حرب "التسريبات"..آخر محاولات إيران لإنقاذ حلفائها الحوثيين من الإنهيار

 

أتهم إعلاميون وسياسيون ما وصفوها بـ"المطابخ الاستخباراتية" الإيرانية وحلفائها بصنعاء، بضخ تسريبات صحفية تخدم مصالحها السياسية في اليمن، تورطت في نشرها بعض وكالات الأنباء الدولية التي عادت ونفت ما نشرته لاحقا.  

 وتكرر مؤخرا نشر تقارير إخبارية، معظمها كانت عبارة عن (تسريبات)، تضمنت تصريحات منسوبة بعضها لقيادات حوثية وأخرى لدبلوماسيين يمنيين مجهولين، كما لم تستثني أيضا مسئولين أمريكيين، بل ومسئولين خليجيين رفيعي المستوى، سرعان ما تم نفيها وتكذيبها أو الاعتذار من قبل ناشريها أو من قبل جهات دبلوماسية رفيعة معنية بما نُشر.

وفي حين تركزت معظم تلك التسريبات حول مواقف وتحركات ومبادرات دولية، تحاول أن تصب في خدمة تحالف الانقلابين في اليمن، فقد كان من اللافت أن تلك التسريبات لم يقتصر نشرها – هذه المرة - على وسائل إعلام إيرانية مثل "وكالة فارس الرسمية" الإيرانية، أو دولية مقربة كـ"وكالة سبوتنك" الروسية، بل تعدتها إلى تورط وسائل إعلام دولية (مرموقة) كـ"وكالة رويترز"، والـ(BBC) البريطانية.

ولم يستبعد متخصصون إعلاميون "مطابخ استخباراتية" مشتركة بين طهران وصنعاء بالوقوف وراء تلك التسريبات الصحفية لمساندة الانقلابين الحوثيين وحليفهم صالح من خلال محاولة خلط الأوراق وإرباك المشهد السياسي في اليمن. لاسيما وأنها جاءت بعد إعلان مبادرة (كيري)، وزير الخارجية الأمريكية التي قدمها لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في مدينة جدة السعودية الشهر الماضي، دون أن يكشف عن تفاصيلها حتى الأن، والتي - من المهم الإشارة هنا إلى أنها - جاءت عقب إفشال الانقلابين ما اعتبرت أنها آخر فرصة للحل السياسي في مشاورات الكويت.  

 أربعة تسريبات في أقل من 20 يوم

 خلال أقل من عشرين يوم، رصد "يمن شباب نت" أربعة تسريبات نشرتها وسائل إعلامية دولية وإيرانية، ركزت جميعها على الإيحاء بوجود تحركات دولية لصالح الحوثيين وانقسام خليجي تجاه الأحداث في اليمن.

 آخر تلك التسريبات جاء عبر وكالة "رويترز" الدولية الشهيرة، حيث نقلت عن مصدر قريب من وفد الانقلابين الحوثيين المتواجد في العاصمة العُمانية (مسقط)، زعم أن أمريكا قدمت لجماعته خطة للحل تضمنت اقتراحا بوقف شامل لإطلاق النار في اليمن، وقدمت هذه الخطة عبر مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية "توماس شانون" أثناء لقاء خاص بالوفد في العاصمة العُمانية (مسقط).

ومع ان الوكالة الدولية (المرموقة) لم تكتفي بذلك، بل ذهبت لتأكيده عبر مسئولين أمريكيين في واشنطن - لم تحدد صفتهم – قالوا إن الخطة "امتداد لجهود وزير (الخارجية جون) كيري التي بدأها في جدة"، إلا أن النفي جاء بعد ساعات قليلة، عبر المتحدث الرسمي لمكتب زعيم الحوثيين، محمد عبدالسلام، الذي نقلت عنه محطة الـ(BBC) البريطانية تصريحات تنفى مانشرته وكالة "رويترز". وأكد عبدالسلام، وهو أيضا رئيس وفدهم في المشاورات، أن الوفد لم يتسلم أية مقترحات أو خطة سلام أمريكية من الأمريكيين.

 قبلها، في 15 سبتمبر الجاري، كانت وكالة أنباء فارس الإيرانية، نشرت خبرا بعنوان (رسالة سرية من واشنطن لطهران: فلنتفاوض حول اليمن من دون الرياض)، زعمت فيه أن طهران تلقت رسالة سرية من واشنطن تدعوها للاجتماع وتقرير مصير اليمن بعيدا عن السعودية. لكن الوكالة نفسها، عادت بعد يومين على انتشار الخبر، ونشرت تكذيبا لخبرها من الخارجية الإيرانية التي نفت تلقيها رسالة من واشنطن بشأن التفاوض حول اليمن..!!

قبلها، أيضا، في الثامن من سبتمبر، نشرت وكالة أنباء "سبوتنك" الروسية خبرا نسبت فيه لوزير الخارجية الكويتي تصريحات، قالت أنه أدلى بها لوكالة الأنباء الكويتية "كونا"، يعرب فيها عن تفاجؤوه من حديث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن قبول السعودية حق الحوثيين في المشاركة السياسية في اليمن، ومطالبتها الحوثيين بفك الحصار عن المدن، مشيرا - بحسب سبوتنك - إلى أن ذلك "موقف غريب ويوحي بأن المملكة بعد عام من الحرب على اليمن قامت بإعادة النظر في سياساتها تجاه الحوثيين”.

 وأضافت الوكالة الروسية أن وزير الخارجية الكويتي قال إن الجبير طالبه في اتصال هاتفي بدعوة الحوثيين للتفاوض معهم في الكويت، وأنه شدد على الكويتيين بضرورة "إعادة الحوثيين للتفاوض بأي وسيلة ممكنة لأن أمن المواطنين السعوديين واستمرار الهدوء على الشريط الحدودي بين البلدين يعد أولوية بالنسبة للسعودية".

 لم يمر على الخبر ساعات حتى جاء النفي عبر وكالة الأنباء الكويتية التي أكدت أنها لم تنشر أية خبر من هذا القبيل، يتضمن تصريحات على لسان وزير خارجية الكويت تنتقد تغيير سياسة السعودية تجاه الحوثيين. واعتبرت ما نشر بأنه كذب وافتراء.

 أما تسريبات بي بي سي عن بنود مبادر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 31 أغسطس كانت الأكثر إثارة ولغطا على المستوى الدبلوماسي والسياسي على حد سواء، حيث تضمنت هذه التسريبات بنودا عن مبادرة كيري للحل في اليمن من أبرزها منح الحوثيين وصالح ثلثا مقاعد الحكومة وأن يسلم الرئيس هادي صلاحياته لنائب يتم التوافق عليه وأن يقدم علي محسن الأحمر استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية.

 هذه التسريبات دفعت المملكة المتحدة عبر سفيرها في اليمن للاعتذار، وتأكيدها على موقفها الداعم للشرعية اليمنية، فيما سارعت الخارجية الأمريكية لنفي تلك التسريبات عبر موقع البي بي سي نفسه، أما الخارجية اليمنية فقالت إن كيري لم يتقدم بأية مبادرة وأن ما طرحه في اجتماع الرياض كان عبارة عن أفكار ليست مكتوبة.

معركة إعلامية أشبه بمعاركهم الحدودية

 في البداية، لم يستبعد رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبدالسلام محمد، أن تكون هذه "التسريبات المخابراتية لأذرع طهران، محاولة للتأثير على القرار الدولي" لاسيما وأن المجتمع الدولي ما يزال عند موقفه الرافض لانقلاب الحوثيين وصالح.

إلا أنه يعتقد، ضمن تصريحاته لـ"يمن شباب نت"، أن هذه التسريبات "فشلت في تحقيق هدفها، لوجود كثير من المعطيات التي أعطت انطباعا عن تعامل الانقلابين المماطل تجاه قرارات المجتمع الدولي والالتزامات التي أعلنوا عنها".

 ومن جهة أخرى، يعتبر رئيس مركز أبعاد أن "تكرار نشر هذه التسريبات تأتي ضمن محاولات تخفيف الضغط الداخلي على أنصار الحوثيين وصالح جراء الانهيارات العسكرية والاقتصادية التي لحقت بهم". وبالتالي، يضيف: "فهي تندرج أيضا ضمن محاولاتهم البائسة لطمأنة أفرادهم في الجبهات، والبحث عن انتصارات سياسية كاذبة تشبه ادعاءاتهم بالانتصار في معارك الحدود".

ومؤخرا، احتدمت جبهات القتال بين قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة والانقلابين الحوثيين وحليفهم صالح من جهة أخرى، وسط انهيارات ملحوظة للحوثيين وصالح في مختلف الجبهات، حيث تمكنت قوات الجيش الوطني من استعادة مناطق واسعة في كل من تعز وصنعاء والجوف ومأرب ولحج.

 وجاء تصاعد وتيرة المواجهات بعد توقف آخر مشاورات سياسية استمرت لأكثر من 100 يوم في دولة الكويت، قبل أن يعلن الانقلابيون الحوثيون وحليفهم صالح رفضهم لخطة أممية تقدم بها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، ما دفع الأمم المتحدة لإعلان توقف المفوضات وسعيه نحو الإعداد لجولة أخرى لم يتم حتى الآن تحديد موعدها أو مكان إقامتها.

 حرب نفسية لإضعاف أنصار الشرعية

 وتؤكد تلك التسريبات، التي تم نفيها وتكذيبها سريعا "أن هناك قلب للحقائق واختلاق وقائع عن الأحداث في اليمن ليس لها وجود بفعل قيام إيران بزراعة عملاء لها في مؤسسات إعلامية كبيرة"، وفقا للناشط والسياسي الدكتور رياض الغيلي، في تعليقه لـ"يمن شباب نت".

في حين أن الدكتور عبدالباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، كان أعتبر في تصريحات له بهذا الخصوص "أن مثل هذه التسريبات هي عبارة عن حرب نفسية يشنها الطرف الآخر".

وقال إن "الهدف من نشرها "هو إضعاف الجماهير الرافضة لجماعة الحوثي، خصوصا من فئة المتذمرين من السلطة الشرعية بسبب عدم قدرتها على إدارة الصراع من منظور استراتيجي، إذ تسعى جماعة الحوثي لاحتواء تلك الجماهير المتذمرة بفعل جملة من الإجراءات المؤسسية وترجمتها على المستوى الممارسة".

 وعليه، دعا شمسان السلطة الشرعية الى إيجاد غرفة حرب لإدارة العمليات الإعلامية، بحيث تواكب التسريبات والعمل على رسم استراتيجية مقابلة للانقلابين، علاوة على إدارة العملية الإعلامية التي لا تقل أهمية عن العمليات العسكرية.

 واكد شمسان بان مثل تلك التسريبات تحجب خلفها جملة من الفعاليات التي لا ترغب جماعة الحوثي التركيز عليها مثل الخلافات بين الحليفين، وهذا ما تهدف إلية هذه الإشاعة بدرجة أساسية حيث ستعمل بدرجة عالية على تماسك جبهة الحوثيين وصالح.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر