عدد محدود من الصحف، أخذت مكانها في كشك متواضع بالعاصمة صنعاء، جميعها كانت حوثية إن لم تكن موالية، صدى المسيرة لسان حال الحوثيين، الثورة بلا أهداف الثورة، وصحف أخرى تمجد عبدالملك وحروبه العبثية، كان هذا المشهد كفيلا برسم صورة حقيقية للمنظومة القمعية الحوثية للحريات، ضاقت علي صنعاء مطلع مايو 2016، وغادرتها على الفور بعد ثلاثة أسابيع من دخولها للعمل فيها.
 
تفنن الحوثيون بمعية قوات صالح في قمع الناس والحريات والأفكار وأشياء أخرى، بمنتهى الفظاعة، منذ انقلابهم المشؤوم في 21سبتمبر/أيلول 2014، وتولى هذه المهمة مجموعة من ذوي النفوذ والتسلط، كل واحد منهم يحمل لقب مشرف، يمارس تحت هذا اللقب أسوأ ما تمور به النفس البشرية من خسة ودناءة وانحطاط وتسلط لامتناهي.
 
قمع الحريات، كانت الخطوة الأولى التي اتخذها الحوثيون وصالح عقب انقلابهم على الشرعية، أغلقوا كل المؤسسات الصحفية المناوئة والمحايدة، وصادروا ممتلكاتها، واعتقلوا الصحفيين، نجاح الحوثيين في هذه الخطوة، كان يعني لهم النجاح في خطوات القمع التالية، انتزاع الحرية يصيب الإنسان بالصمت، وينزع عنه حرية الكلام، يتحول إلى دمية، التنكيل بها وتعذيبها سيكون سهلا، لن يعلم أحد بما يجري!
 
 في شوارع صنعاء، انطلق الحوثيون أواخر 2014 بمظاهرات مسلحة، طالبوا خلالها بإسقاط الحكومة، وتخفيض أسعار البنزين، والاستجابة لمعاناة الشعب، كانت تلك متاجرة حقيقية بأوجاع الشعب، استثمروا معاناته، ونجحوا في الاستيلاء على السلطة، المظاهرات كانت وسيلتهم لفعل لذلك، أسموها ثورة، ولم تكن كذلك، من يجرؤ اليوم على التظاهر ضدهم؟!
 
مارس الحوثيون القمع بمنتهى الفظاظة مع المظاهرات المحدودة التي خرجت تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية، كما مارسوا القمع مع المظاهرات التي تنظمها أمهات المختطفين في سجونهم، عبر عناصر نسائية يطلق عليهن الزينبيات، في استحضار واضح للتاريخ بصبغة طائفية.
 
القمع الحوثي وصل مراحل متقدمة في التوحش، متخلفة في الجانب القيمي، يوميا تشهد مدارس صنعاء محاولات حوثية لفرض رؤيتها على الطلاب، عن طريق تلقين شعارات العصابة على التلاميذ لترديدها، وفي حال رفض التلاميذ وهو ما يحدث في الغالب، فإن القمع والإرهاب الجسدي يكون حاضرا تحت مسمى التأديب، عديمو التربية يحاضرون في الأدب!
 
القمع في المدراس، يتوازى مع حملة قمع كبيرة بحق المنهج المدرسي، يتولاها يحيى شقيق عبدالملك الأكبر، وشملت تعديل المنهج الدراسي، بالحذف والتعديل والإضافة، بما يضفي عليه صبغة طائفية، تتوافق مع الفكر الحوثي، الذي هو بالأساس مستمد من إيران، وليس صناعة حوثية.
 
صورة أوضح للقمع والوحشية الحوثية، تظهر جلياً في سجونها بالعاصمة صنعاء، وبقية المحافظات، فظاعات لا يمكن لأحد تصورها فضلا عن أن يعيشها، حفلات التعذيب الجسدي والنفسي لا تتوقف في سجون الحوثيين، مسلخ رهيب للآدميين، وقصص تتشابه مع قصص سجن تدمر؛ المعتقل السوري الرهيب.
 
تتنوع صور القمع والوحشية التي يمارسها الحوثيون بحق المختطفين، منها: الصعق الكهربائي على المناطق الحساسة في الجسم، الضرب بالهراوات وأعقاب البنادق على مؤخرة الرأس، الحرق بالسجائر، وحقن الجسم بإبر تسبب الالتهاب والتورم للجسد، إضافة لأساليب التعذيب النفسي، كإجبار السجين على حفر قبر بيديه وإيهامه بأنه سيدفن فيه، والتهديد بانتهاك الأعراض، وإسماعه أصوات صراخ نسائية، لإجبار السجين على الاعتراف، وأيضا التجويع والحصار وإجبار السجين على الاستماع لتسجيلات وخطب خاصة بالأفكار الحوثية، وغير ذلك الكثير ممن لم يكشف بعد.
 
في سجون الميليشيا التي تعج بآلاف الأبرياء، المحظوظون منهم من قضوا تحت التعذيب، وعددهم أكثر من مائة معتقل حسب إحصائيات حقوقية، لأن سجون الميليشيا أشبه بجهنم مصغرة لا يمكن للمرء تحمل عذاباتها ومآسيها، الموت نجاة له والحياة عذاب مضاعف، آلاف المعتقلين يعيشون هذا العذاب كل يوم.
 
مسيرة القمع الحوثية، تتعدد وسائلها مراعية في ذلك تغيّر الزمان والمكان، لكنها تلتقي عند نقطة واحدة: إرهاب الشعب وتخويفه، بما يجعله يقبل بالحوثيين كسلطة حكم قائمة، بعيدا عن آلية الوصول لهذه السلطة، وأيضا إجباره على الرضوخ وعدم المواجهة، لكن مالا يدركه الحوثيون هو أن القمع مهما اشتد فإنه يأتي بنتائج عكسية، وسيكون سبباً في تعجيل نهايتهم.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر