بطون الجوعى في موائد الساسة


منذر فؤاد

من البديهي في أي دولة يعاني شعبها من أزمة أو أزمات متعددة، أن تعمل سلطاتها بشكل مضاعف لإيجاد الحلول المناسبة، وطلب المساعدات اللازمة من دول أخرى ترتبط معها بعلاقات أو تكتلات معينة، وعادة ما تكون الاستجابة إيجابية من هذه الدول، بيد أن ثمة مسار مختلف وتعامل شاذ يحدث أحيانا خاصة في منطقتنا الإسلامية.
 
في اليمن، خرج عشرات الآلاف في عدن وتعز ومناطق أخرى رفضا لانهيار الريال اليمني، وسياسة التجويع التي تنتهجها العصابة الحوثية ودولتا السعودية والإمارات بحق الشعب، وهما دولتان مسؤولتان عن جزء كبير من الانهيار الاقتصادي وحالة المجاعة التي أضحت على عتبات منازل ملايين اليمنيين.
 
في الوضع الطبيعي، كان يتوجب على هاتين الدولتين الحيلولة دون أي انهيار اقتصادي في بلد يعيش حربا مدمرة، خاصة وأنهما جزءا من هذه الحرب، فضلا عن علاقات الجوار والمصير المشترك، وغيرها من الشعارات التي لا وجود لها في الواقع العملي، وأثبتت الوقائع والأحداث أنها لم تكن سوى للدعاية والاستهلاك الإعلامي، وربما كان على الأقل ألا تتورط هاتان الدولتان في تجويع الشعب ولكنها الخسة والدناءة عندما تصبح سياسة تقوم عليها أنظمة وحكومات!
 
يدرك كثيرون، أن السلطة الشرعية لا تملك قرارها، وأنها ليست سوى شماعة يعلق عليها التحالف العسكري فشله الذريع في اليمن، لكن مع ذلك لا يمكن أن يبقى مسؤولو هذه السلطة في موقف الحياد وهم يشاهدون المجاعة تعصف بالملايين من أبناء وطنهم، ولا يمكن تبرير هذا الصمت المخزي على الإطلاق، وقد بلغ الأمر ببعض المطبلين أن يكتب ويعلق عن فوائد صمت هادي تجاه ما يحدث، وبعضهم رأى في إحراق صورة الرجل خلال المظاهرات جريمة لا تغتفر وحاول إشغال ملايين الجوعى وتذكيرهم بضرورة التضامن مع رئيس لم يصارحهم بما يحدث، خذلهم كثيرا وهو مسؤول عنهم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
 
إنه لمحزن أن تتحول الأمعاء الخاوية والبطون الجائعة إلى مجرد حزمة أخبار مسيسة وتصريحات عبثية، وبينما كان يحترق ملايين اليمنيين بنيران الحرب الاقتصادية، قال سفير أبو ظبي لدى الولايات المتحدة إن اليمن هو المكان الأكثر منطقية وسهولة لمواجهة إيران، أما علي ولايتي مستشار المرشد الإيراني فوجد في المجاعة اليمنية فرصة لتذكير الإيرانيين بضرورة الصبر والإقتداء باليمنيين الذين يعانون الجوع ويحاربون في نفس الوقت!
 
الاستثمار السياسي لبطون الجوعى كان أكثر وضوحا في عدن، إذ دعا المجلس الانتقالي التابع لأبو ظبي للثورة على مؤسسات الدولة واقتحامها، في محاولة جديدة لإشعال الفوضى وتبرئة ساحة الإمارات مما يحدث من مأساة إنسانية، وبالتالي تضييع القضية الأصلية، ولو كان المجلس الانتقالي يملك قراره لكان الأولى به دعوة الإمارات للسماح بتشغيل الموانئ ورفع القيود المفروضة على قطاعي النفط والغاز، ولكنه ليس أكثر من بيدق في رقعة شطرنج متهالكة.
 
العصابة الحوثية، التي كان لها الخطوة الأولى في تدمير الاقتصاد وتجويع اليمنيين، لم تخجل كعادتها من تسويق بطون الجوعى، وتوظيفها بما يخدم سياستها ومعاركها الخاصة، وهي في ذات الوقت مارست القمع بحق مظاهرات الجوعى، واختطفت 12 امرأة، في سابقة لم يعشها اليمنيون إلا في الزمن الحوثي.
 
الحالة السياسية اليمنية وصلت مرحلة متقدمة في الانحطاط، وحتى الأحزاب التي طالبت التحالف بتحمل مسؤولياته على استحياء، لم يجد بعضها خجلا في دعوة الجائعين إلى عدم الإساءة لدولتي الإمارات السعودية، مع أن الإساءة الحقيقية هي أن يشاهد مسؤولي هاتان الدولتان ملايين اليمنيين يتضورون جوعا ويزيدون من تضييق الخناق عليهم.
 
ممارسة التقية السياسية على حساب بطون وأمعاء اليمنيين، والمتاجرة بأمعائهم الخاوية لم يعد مقبولا، وإذا كان هناك من يستحق الإشادة والتقدير فلن تكون إيران ولا العصابة الحوثية ولا السعودية ولا الإمارات ولا السلطة الشرعية وإنما ملايين اليمنيين الذين عانوا بطش الأعداء وكيد الحلفاء وصبروا فوق طاقة احتمالهم وما يزالون.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر