منحنى التمدد الإماراتي


صلاح م. إسماعيل


لا تعتمد دولة الإمارات على الأساليب القانونية و الأعراف الدولية في إرساء العقود و المناقصات و الاتفاقيات الاستثمارية مع دول عربية، بل على الفساد المالي لأنظمة الدول التي تريد أن يكون لها وجود فيها كالموانئ أو القواعد العسكرية، مثلا. من هنا يصعب اعتبارها استثمارات أو اتفاقات أساسا بل استغلال للثروات والمقدرات أو انتهازية الأزمات و الأوضاع الصعبة لدول أخرى، من قبل دولة يعتبر دخل الفرد فيها بين الأعلى في العالم. و هذا تعبير عن الجشع الرأسمالي الذي يتحرك وفق مبدأ الربح -فقط- و لا يهتم إلا بتكديس الثروات و يخشى من المنافسة، و يمارس أقبح الطرائق لضمان كل ما سبق، و كذلك عن حالة التضخم الذي صنعه المال المكدس في الرغبة بالسيطرة و التوسع عسكريا لدولة 80% من قاطنيها أجانب.
 
اندلعت الثورة في اليمن فبراير2011، كان الفساد المالي و الإداري أحد دوافعها. و من ملفات فساد نظام صالح الكبرى، كانت صفقة تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية في 2008. ارتكبت الشركة الإماراتية اختلالات و قامت بتعطيل العمل في الميناء الذي يقع في مكان إستراتيجي على خليج عدن لصالح موانئ أخرى تديرها موانئ دبي. كما أن الشركة لم تنفذ خطة الاستثمار الخاصة بالمرحلة الأولى من عملية تطوير الميناء في الوقت المحدد، و الذي يعد واحدا من أفضل خمسة موانئ طبيعية في العالم.
 
تحت ضغط المطالبات الشعبية و الجماهيرية، أتت مطالبة الحكومة اليمنية من الشركة الإماراتية تعديل اتفاقية تأجير الميناء أو إلغاء الاتفاقية، التي وصفها وزير النقل السابق، واعد باذيب بأنها مجحفة بحق اليمن، وأنها أبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية. قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن في أغسطس 2012 إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن الإستراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية.
كان هذا دافعا قويا لأبوظبي طوال السنوات اللاحقة و إلى اليوم، بأن تحدد موقفا معاديا من قوى الثورة في اليمن و أيضا من السلطة الجديدة برئاسة هادي، و في نفس الوقت أن تقف بقوة مع النظام السابق و تقوم بدعمه بكل الإمكانات.
 
لكن السؤال، إلى متى يمكن لأبوظبي أن تصمد بطريقتها اللا-أخلاقية في التعامل مع الدول التي تشهد إضطرابات في الإقليم؟
هذا يعتمد على استمرارية الإضطرابات و الأزمات في الدول التي تسعى أبوظبي للنفوذ فيها. استقرار الصومال النسبي مثلا جعل الحكومة تعيد صياغة تعريف العلاقة مع الدولة الخليجية و تلغي الاتفاقات المجحفة بما يجعل المصالح القومية ذات أولوية لمقديشو.
 
من هنا نفهم كيف أن الإمارات تتدخل في اليمن بمبرر دعم الشرعية، في الوقت الذي تقوم فيه بزعزعتها و الإضرار بها. فنشاط أبوظبي في اليمن يكرس هدم الدولة الممنوع رئيسها هادي من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن. كما تقوم بدعم مليشيات خارج إطار الجيش الوطني كدعمها لقوات يما يسمى ب "الأحزمة الأمنية" و "قوات النخب". و هدف كل هذا أن تقوم بصناعة كنتونات متفرقة على أراضي اليمن و تقوم بالسيطرة على الجزر و الموانئ و المصائد النفطية عبر المليشيات  الممولة و المسيرة عبرها.
 
هذا الوضع الشاذ في اليمن لن يستمر طويلا. و ستجد الإمارات نفسها أمام موجات غضب شعبية و سياسية متصاعدة، لتخسر ما بنته في مصالح على حساب دولة تمر بظروف إنسانية واقتصادية و سياسية مزرية. و الواقع يقول أن السخط على سياسة التحالف عموما و أبوظبي خصوصا يتزايد يوما بعد يوم، و يصل لمستويات أعلى. و كما خسرت الإمارات مصالحها في الصومال بسبب تماديها و قفزها على مؤسساته الرسمية وسلطته الشرعية، لاعتقادها أن مقديشو اعجز من الرد و المواجهة، ستجد نفس ردة الفعل في اليمن.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر