إيران أم إسرائيل.. مع من نصطف؟


منذر فؤاد

 
تتصدر عناوين الأخبار بين حين وآخر، مناوشات أو صراعات بين الغرب وإيران، أو إيران وإسرائيل، في لعبة إثارة لا تتوقف قبل أن تنال نصيبها من التعاطف والتلميع لجمهورية إيران، في الأوساط العربية، وإذا كان المسلم العربي لا يقبل الاصطفاف مع إسرائيل والغرب، لأسباب معروفة، فإنه يجب ألا يصطف مع إيران لنفس الأسباب، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بجملة من الأحداث والوقائع، أبرزها قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في فبراير 1979.
 
قبل أن تنضج الثورة الإيرانية مطلع العام 1979، كانت الإدارة الأمريكية برئاسة جيمي كارتر، على تواصل وتنسيق مع الإمام الخميني، عن طريق المقربين منه، تمهيداً لتنصيب الرجل قائدا للجمهورية الوليدة، وما تعرف بالثورة الإسلامية، وفقا لوثائق أمريكية رفعت عنها صفة السرية أواخر 2016، وتضيف الوثائق إن "الخميني تعهد للأمريكان بعلاقة ودية مع الغرب خلال عهد ما بعد الثورة"، ولم تكن ودية الخميني للغرب، إلا لأن الرجل لديه مشروع طائفي وثأر قديم مع من يسميهم النواصب، ويقصد بذلك المسلمين السنّة، فهو يعتبرهم كفارا يجب قتالهم واستئصالهم.
 
تفرّغ الخميني لمشروع تصدير الثورة الإيرانية، ومبدأ ولاية الفقيه، إلى الدول المجاورة، واتخذ من شماعات الموت والعداء المزعوم للغرب، وسيلة لكسب التأييد الشعبي، وجلب المزيد من الأتباع، لكن مشروع الخميني تعثر في البداية، حيث كان لنظام صدام حسين دورا رئيسيا في التصدي لهذا المشروع ومنعه من التوسع لنحو عقدين من الزمن، إلا إن سقوط العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي في مارس 2003، شكّل فرصة ذهبية لإيران لإحياء مشروعها التوسعي وتصديره إلى أكثر من مدينة عربية، حتى أصبحت أربع عواصم عربية تحت سيطرة هذا المشروع خلال خمسة عشر عاما فقط من سقوط العراق ونظام الرئيس صدام حسين.
 
لقد نجحت إيران في خداع الكثيرين، ودغدغة عواطفهم المتأثرة بكل ما يمت للإسلام، عبر شعاراتها الرنانة والمعادية للغرب، ولم تكن الثورة الإسلامية المزعومة في إيران، إلا نبتة خبيثة تحمل في جيناتها تحطيم الإسلام من الداخل، وتشويهه، فكانت هذه الثورة صفوية تعلي من شأن المذهب الإثني عشري المتعصب، وتزوّر التاريخ الإسلامي، وتسعى للقضاء على المكون السني، بدعوى الثأر لأئمة البيت النبوي، وكانت هذه الثورة أيضا فارسية، من خلال مساعيها لإحياء الجانب التوسعي واستعادة دورها كإمبراطورية لها وزنها في المنطقة.
 
حالياً، تخوض الدولة الإيرانية معارك متعددة على أكثر من صعيد، سواء كانت عسكرية كما هو الحال في أكثر من مدينة عربية، أو سياسية واقتصادية تتعلق أساسا ببرنامجها النووي، وتطوير قدراتها العسكرية والصاروخية، ومع قرار الرئيس الأمريكي ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وما تلى ذلك من تعرض قواعد عسكرية إيرانية في سوريا لضربات جوية صهيونية، تجد إيران نفسها معزولة عن محيطها، الذي عانى من بطشها كثيرا ولن يعدم حيلة للتخلص من هذا البطش حتى ولو تحالف مع الكيان الصهيوني، العدو التاريخي الآخر للدول العربية والإسلامية، وهذا أمر مرفوض،  ويتساوى معه في الرفض ما يقوم به بعض القوميين، من الترويج للمشروع الإيراني واستغلال التحرك العسكري الصهيوني كوسيلة رابحة ومدرّة للتعاطف مع إيران، والوقوف معها في مواجهة الغرب والكيان الصهيوني.
 
إن الشعوب المسلمة، ليست مجبرة على تأييد أحد الفريقين ضد الآخر، فكلاهما مارس الجرائم وانتهك الحرمات، وقتل الآلاف دون وجه حق، فلا فرق بين ما فعلته إيران في الموصل وصنعاء وحلب، وما تفعله إسرائيل في القدس وغزة ورام الله، وإذا كان العداء التاريخي مع الكيان الصهيوني، لأنه احتل أرض فلسطين، فإن إيران احتلت أربع دول عربية، وبالتالي فإن التعاطف والاصطفاف مع أيا من الفريقين ضد بعضهما، لايمكن قبوله، مهما كانت المبررات، ومن باب أولى تأييد ضربات الفريقين ضد بعضهما، فكلاهما ظالم.
 
لايزال بعض السذّج يعتقد أن هناك عداء حقيقياً بين الكيان الصفيوني والكيان الصهيوني، وينسى أن إسرائيل قدمت مساعدات عسكرية لإيران خلال حرب الثماني سنوات مع العراق، فيما عرف بفضيحة إيران غيت، وينسى أن العدو المشترك لإيران وإسرائيل هو المسلمون السنّة، وينسى أن  نائب الرئيس الإيراني الأسبق علي أبطحي قال في مؤتمر للدراسات بأبوظبي عام 2004:"لولا تعاون إيران مع الولايات المتحدة لما سقطت كابل وبغداد بهذه السهولة "، وغيرها من الشواهد والأدلة التي يجب إعادة قراءتها لمعرفة حقيقة الصراع المزعوم بين إيران من جهة والغرب وإسرائيل من جهة أخرى.
 
لقد ابتليت الشعوب العربية خاصة القريبة من إيران، بأنظمة وزعامات لا تمتلك رزانة عقلية، ولا مشروعا موجداً للتصدي للاحتلال الإيراني، وهو ما جعلها عرضة للابتزاز الأمريكي، والضغط عليها لدفع المزيد من الأموال، مقابل حمايتها من التسلط والهيمنة الإيرانية، وأصبحت هذه الأنظمة منعدمة التأثير والفاعلية، مدرة للمال، منتظرة المدد والعون من الآخرين، محتفية ومصفقة في مدرجات المتابعين، بعد أن كانت ضمن اللاعبين حتى وقت ما قبل سقوط بغداد 2003.
 
إنه لمن المخجل في زمن عصيب كهذا، أن يصطف بعض العرب مع إيران ضد إسرائيل، والبعض الآخر مع إسرائيل ضد إيران، في وقت أحوج مايكون فيه العرب إلى الاصطفاف والتعاطف مع أنفسهم أولا، والعمل على مواجهة الاحتلال الأجنبي لأوطانهم سواء كان إيرانيا أو صهيونياً.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر