رهانات خاسرة


منذر فؤاد

 
مثلما راهنت الأنظمة العربية الساقطة على القمع لمواجهة الثورات الشعبية، لاتزال أنظمة أخرى تراهن على إعادة الأنظمة الساقطة، ومخلفاتها، في إطار مساعيها لوأد الثورات العربية، مستخدمة في سبيل ذلك، المال والإعلام والقمع بطرق متفاوتة.
 
في اليمن، راهنت الدول الخليجية كثيرا على المخلوع الراحل صالح، للقضاء على ثورة فبراير المباركة، من خلال منحه امتيازات واسعة ضمن المبادرة الخليجية، لكن هذا الرهان فشل كثيرا، ولم يحقق سوى المزيد من الفوضى، ومع ذلك واصلت بعض الدول الخليجية الرهان على الرجل في القضاء على الحوثيين بعد اختلافه معهم، حتى وضع الحوثيون حداً لهذا الرهان، بقتل الرجل وتصفيته، في ظروف يكتنفها بعض الغموض، في 4 ديسمبر 2017.
 
لقد راهنت الإمارات ومعها السعودية، على الراحل صالح في القضاء على الثورة الشعبية بداية، ثم في القضاء على الحوثيين لاحقا، كما راهنت هاتان الدولتان على الحوثيين في القضاء على حزب التجمع اليمني للإصلاح، عقب سقوط صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وراهنت دولة الإمارات منذ عامين على الحزام الأمني في مواجهة السلطة الشرعية وطرد حضور الدولة في عدن، وجميع هذه الرهانات فشلت، ولم تحقق سوى مزيد من الضرر الذي لحق بالشعب اليمني، جراء هذه الممارسات العبثية من جيرانه وأشقائه، ومن يفترض بهم أن يقفوا إلى جانبه لا أن يقفوا أمام تطلعاته وإرادته.
 
حساسية بعض الدول الخليجية من الثورة الشعبية، ومخاوفها المستقبلية، ولّدت لديها رغبة جامحة في القضاء عليها بأي ثمن، ودفعها للاستمرار في الرهان على ما تبقى من منظومة صالح، كحل وسطي بين الانقلاب الحوثي، والشرعية المحسوبة على الثورة الشعبية، على أن هذا الرهان سيفشل بالتأكيد، كونه لا يستند إلى حاضنة شعبية، وتأييد شعبي، وإن حصل على تأييد رسمي من أنظمة إقليمية.
 
أواخر أبريل الماضي، تداولت الصحف خبر فرار المئات من قوات طارق صالح، من جبهات القتال في الساحل الغربي، وبيع أسلحتهم وبنادقهم، وتعرض عدد منهم للاعتقال من قبل قوات التحالف العربي، علماً أن قوات طارق صالح، انهزمت أمام الحوثيين في معركة صنعاء الأخيرة في ديسمبر 2017، وفشلت في إدارة المعركة، لكن أبو ظبي أصرت على تأهيلها وتسليحها، كقوة عسكرية مناهضة للثورة الشعبية، يمكن استخدامها لاحقاً في القضاء على المشروع الثوري، على أن آمال أبوظبي العريضة، بدت تتبدد، مع فرار المئات من قوات عسكرية، كانت تعول عليها كثيرا في تغيير الواقع الميداني، ومن ثم الواقع السياسي، بما يتواءم مع مشروع الثورة المضادة.
 
وإذا كانت الإمارات تعتقد أن إصرارها على الرهانات الخاسرة، سيحقق حلمها بالقضاء على المنظومة الثورية في اليمن، فهي مخطئة تماما، إذ إن الثورة أصبحت أكثر حضورا في المشهد اليمني، وتتجذر قيمها أكثر مع مرور الوقت، بما أفرزته من نتائج إيجابية، أبرزها سقف الحريات المرتفع، الذي لايمكن لدول الخليج مجتمعة أن تصل إلى مستواه في الحرية والتعبير عن الآراء.
 
إن الرهانات الخليجية الخاسرة التي يدفع ثمنها الخليجيون من أموالهم، واليمنيون من دمائهم، تتطلب وفق المنطق، من بعض الدول الخليجية مراجعة مواقفها من الثورة الشعبية اليمنية، والعمل على احترام الإرادة الشعبية، وثورة فبراير التي فجرّها اليمنيون بكل فئاتهم الاجتماعية وتوجهاتهم السياسية، وما أفرزته هذه الثورة من واقع جديد لا يمكن تجاوزه.
 
ولقد أثبتت الرهانات السابقة، فشلها، كونها لا تستند إلى رصيد شعبي ولا تتوافق مع تطلعات اليمنيين، ولذلك فإن أمام دول التحالف العربي، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، خياران لا ثالث لهما، فيما يخص القضاء على الانقلاب الحوثي، إما الرهان على السلطة الشرعية، ممثلة بالجيش الوطني، وهو الخيار الأنسب، كونه يستند إلى تأييد شعبي، ويعبر عن سلطة شرعية معترف بها دولياً، كما أن هذا الجيش أثبت جدارته في خوض المعركة منذ اللحظات الأولى لانطلاقها، وبتسليح متواضع في بعض الجبهات كمدينة تعز، وتمكن من طرد الانقلابيين من أكثر من منطقة يمنية.
 
وأما الخيار الثاني والأخير، فهو دعم التشكيلات العسكرية خارج إطار السلطة الشرعية، كقوات طارق صالح، والتعويل عليها في القضاء على الانقلاب ومشروع الثورة، وهذا الرهان لا يختلف عن الرهانات السابقة، وسيفشل كونه لا يستند إلى رصيد شعبي وحاضنة شعبية، ويمثل الوجه الآخر للميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر