كي لا تذهب ريح فبراير


همدان الحقب

يفترض بفبراير أن تكون هي المتغير بما تحمله من أهداف تسعى بها لتغيير وجه اليمن، وأن تعتمد في ذلك على عناصرها الثورية الذين حملوا مشاعل الثورة طيلة مرحلة اندلاعها، واقفين أمام كل صنوف القمع والإرهاب الذي مارسه النظام بحقهم، هؤلاء الثوار الذين خاضوا غمار تلك الأيام المشحونة بالدم والنار، وحدهم الذين يمتلكون الإرادة الصلبة للمضي بالثورة حتى النصر مهما كانت المعوقات الماثلة في طريقه، كل الثورات التي مضت حتى حققت تغييرا جذريا استحق تضحيات الثوار، قادها زعماء جاؤوا من بين صفوفها ومشبعين بأهدافها التي تصرفهم عن أي اهتمامات خارج مضامينها..

 لقد وضع هؤلاء القادة وما أكثرهم في التاريخ الإنساني انتصار ثوراتهم أول وآخر ما يجب أن يحيوا من أجله، ولذلك تحطمت على صمودهم الذي يتمتع بهذه الروح الفروسية الصلبة كل مساعي الأنظمة التي ثاروا عليها لكبح جماح الثورة وإسقاطها، لقد عقدوا النوايا وجدوا بالمسير نحو النصر أو الموت على طريقه، ولم يضعوا ضمن خياراتهم التصالح مع مرحلة ما قبل الثورة واقعا وقيما وشخوصا، فعلوا ذلك لأنهم زعماء خلقوا الثورة وخُلِقُوا من رحمها.
 
لا يمكن حتى لؤلئك القادمين من هامش الثورة ممن لم يتشبعوا بأهدافها ولم تستولي عليهم رغبة التغيير الجذري والتضحية من أجله أن يقودوا الثورة حتى آخر محطاتها، فما بالك بالذين وقفوا في وجهها حتى آخر نفس !
 وقفوا في وجهها حتى أدركوا أن تقدم الثورة وانتصاراتها  قد أطاحت بمصالحهم وعندها قفزوا من قارب الأنظمة الفاسدة إلى مركب الثورة ولربما استدعتهم الثورة إلى صفوفها ومهدت لهم الطريق بفعل هواجس من قبيل تسريع الانتصار أو تقليل الكلفة أو حتى استقوا لون من قوس الثورة على ما سواه، هؤلاء متمرسون على السلطة أكثر من الثوار القادمين من خارجها ولذلك يعرفون أن هذه الكبوة التي أفردت لهم مساحة داخل الثورة تمكنهم من إعادة تموضعهم في صفوفها هي المدخل لعرقلتها والتمهيد للتآمر عليها والإطاحة بها..

 وإن اشتغلوا في الظاهر بما يوحي أنهم يسيرون في ركبها حاملين نفس أهدافها؛ إلا أنهم في الحقيقة ومن خلف الكواليس ينخرون في جسدها خالقين التناقضات في صفوفها، ومنتجين أوضاعا وتعقيدات جديدة تضطر الثورة لمواجهتها وإهدار طاقاتها في معارك ما كان لها أن تخلق مع غيابهم، تخسر الثورة في هذه المعارك الهامشية أكثر مما كانت ستخسره في معركتها الأم والفاصلة، والسبب هو أن الفيروس القديم قد تسلل إلى جسدها وأنتشر في عروقها .
لا يتوقف خطر المتطفلين على الثورة عند هذا الحد بل يذهب أبعد من ذلك وهو أنهم بما ينتجوه من أزمات في وجه الثورة وما يخلقوه من تناقضات في صفوفها يغادرون المربع الذي أفردته لهم إلى تزعمها، خالقين بما يتلقوه من دعم وما يرثوه من مؤسسات الفساد بربجندة ذيل بغلة السلطان التي تجعل منهم فوق النقد وتوهم الثوار أن بقاء بلدهم وأحلامهم مرهون ببقائهم قادة عليها ومختطين لمسارها..

إذن لقد انتقلوا بفعل النخر عميقا في الثغرة التي فتحتها لهم الثورة في بادئ الأمر إلى سلاطين متسلطين عليها يصنفون الثوار ويوزعون صكوك الوطنية بل ويعيدون ترميم الماضي واقعا وقيما وشخوصا .. في هذه النقطة لا بد من التفصيل أكثر .. حينما تندلع أي ثورة غالبا ما يكون محيطاها معادٍ لها وإن لم يكن الجيران كذلك (وهو الشاذ) فإن أعداء محتملون خلف المحيطات يمكن أن يحضروا لضرب الثورة وتحطيمها، في البداية يعمل هؤلاء الأعداء على دعم تماسك النظام في وجه الثورة مقدمين كل ما تتطلبه معركتهم معها بما في ذلك غض الطرف عن جرائمه التي يرتكبها بحق الثورة وتعويم ما يقدرون على تعويمه من مواقف منظمات حقوق الإنسان العالمية وحتى مؤسسات الأمم المتحدة، وحينما يدركون أنه لا سبيل لصمود النظام أمام جموح الثورة يعمدون إلى ضربها من الداخل وذلك بنقل فاسدي النظام المتداعي بمبرر التحالفات وتسريع الانتصار وتقليل الكلفة إلى صف الثورة ثم دعمهم بكل ما يعمل على ترسيخ وجودهم في أوساطها والتسلل إلى مراكزها القيادية ومواقع صنع القرار، إنهم يجهضون الثورة من داخل صفوفها ليستعيدوا مصالحهم التي بنوها على حساب قوت الشعب وكرامته، وتقاطعت مع مصالح أعداء الثورة من خارج حدود الوطن والذين لا يرغبون بدورهم في أن تحقق هذه الشعوب سيادتها واستقلالها واستغلال ثرواتها التي ينهبونها بلا رحمة أو ضمير .

ما دامت الثورة تمر بهذا المسار فما عليها إلا أن تنتظر محطة المأساة وهي تلك المحطة التي سيتحول فيها المتطفلون من فاسدي العهد القديم إلى سلطة صاحبة قرار - مدعومة بالأعداء المشار إليهم سالفا - تطيح بمكونات الثورة واحدا بعد الآخر ليقول آخرها أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

 إستراتيجية تشكيل التحالفات المتربصة ببعض هي المناخ الذي خلقه أعداء الثورة سابقا زعماؤها لاحقا ليبدأ معها الإطاحة بالأضعف ثم الذي يليه قوة وفي النهاية ينفجر التحالف المنتصر ليخرج طرف منه منتصرا بالضربة القاضية التي ستوجهها عصبة القافزين إلى مركب الثورة، يُعَادُ القديم بحلته الجديدة كيفية وشخوصا .. ( مأساة ) !!

 نفس المسار الذي مرت به سبتمبر فقد عادت الإمامة لتتناصف الحكم مع الجمهورية الوليدة لتوها ومن لم يزاح بعد أحداث ثمانية وستين من الصف أزيح في أربعة وسبعين ومن لم يقصى في أربعة وتسعين خرج في سبعة وتسعين وفي النهاية عادت الإمامة كما نعرفها عبر العصور وكما خلقت أول مرة .

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر