على مدى قرون لم يكن المسجد هو من لعب الدور الأكبر والأهم في صناعة السياسة والحكم في اليمن كما كان الحال في المجتمعات الأوروبية، بل كانت القبيلة هي حجر الأساس والعامل الأهم. حتى أن اليمن لم تك تملك أساسا ما يمكن أن نسميه مؤسسة دينية كما هو الحال مع الأزهر في مصر. ولم يكن رجل الدين هو المؤثر والمسير للحاكم كما كان البابا والقساوسة بل شيخ القبيلة. من هنا العلاقة التي تحتاج للإصلاح في اليمن هي علاقة القبيلة بالدولة كما كانت العلاقة الأولوية للمجتمعات الأوروبية التي تحتاج إلى إصلاح هي القائمة بين القصر والكنيسة.
 
ثم بدأ الصراع مبكرا بين الدولة الوليدة في 26 سبتمبر 1962 والقبيلة التي انقسمت إلى جمهورية وملكية ورغم انتصار الجمهورية لكنه كان انتصار بطعم الهزيمة فالقبيلة تريد استحقاقها من هذا الانتصار وستفرض نفوذها وتستشري في الدولة ويصبح لها دور فاصل في صعود وهبوط الحكام بل وفي علاقة الدولة بينها ومواطنيها. من استقالة القاضي الارياني إلى اغتيال الحمدي وصعود صالح واستمراره في الحكم، كان المشايخ القبليون كلمة السر، كما كانت الكنيسة في روما.
 
قبل ذلك كان الأئمة في اليمن لا يلجئون إلى المؤسسة الدينية لفرض سيطرتهم بل إلى مشايخ القبائل. حتى أن العلاقة كانت تبدو معكوسة عن العلاقة التقليدية بين الحاكم  ورجل الدين. فالإمام هو رجل الدين الذي يستعين بالشيخ وليس العكس.
 
نجح الأوروبيون في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية لأنهم انطلقوا في حل مشاكلهم من معرفة مصدر المشكلة وطبيعتها. وسننجح حين نفعل نفس الشيء وليس أن نأخذ قوالب جاهزة. من هنا، لا أعتبر أن العلمانية غير مجدية فقد كانت فعالة ومجدية جدا للغربيين انطلاقا من مشاكلهم الطويلة جراء التداخل بين مؤسسات الحكم والدين. لكن مشكلتنا في اليمن مختلفة عنهم فلا نعاني ذلك التدخل من رجال الدين في الحكم مثلما نعانيه من المشايخ. فاليمن  وفق التعريف البسيط للعلمانية والتي تعني عدم حكم الكهنة أو رجال الدين كما في الثيروقراطية هي أقرب للأولى من الثانية، أو أنها مزيج مختلف: لا دولة دينية ولا دولة مدنية بل دولة القبيلة.
 
لا يتحرك شيوخ القبيلة في علاقاتهم مع الحكام من منطلقات دينية بل من خلفيات برغماتية وعصبوية. وللقبيلة في اليمن هيكلة خاصة ومتينة تجعلها أشبة بمؤسسة عصية على الاختراق والذوبان. حتى أن الدولة يمكن أن تنهار لكن القبيلة تظل صامدة بسبب العلاقة الخاصة بين أفرادها والعادات التي تحكمها والتي أصبحت أشبه بالقوانين.
 
ولا يكفل الاستقرار إلا دولة مدنية ديمقراطية بمواطنة متساوية لا يكون فيها الحكم عصبويا وقبليا أو على أسس مناطقية. تستبدل فيها العلاقات السياسية بين فئات المجتمع على أساس مؤسسات المجتمع المدني وليس البنية القبلية وتقوده الأحزاب والنقابات والاتحادات وليس المجالس القبلية والعشائرية والشللية.
 
يمكن أن تنصب الجهود بخصوص بناء الدولة على تمدين القبيلة أو فصل القبيلة عن الدولة لأن هذا هو الحاجة الملحة لبلد مثل اليمن ما زال ملايين المواطنين فيه يعرفون أنفسهم وفق صيغ بدائية بعيدة عن الدولة الحديثة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر