلاء ومدراء و..و..و...الخ. وبدون تنقية جسد الشرعية من هذا الوباء، لن يستطيع فعل شيئ، ولن يكون أكثر من تكرار نفس التجربة والمشوار الكارثي. لن يكون أكثر من وعاء فساد قائم، ووعاء لفساد قادم!! مهم جدا أن يُجهز رئيس الوزراء الجديد على هذا الفساد وعناصره، بالإقالة أولا، ليستطيع أن يخطو ولو خطوة واحدة إلى الأمام ..
 
كتصور أولي؛ لا بد من إعادة تشكيل حكومة حرب مصغرة؛ تعيين وزير دفاع يوحد المؤسسة العسكرية، وتعيين وزير داخلية محنك يوحد أيضا المؤسسة الأمنية ويضبط أداءها، بالإضافة إلى وزير نفط نزيه ينجح في نقل المشتقات النفطية من منابعها إلى مصفاة عدن وتوفير البنزين للسوق المحلية بأسعار مناسبة، كأسرع وسيلة متاحة للتخفيف من معاناة اليمنيين؛ تعيين وزير مالية كفؤ ينتصر على الفاسدين وتجار الحروب بتوريد عائدات المؤسسات الإيرادية إلى البنك المركزي؛ ووزير خارجية ينتمي للمهنة ويدرك كنهها، ومن ثم عودة هذه الحكومة إلى اليمن لتأدية مهامها من داخل أرض الوطن، طبعا، وإلا ماذا يعني أن تكون ثائرا ومقاوما ومحررا، كل هذا وأنت مقيم في فندق خمسة نجوم خارج وطنك؟!!
 
 في هذه الحالة، تفوق الحوثي على الشرعية كثيرا، وإلى الحد الذي لم يترك مجالا للمقارنة. فبينما غادرنا وطننا جماعات وفرادا، وتهافتنا على فتات المائدة، صمد عبده حوثي داخل الوطن، واحتمى بالناس وخاطبهم من أوساطهم.
 
 أما أنتم فقد ناديتموهم من خلف الحدود، ففقدوا ثقتهم بكم، وسخرت بطونهم الجائعة من بطونكم المترهلة المتخمة..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر