خطورة تلاشى القيم في ظل الحرب


منذر فؤاد

تسببت الحرب الدائرة في أكثر من منطقة يمنية، في تفكيك المنظومة الأمنية والقضائية، الذي انعكس بدوره على المنظومة الأخلاقية والقيمية بصورة سلبية، أعادت رسم المشهد القيمي بصورة بشعة مثيرة للاشمئزاز، وأكثر سوداوية مما كنا نعتقده أو نحاول رسمه في مخيلتنا على الأقل.
 
خلال الأيام القليلة الماضية كانت محافظة تعز، مسرحا مأساويا لجريمتين مروعتين، الأولى جريمة قتل مروعة للمنشد هارون التميمي الذي كان يعمل ضمن لجنة مراقبة امتحانات الثانوية بسبب رفضه محاولة القاتل مساعدة ابنته على الغش، فدفع دمه ثمنا للنزاهة والأمانة، ومالم تتحمل السلطات ومعها المجتمع مسؤولية التصدي لظاهرة القتل واسترخاص الأرواح فإننا مقبلين على أيام سوداوية حافلة بالجثث والدماء.
 
أما الجريمة الثانية فهي محاولة اغتصاب الطفل رياض الزهرواي، ثم محاولة تصفيته، وجريمة الاغتصاب لم تكتمل بسبب شجاعة الطفل رياض التي بثها الله في قلبه، فكانت مخلصة له من قبضة مجرم تكللت نهايته بالعار، مع أول رصاصة أطلقها رياض دفاعا عن نفسه، في موقف مشرف كان يجب أن يكون محل تكريم واهتمام السلطات بقضيته، لكن التلكؤ كان سببا في فتح المجال أمام جريمة جديدة لتصفية رياض، كادت تنجح لولا عناية الله، وهاتان الحادثتان تكشف مدى التعري القيمي والانحطاط الخلقي الذي أصاب البعض، ووجد في الحرب وسيلة مبررة لإفراغ نزواته وشهواته وانتهاك الحرمات وإزهاق الأرواح.
 
ما الذي يجعل المرء يفكر بطريقة شيطانية حتى يقتل ويغتصب دون أي اعتبار للوازع الديني والأخلاقي؟ ولماذا تتزايد مثل هذه الموبقات في زمن الحرب؟ وما العلاقة بينهما؟ والإجابة على هذه الأسئلة ترتبط بدرجة أساسية بما أفرزته الحرب من فراغ أمني وتعطيل مؤسسات الدولة خاصة السلطتين القضائية والتنفيذية، وهذا بطبيعة الحال فتح المجال لكثير من أصحاب النفوس الشريرة وذوي العقول المريضة، لممارسة جرائمهم وقذارتهم، فمن أمن العقوبة أساء التصرف.
 
ما من منطقة يستبيحها الخوف ولا يأمن الإنسان فيها على نفسه، إلا كانت مستنقعا آمنا لحثالة المجتمع من الشواذ والقتلة واللصوص، وما تعيشه مدينة تعز من فوضى لم يكن إلا نتاج ثلاث سنوات ونيف من الحرب الظالمة عليها، توقفت خلالها الحياة، وهجّرت أسر من منازلها، ودب الخوف أكثر من مكان، إضافة إلى انعدام المسؤولية والحس الأخلاقي عند بعض مسئوليها، ممن يمموا جهودهم لتصفية الحسابات الضيقة، على حساب أمن المدينة وأرواح أبنائها، وكانت النتيجة كارثية.
 
لقد عانت مدينة تعز كثيرا من جرائم القتل والنهب والسلب، المهددة لأرواح وقيم المجتمع، وهذه الجرائم تصاعدت وتيرتها في الآونة الأخيرة، بسبب تقاعس الجهات المسئولة عن القيام بواجبها في ضبط المجرمين، ومعاقبتهم وفقا لما تقتضيه قيم العدالة والإنصاف، والمصلحة العامة، خاصة في ظل المرحلة الاستثنائية التي تمر بها المحافظة، التي تتطلب إعطاء الأولوية لحفظ أمن وممتلكات المواطن حفاظا على تماسك المدينة والنسيج الاجتماعي لأبنائها.
 
لقد دفع الناس الثمن من أرواحهم وممتلكاتهم، وصبروا كثيرا، لكنهم لن يقبلوا أن يكون الثمن هي القيم التي عاشوا تحت كنفها لقرون من الزمن، فهي تعد حاجة أساسية لا يمكن للإنسان العيش بدونها، ودستور حياة لا يمكن السير دون الرجوع إليه، ومن هذا المنطلق فإن القيم الأخلاقية تخوض مع الحرب معركة وجود لا تقل عن معارك الحرب نفسها، ومن الصعب تصوّر المجتمع وقد تلاشت قيمه وأصبح عاريا عن كل فضيلة متلبسا بكل رذيلة.
 
إن حالة الفوضى والعبث التي تعاني منها مدينة تعز، وما رافقها من جرائم قتل، ومظالم كثيرة، تستوجب من السلطة المحلية والجهات الأمنية والعسكرية التعامل بحزم مع هذه الجرائم، بالتعاون مع أبناء المجتمع، ولا خير في إنسان يشاهد القيم النبيلة تتلاشى أمامه من ثلة من الشواذ ثم لا يحرك ساكنا وهو يمتلك القدرة على ذلك.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر