دخان ودقيق


سلمان الحميدي

السجائر المهربة التي كانت بثلاثين ريالًا، ارتفعت اليوم إلى مائتين وخمسين. المدخنون يتمنون بزوغ مهرب جديد يجلب تبغًا آخر بسعر أقل.

كل شيء ارتفع ثمنه، والمفترض أن نبدأ بالدقيق والمواد الغذائية، لكن الأولوية هنا ليس لحاجات الإنسان الأساسية وإنما للسلعة التي تدعه يذهب يوميًا للمتجر القريب منه، المدخن يفعل ذلك، يذهب مرتين في اليوم إلى البقالة لشراء علبة تبغ، ويسأل البقَّال ما إذا كان الصنف المنعدم والذي كان يدخنه، قد توفر أم لا.

جوع الأنوف قاس، يكلفك الذهاب يوميًا إلى الدكاكين، أما جوع البطن فيكلف رب الأسرة الذهاب مرة واحدة في الشهر لجلب كيس الدقيق، أو أسبوعًا بالكثير للاصطفاف بطابور طويل أمام جمعية أو منظمة توزع المعونة وتلتقط الصور.

المدخن يمتلك من الجراءة ما يكفي لتجعله وفيًا مع لفائف التبغ مهما غلت. عندما عاد أحد أصناف السجائر التي انعدمت في السوق، الكثير من أصحابي المدخنين نشروا صور سيلفي مع تلك العلب الممهورة بالتحذير الصحي المفجع.

كل شيء ارتفع، من الإبرة إلى الملح. حتى بائعة الكراث صارت تبيع نصف الحُزم بالسعر ذاته التي كانت تطلبه قبل أسبوع لتمنحك ضعف ما تمنحك إياه الآن مع حزمة كزبرة دعاية، تعلل: الدورار ارتفع.

هذا الأسبوع وصلتني رسالة واحدة أكثر من خمس مرات، تداولها اليمنيون على نطاق واسع، وكأن من صاغها "غلاب والبخيتي" وقد تخلى الأول عن المصطلحات المعقدة من قبيل "التركيبة البينوية للجماعات الإسلاموية ذات البعد البراغماتي الأيديولوجي الراهن"، وكأنهما قد تحولا، بمساعدة من وزارة الإعلام، إلى مجال الوعظ لتهدئة المواطنين ضد الغلاء.

الرسالة تقول بشكل غير مباشر: عليكم أن ترتضوا شكل المعيشة ولا تعترضوا أبدًا، أما فحواها فهو كالتالي:
"قيل لأعرابي: لقد أصبح رغيف الخبز بدينار، فأجاب: والله ما همني ذلك ولو أصبحت حبة القمح بدينار. أنا أعبدالله كما أمرني وهو يرزقني كما وعدني. وأتى الناس إلى سلمة بن دينار فقالوا له: يا أبا حازم، أما ترى قد غلا السعر، فقال: وما يغمكم من ذلك!؟ إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء".

لا أعرف مذهب الأعرابي ومنهجه، لكن المرور بتعليلات موازية لكل فعل من زاوية دينية، سيجعلنا ننبش في "تيارات الفكر الإسلامي" لمحمد عمارة والاطلاع على الموسوعة الحركية لفتحي يكن على الأقل، والدخول في متاهة لا تخفض لك سعرًا بقدر ما ترفع لك الضغط بسبب أفكار الكثير من التيارات.

هل علينا أن نسكت ونلم أمتعتنا لنخرج أربعين يومًا مع رجال التبليغ مستسلمين لمنطق أبو حازم؟

نؤمن أن الله هو الرازق، لكن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وفي أزمنة الاعرابي وبن دينار، كانت بيت المال تفيض بالأموال، لا بطالة، لا مفسدين، ولا تجار جشعين، وكانوا ينثرون الحَب على الجبال كي تأكله الطيور.

نحن في زمن غير زمن أبو حازم، نحن في زمن أبو علي الحاكم وأبو اليمامة وأبو العباس، هؤلاء أتوا مع الغلاء وسيذهبون معه، وهم تركيبة غريبة لن تخرجك إلى طريق، إذا ما اختلفت معهم بشؤون الدنيا أخرجوك من الدين والدنيا، ذلك لا يعني أن ننظر للأمر من زاوية مادية بحتة لنقول بأن منهج الاعرابي نيكوتين الشعب.

النيكوتين ليس كالدقيق، النيكوتين يستقر في قرارة الدماغ ويدمنه، الدقيق إدمان البطون، وحين تجوع فالجوع كافر يلغي المذاهب والتيارات ولا يعترف بماركس أو بمحمد عبده ولا بالأعرابي ولا بالتحالف.

حين ترتفع الأسعار، لا بد أن يحدث شيء في الشارع. ما يحدث في حضرموت أو عدن حالة طبيعية، الناس ينظرون للتحالف بأنه الآمر الناهي. في وقت الحروب تكون أمزجة الناس مضطربة، قلقة، لا تعرف كبيرًا ولا تنصت لتعليمات حزب أو منظمة، ليحمدوا الله أن الناس لم تخرج عن السيطرة الكاملة لتعمل بسنة الحياة: السعي للرزق بحرية، والاحتجاج ضد الممارسات الماحقة للرزق والعقل.


*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر