تقنية اللقب عند الأئمة


سلمان الحميدي

أن تطلق على أحدهم "برجوازي" فهذا وصف طبقي قادم من أيام الاتحاد السوفيتي..
أن تطلق عليه "جهنم" ويلتصق ما أطلقته عليه، فهذا لقب.
تطغى الألقاب على الأسماء، عندما تكون في سياق اجتماعي تكون عادية، قد تختفي وقد تبقى لصيقة بصاحبها، لكنها لا تنتهي بمشاكل غير مأمونة، ولكن إذا ما كانت موجهة ومسيسة فقد تحمل في خاتمتها مشكلة.
لنا أمثلة نصادفها في الحياة العادية، وأخرى نعيشها وتعد امتدادًا لحيل الأئمة كما سيأتي.
لي قريب اسمه أحمد، لا يلتفت لمن يناديه باسمه، حتى عندما اغترب لم يكن يلتفت لرب العمل الذي كان يتضايق من تصرف أحمد، إلا أنهم أخبروه أنه يلبي النداء سريعًا حين ينادونه: يا بوري.
بالفعل، لو اتصل بك أحمد وسألته: من معي؟ سيجيب: البوري.. معك البوري يا كلب.
التقيت بولده، مازال في الصف الثاني، ولأن والده عزيز لدي، كان لابد أن أبش لنجل صديقي وأرحب به أجمل ترحيب، خرجت من فمي: أهلًا بالبوري الصغير.
"أنا مش بوري صغير" قال.. شعرت بالإحراج خاصة عندما اعترض "عبود"، أضيق عندما أشعر أني ضايقت طفلًا بكلمة.
لم تسعفني البداهة لمعالجة الموقف.
سألته: هاه؟
"أنا بوري كبير". رد ببراءة طفل صادق ومتحمس.
هذا هو اللقب في سياقه الاجتماعي. وقد ذكرني هذا الموقف بموقف شبيه يندرج في إطار الوصف، وقد سمعته من بعض الناصريين، أن مجموعة من القوميين في أحد مقاهي عدن، كانوا يتناقشون حول جمال عبدالناصر، وإلى جوارهم ناصري بالفطرة من شرعب.
أحدهم قال بأن "جمال عبدالناصر برجوازي صغير"
فانبرى  صاحب البلاد بحماسة واندفاع بريء معترضًا: يكذب لقفك.. برجوازي كبيير.
الأوصاف التي تأتي في نطاق سياسي، لا تدوم كثيرًا، إما أن يكذبها الواقع أو أن تتلاشى بانتهاء أزمة ما والدخول إلى مرحلة جديدة قائمة على الوفاق بين المكونات السياسية.
الأوصاف غير الألقاب، الألقاب التي يستاء منها، منهي عنها كما جاء في سورة الحجرات "ولا تنابزوا بالألقاب" لما له من جرح لمشاعر الآخرين
وطغيان الألقاب الحميدة والمادحة على الاسم عادية لغرض معنوي.
وفي الأمرين، قد يعتبر ذلك نوع من التظليل، التشويه، تحريف الحقائق.
والملاحظ أن الأئمة يستخدمون هذه التقنية، إطلاق الألقاب لتضليل الناس..
في عهد الدولة القاسمية مثلًا كان الإمام المجرم ابن الحسن ملقبًا بالناصر، وابنه تلقب بالمتوكل، ولأنه كان منحرفًا و متعطشًا للدم حول لقبه إلى "الهادي" ولتثوير الناس ضد الحركة التي قامت ضد الأئمة، أطلق على الفقيه الثائر سعيد ياسين لقب "اليهودي".
وعندما استعان الإمام أحمد بالقبائل لاجتياح صنعاء، أطلق عليهم: أنصار الله.. وهم المرعبون الذين سلبوا ونهبوا وقتلوا ودمروا، وكان يطلق على الثوار "أعداء الأمة.. أعداء الله".
في عهدنا على سبيل المثال، يؤمنون أن 21 سبتمبر نكبة كبرى، ويلقبونها ثورة.
يؤمنون أنهم مليشيا ويطلقون على أنفسهم أنصار الله
يرون بأن زعيمهم "وضيع" ويطلقون عليه "سيد".
يطلقون على من يخالفهم: داعشي، تكفيري، مرتزق، مخرب، مخبر، علماني، وحين لا يطغى الاسم على اللقب يطلقون الرصاص على رأسه.

والملاحظ أيضًا، أن عملية تمويه الحقائق وتحريفها من خلال توزيع الألقاب، تبوء إلى الفشل في نهاية المطاف حين تستخدمها جماعات غير مواكبة لتطورات الواقع، ولا تستطيع فهم سيكولوجيه الجماهير، فعلى سبيل المثال، رغم ما استخدمه الإمام أحمد من خرافات تضع منه وليًا في أعين الشعب، وقدرته الفذة في وصف معارضيه وإطلاق الألقاب التي تنتقص من حقهم، إلا أن الشعب الذي بدا مصدقًا لأقاويل الإمام وأفعاله، انضم إلى جموع ثوار 26 سبتمبر 1962، ودخلوا، وبمهابة، حفاة إلى قصره وجلسوا على كرسيه التي كان يهزأ منها على اليمنيين، ومن هناك سخروا من خرافاته ورددوا: أحمد يا جناه.

قبل ثورة سبتمبر، كما يذهب عبدالله البردوني في كتابه اليمن الجمهوري، إرهاصات ثقافية من بينها اطلاع النخبة التي قامت بالثورة، على تجارب الآخرين، وبدء تهريب الكتب الكبيرة إلى داخل البلاد، إضافة إلى تخطيط مدروس عسكريًا، والتنسيق لضمان الحصول على سند خارجي، والإعلام "إذاعة صنعاء"، وهكذا لم يتم خلع اللقب الذي يبجل الإمام فحسب، بل وخلعه أيضًا.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر