ما وراء تلويح مليشيات الحوثي بالعودة إلى الحرب في اليمن.. وهل تعثرت المفاوضات؟ (تقرير خاص)

[ مراقبون: خيارات مليشيات الحوثي في التصعيد العسكري محدودة (أ ف ب) ]

 لوحت مليشيا الحوثي الإرهابية في الأسابيع القليلة الماضية بإمكانية العودة إلى التصعيد العسكري في ظل مؤشرات على تعثر المفاوضات الإقليمية والدولية المكثفة التي كانت تجري في العاصمة العمانية مسقط.
 
وأطلقت المليشيا المدعومة من إيران، سلسلة من التهديدات مع بعد تعثر المفاوضات التي جرت علانية في أبريل/ نيسان الماضي خلال زيارة الوفدين السعودي والعماني إلى صنعاء، حيث كان يتوقع أن تتواصل بعد عيد الفطر، لكنها لم تحدث.
 
في 11 مايو/ آيار الماضي قال السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر لوكالة "فرانس برس" إن "الأطراف المتحاربة في اليمن "جادة" بشأن إنهاء الصراع المدمر المستمر منذ ثماني، لكن من المستحيل التنبؤ بموعد إجراء محادثات مباشرة، ناهيك عن حدوث انفراجة".
 
وأضافت آل جابر "رغم جدية الجميع في البحث عن السلام.. ليس من السهل أن نكون واضحين بشأن الخطوات التالية". فيما علقت الوكالة الفرنسية على ذلك بالقول "يبدو أن التعليقات قوضت التوقعات بشأن صفقة وشيكة لإنهاء القتال".
 
الموقف الآن وفق النظرة الحوثية
 
استمرت الهدنة من دون اتفاق أكثر منها باتفاق، وتتراجع أكثر فأكثر مؤشرات العودة مجددا للحرب بصيغتها السابقة، خاصة بعد الاتفاق الإيراني السعودي الذي وقع في الصين مطلع مارس الماضي.
 
لكن عبدالملك الحوثي وصف الظروف الجارية في اليمن وجهة نظر مليشياته بأن السعودية والتحالف فشلوا في تحقيق نصر حاسم وكامل، ويريدون البقاء في السيطرة على الجزر والمياه والسواحل والثروات والحظر رغم الانفراج الجزئي المحدود في موانئ الحديدة.
 
وقال الحوثي في خطابه بمناسبة ما يسمى "ذكرى الصرخة" الإيرانية في 23 من الشهر الجاري، إن "الوضع حاليا وضعية عدوان واحتلال وحصار وأن التحالف الذي يصفه بالعدوان ما زال مستمرا"، لافتا إلى أن مليشياته أتاحت أمام التحالف"فرصة للانسحاب وإنهاء هذا الوضع لكنه لم يفعل رغم الوساطة العمانية".
 
كما هدد عبده الحوثي بأن مليشياته في وضع تأهب قصوى في كل الأوقات، وأن الوضع الحالي لن يستمر إلى ما لا نهاية، وأن مليشياته تريد بالتحديد: "إنهاء التحالف، في إنهاء الحصار، انسحاب القوات العربية من اليمن، في معالجة آثار هذا الحرب وتبادل الأسرى وملف الإعمار والأضرار".
 
وواصل الحوثي تهديده بالقول: "وإذا تصور الآخرون أنهم سيكونون بمنأى عن آثار وتبعات عدوانهم وحصارهم فهم واهمون، المسألة كبيرة جدًا.. هذه السياسة في التعامل معنا لا يمكن القبول بها" وأضاف أن مزاعم السعودية بأنها وسيط، عبارة عن نكتة".
 
وكان مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثة قد قال في كلمة له في محافظة حجة منتصف مايو الجاري، إن "المرحلة الحالية ضبابية، لا سلم ولا حرب، وإن مليشيا الحوثة، لن تقف إلى ما لا نهاية.. وستصل إلى مرحلة نفاد الصبر".
 
وتعليقا على ذلك يرى الباحث اليمني الدكتور عادل دشيلة، أن هناك تعثرا في الوصول إلى تسوية بين السعودية والحوثي، خاصة في الجوانب السياسية.
 
وقال دشيلة لـ"يمن شباب نت"، إن "الحوثيين يريدون الاعتراف بهم باعتبارهم الشرعية السياسية الوحيدة، وهو ما ترفضه السعودية على الأقل حتى الآن، ولذا غضت الطرف عما يقوم به المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن".
 
ما وراء التهديدات؟

في تفسير حذف التهديدات التي أطلقها المشاط من وكالة سبأ ونشرها في منافذ المليشيا الإعلامية الأخرى؛ قال مصدر خاص في صنعاء، إن "التهديدات الحوثية ضد السعودية موجهة لأتباعها بالدرجة الأولى بعد أكثر من سنة على الهدنة وتوقف الحرب، لكن الموقف الرسمي للمليشيا الحوثية هو مع استمرار التفاوض، وهي تريد الجمع بين المفاوضات ومعنويات أتباعها من الفتور".
 
وأضاف المصدر لـ"يمن شباب نت": "هناك مفاوضات جارية حاليا، ويريد الحوثة انتزاع أكبر قدر ممكن من مطالبهم خاصة فيما يتعلق بالمرتبات وآلية دفعها".
 
بينما يقول الدكتور عبدالكريم غانم أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن "التناقض بين نقل صيغة الخبر في الوكالة التابعة للحوثيين وتغريدات قيادات الجماعة وناشطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تناقض ممنهج".
 
وأضاف غانم لـ "يمن شباب نت": "نعلم أن الحوثيين حريصون على الاستفادة القصوى من وعود المملكة العربية السعودية في رفد خزينتهم بالأموال تحت مسمى المرتبات، التي قد لا ينال منها الموظفون شيئا".
 
وأوضح أن الحوثي يخشى عدم وفاء المملكة بما وعدته إياهم، ويخافون يوما بعد آخر من ابتعاد السعودية عن تلك الوعود.. لذا لجأت المليشيا إلى تذكير السعودية بأوراق القوة العسكرية التي يمتلكونها.
 
وأشار غانم أنه كان يفترض أن يعود الوفد السعودي إلى صنعاء بعد إجازة عيد الفطر،  - كان المشاط نفسه قد قال نهاية رمضان إن النقاشات ستستمر بعد إجازة عيد الفطر- لكن يبدو أن السعودية صارت تقدم نفسها وسيطا، ولم تعد تستعجل المفاوضات مع الحوثي.
 
ويتفق معه في هذا الراي الدكتور عادل دشيلة خلال حديثه لـ"يمن شباب نت" بالقول إن "التهديدات الحوثية هي نوع من الابتزاز السياسي لتعزيز موقفهم في المفاوضات".
 
إمكانية حدوث تصعيد

يستبعد أكثر المتابعين إمكانية حدوث تصعيد حوثي، بعد أكثر من سنة من الهدنة، لكنهم لا يقولون إن ذلك مستحيل. وقال مصدر خاص في صنعاء إن "إمكانية التصعيد واردة، وقد تكون على شكل هجمات بطيران مسير أو صواريخ باليستية، ويمتلك مخزونا كافيا منها".
 
كما استبعد المصدر، استبعد حدوث تصعيد على الجبهة الداخلية، في ظل القدرات الحوثية الحالية لأنها تحتاج إلى وقت أطول للهجوم على أي جبهة مثل مأرب أو تعز.
 
وفي هذا السياق، قال الدكتور غانم: "ليس لدى الحوثي القدرة والرغبة لاستئناف القتال، وتصريحاتهم لأجل انتزاع مكاسب في الملف المناسب.. أما عسكريا فهم غير مستعدين لاستئناف الحرب عبر الحدود، لأن أهم نتائج التفاهمات التي جناها الحوثي حتى الآن هو وقف تدخل التحالف. أما على المستوى الداخلي فيمكنهم شن هجمات هنا أو هناك".
 
ولا يستبعد الباحثة دشيلة إمكانية عودة الصراع خاصة على المستوى الداخلي خاصة في جبهتي تعز ومأرب.
 
خيار الحوثي العودة للحرب
 
وفق تهديدات المشاط، في كلمته بحجة، وتكرار التهديد يوم الأربعاء فإنه في حال استمرت العراقيل أمام التقدم فيما يصفه الحوثة بالملف الإنساني الذي يشمل المرتبات، وفتح مطار صنعاء الدولي أمام وجهات جديدة بجانب وجهة الأردن، وكذلك فتح موانئ الحديدة بالكامل، سيعود التصعيد مجددا.
 
لم تنشر وكالة سبأ الحوثية تهديدات المشاط عند زيارته حجة، واكتفت بالقول، إن "استقرار السعودية من استقرار اليمن، وأن أي تصعيد سيجلب الضرر للمنطقة".

وفي نص الكلمة التي نشرها إعلام الحوثي، قال إن مليشياته تملك الوصول إلى كل نقطة في البحر، وأن على الولايات المتحدة أخذ تهديداتهم بجدية.
 
التهديدات الحوثية، لم تشمل التهديد لأول مرة بالهجوم على المملكة ولا منشآتها ومصالحها، رغم أن المشاط قال إنه "وجه رسائل لعدد من شركات الاستثمار بأن لا تأتي للمنطقة، وأن السلام لم يحن بعد".
 
وقال المشاط في تهديده بلغة يائسة من جدوى العودة إلى الحرب: "لن نكون المتضرر الوحيد من عودة المنطقة، بل المنطقة كلها وقال: لم يعد لدينا ما نخسره".
 
يقول القيادي الحوثي عضو اللجنة الثورية المنحلة محمد المقالح في تغريدة عبر "تويتر": "حسم  الأزمة بالحرب أصبح وهما كبيرا، ويجب أن ينتهي فورا". ويضيف في رسالة واضحة لمليشيا الحوثي " ولو شيء شمس كانت أمس وقبل أمس وقبل 8سنوات".
 
المقالح طالب مليشيا الحوثة باتخاذ خطوات شجاعة من أجل السلام، تتطلب شجاعة أكثر من الحرب، وحذرها من أن فصلها بين الهدنة والسلام واتخاذ الهدنة فرصة لإعادة تقوية موقعه إنما هو فخ سيدفعها للانقسام وتآكلها في المنطقة التي تسيطر عليها.
 
وحث المقالح الحوثة على الدفع بقوة تجاه السلام وتقديم تنازلات حقيقية، خصوصا مع الحكومة اليمنية والقوى المنخرطة فيها. وفي تغريدة أخرى في وقت سابق قال إن" وقت التهديد بالتصعيد قد انتهى ولم يعد يؤثر على أحد".
 
وكانت أشد التغريدات تحذيرا للحوثة من قبل المقالح تذكيرهم بأن الإماميين في ستينيات القرن الماضي، هزموا بعد انسحاب الجيش المصري.
 
وقال الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور على الذهب في حديث لـ"يمن شباب نت" إن "إمكانية التصعيد، واردة لكن الحوثي صار يفتقر كثيرا لإمكانياته في الحشد والتعبئة مع ازدياد الفجوة بينه وبين الشعب في مناطق سيطرته مقارنة بما كان عليه الحال في السابق، وأن تهديدات الحوثي متعلقة أكثر بالهجمات على الملاحة البحرية في البحر الأحمر".
 
بينما قال السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري صفا في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط له قبل منتصف مايو الجاري، إن الوضع في مناطق سيطرة الحوثي غير جيدة، وأن مصلحة الحوثي في المفاوضات أكثر منها في الحرب.
 
وأكد الدبلوماسي الفرنسي، أن الحوثي واجه هزائم عسكرية في الجبهات ويعاني فجوة شعبية كبيرة بينه وبين الشعب خاصة بعد مظاهرة إب التي هتفت برحيل الحوثي في رمضان الماضي، بالإضافة إلى انهيار شامل للوضع الاقتصادي في مناطق الحوثي.
 
وأشار إلى أن هناك عاملا جديدا في مليشيا الحوثي، بتكون تيار مصالح داخل المليشيا استفاد من الهدنة، وصار له تأثير على قرار المليشيا، رغم ضعفه حتى الآن مقارنة بالتيار العقائدي.
 
عائدات موانئ الحديدة
 
وفق تصريح السفير الفرنسي فإن الحوثي استفاد مليارات الدولارات من عودة العمل في موانئ الحديدة. بينما قدر تقرير خبراء العقوبات أن الحوثي استفاد ما لا يقل عن 270 مليار ريال من إيرادات الوقود خلال الهدنة السنة الماضية.
 
وقدر محافظ البنك المركزي اليمني أحمد أحمد غالب أن 350 مليار ريال كان يدفعها تجار الوقود الحوثة ضرائب الحكومة، ذهبت لجيوب الحوثي منذ بدء الهدنة في أبريل من السنة الماضية حتى نهاية تلك السنة.

كما قدرت تقارير حكومية وأممية ارتفاع شحنات الوقود إلى موانئ الحديدة التابعة لتجار حوثيين بنسبة 400% منذ مطلع السنة الجارية مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، جلبت مئات المليارات من الريالات لصالح كبار قادة الحوثة الذين انخرطوا في التجارة، وأن أي تصعيد جديد قد يؤدي إلى إغلاق موانئ الحديدة وحرمانهم من تلك الإيرادات.
 
الاتفاق السعودي الإيراني
 
وفق تقرير مفصل لوكالة رويترز في نوفمبر2019 فإن الهجمات بالصواريخ والطيران المسير على منشآت بقيق وخريص التابعة لشركة آرامكو كان هجوما إيرانيا مباشرا من الشمال والشمال الغربي للسعودية وليس من الحوثي، رغم تبنيه الهجوم.
 
تذهب معظم التحليلات إلى أن الهجمات بالطيران المسير والصواريخ الباليستية بما فيها تحليلات تقارير خبراء العقوبات فإن الهجمات على السعودية كانت بالغالب هي أهم بعد للصراع بين طهران والرياض، وهي التي أدت إلى إعادة توجه السعودية بسياسة خارجية جديدة تجاه إيران، بعد عقد من الصراع بينهما في عدة جبهات خاصة في اليمن.
 
ذهبت عدد من التقارير إلى أن أساس الاتفاق السعودي الإيراني هو التهدئة في اليمن. وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن في عدة تصريحات إن هذا الاتفاق لن يجلب السلام وحده إلى اليمن، لكنه خطوة مهمة، وأضاف أن واشنطن ستراقب مدى التزام إيران به من خلال وقف شحنات الأسلحة والمخدرات إلى الحوثي.
 
وأعلنت البحرية الأمريكية ضبط شحنتي مخدرات إيرانية في طريقها إلى الحوثي منذ بداية الشهر الجاري بقيمة تزيد عن 110 ملايين دولار، لكنه عبر عن أمله بتنفيذ إيران التزاماتها.
 
ونقلت تقارير عن أن الاتفاق السعودي الإيراني سيجلب أيضا اهتماما صينيا خاصا لتنفيذ الاتفاق بين العدوين اللدودين في المنطقة إيران والسعودية، خاصة في اليمن. وتربط الصين علاقات جيدة بالحوثي وبالحكومة والسعودية وإيران، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير واضح في مسار التهدئة.
 
ويستبعد مصدر خاص في صنعاء خلال حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن يكون الاتفاق الإيراني السعودي وحده مانعا لعودة التصعيد. ويقول إن إيران تكرر دائما أنها لا تسيطر تماما على كامل قرارات الحوثيين، وأنها أبلغت عدة سفراء غربيين بذلك، ويريد الحوثي نفي تهمة السيطرة الإيرانية عليه.
 
بينما يقول الدكتور غانم إن "الاتفاق السعودي الإيراني مهم جدا لإيران ومن المتوقع أن تعمل على تهدئة أي تحركات حوثية خاصة مع تصاعد الأزمات الداخلية على النظام الإيراني بشقيها الاقتصادي والحصار وغيرها من الأزمات".
 
أمريكيا، جددت الولايات المتحدة عزمها وقف الحرب في اليمن، والتقى جاك سيلفا مستشار الأمن القومي الأمريكي مؤخرا بالمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ. فيما قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم لينيدركينغ إن بلاده ترعى اتفاقا في اليمن، وفق ما جاء في إحاطته الصحفية في الأيام القليلة الماضية.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر