كيف عملت الأطماع الاقتصادية في اليمن على تعطيل التنمية وتدهور ظروف المعيشة؟

بعد مضي ما يقرب من 78 شهرا من الحملة العسكرية للتحالف العربي على اليمن، ما يزال جرح ذلك البلد العربي نازفا، وتتهدده كوارث المجاعة والانهيار الاقتصادي والانقسام السياسي. الحملة فشلت في مواجهة الحوثيين في صنعاء، وأضرمت نيران الفتنة في العاصمة المؤقتة عدن، حتى انحدرت المدينة التي كانت يوما ميناء العبور الرئيسي، ومحطة تموين السفن في رحلاتها بين المحيط الهندي والبحر المتوسط عبر البحر الأحمر، وأصبحت مثل مدن الاشباح التي يهددها خطر الموت بالمجاعة، أو بالرصاص المتبادل بين الفرقاء.
 

آخر التطورات السيئة منذ مساء الأربعاء الماضي 15سبتمبر 2021، كان إعلان حال الطوارئ والتعبئة العامة في عدن وكل محافظات الجنوب بعد أن عاشت يوما عصيبا، أضربت فيه محلات الصرافة، وشح فيه الوقود، وانقطعت إمدادات الكهرباء، وتدهورت فيه ظروف المعيشة بشكل عام، واضطرب الأمن وسط شعور بين المواطنين بسيطرة حالة من الانفلات بين عناصر قوى الأمن داخل عدن وعلى الحواجز الأمنية المقامة بين المحافظات.
 

وفوق كل ذلك تشهد مناطق المثلث النفطي أو ما يسمى المثلث الأسود، بين الجوف ومأرب وشبوة، حالة من الاستنفار العسكري المتعدد الأطراف، بين قوى الحوثيين، وقوات جيش الحكومة الشرعية الخاضعة لسيطرة علي محسن الأحمر، وقوات المجلس الانتقالي بقيادة عيدروس الزبيدي، إضافة إلى جماعات مختلفة من الميليشيات القبلية. وتقف خلف حالة الاستنفار العسكري أطماع سياسية واقتصادية واستراتيجية لقوى لا علاقة لها بأمن ورخاء اليمنيين سواء في الشمال أو الجنوب.
 



 
الاستحواذ على النفط والغاز
 
طبقا لأحدث أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن احتياطي اليمن من النفط الخام يبلغ حوالي 6 مليارات برميل، وهو ما يكفي الاستهلاك المحلي لمدة 37 عاما. كما يقدر الاحتياطي من الغاز الطبيعي بنحو 17 تريليون قدم مكعب، ويضع اليمن في الترتيب 31 على مستوى العالم. وقد اهتم اليمن بتطوير البنية الأساسية لإنتاج وتصدير النفط والغاز، حتى أصبحت هذه الصادرات تسهم بحوالي ثلاثة ارباع الميزانية ونحو 90 في المئة من الصادرات وأكثر من ثلث قيمة الناتج المحلي.
 

ولكن بسبب الحرب انخفض إنتاج اليمن إلى 18 ألف برميل يوميا، ثم أخذ يتعافى في السنوات الأخيرة ليصل إلى 61 ألف برميل يوميا عام 2019 وهو أقل من نصف ما كان عليه عام 2014 وحوالي 15 في المئة فقط من أعلى مستويات الإنتاج التي كانت قد بلغت حوالي 430 ألف برميل يوميا. أما إنتاج الغاز الطبيعي فقد سجل هبوطا حادا إلى 3 مليارات قدم مكعب عام 2018 مقابل 328 مليار قدم مكعب عام 2014 أي أنه الآن يعادل أقل من 1 في المئة مما كان عليه قبل تدخل التحالف.

 
وتحدثت وثائق عن اقتراح على «حكومة الشرعية» عقد اتفاقية تمنح شركة أرامكو كافة حقوق النفط والغاز في المثلث النفطي لمدة 40 عاما، مع استعداد الشركة لدفع تعويضات للأطراف الأخرى. ورغم أن حكومة هادي نفت أن يكون هناك مثل هذا الاتفاق، فقد تمت إقالة وزير النفط أوس العود الذي حملت الوثيقة توقيعه، وتم تعيين وزير النفط الحالي عبد السلام باعبود محله.
 

وفيما يخص مناطق حقول النفط والغاز القابلة للتشغيل في المثلث النفطي، خصوصا حقول مسيلة التي تحتوي على حوالي 80 في المئة من إنتاج النفط، فتتولى قوات علي محسن الأحمر وأبناؤه احتكار عمليات توزيع المنتجات النفطية وتهريب النفط الخام من اليمن في الداخل وإلى الخارج. وبعد توقف خط أنابيب رأس عيسى الذي كانت الصادرات تتدفق منه إلى ميناء الحديدة، استطاعت القوات السعودية وقوات الأحمر السيطرة على ميناء تصدير النفط في منطقة بئر علي، واستخدامه في تصدير كميات محدودة تبلغ حوالي 16 ألف برميل يوميا.
 

كذلك سعت السعودية إلى تطوير ميناء جديد لتصدير النفط في مدينة نشطون الساحلية على البحر العربي بالقرب من حدود سلطنة عمان، لكن اضطرابات محلية بواسطة القبائل تعوق حتى الآن إمكان استكمال المشروع، الذي تريد السعودية أن تستخدمه أيضا في تصدير نفطها إلى شرق آسيا وتجنب المرور في مضيق هرمز.
 

ونظرا لرغبة الإمارات في أن تكون شريكا في ثروة النفط والغاز في اليمن، فانها سيطرت على معامل تسييل الغاز في ميناء بلحاف وأرصفة استقبال وتحميل ناقلات الغاز المسال التابعة لها، وحولت بلحاف إلى قاعدة عسكرية ومركز لتدريب المنتسبين إلى القوات الموالية لها من عدن والنخب القبلية في الجنوب. ويتم استخدام بلحاف الآن كورقة ضغط، من أجل عقد صفقة مقايضة تحصل بمقتضاها الإمارات على جزء من الغاز والنفط، مقابل السماح بإعادة استخدام معامل بلحاف في الغرض الذي أنشئت من أجله وهو تصدير الغاز الطبيعي المسال.
 

 وكانت المعامل قد تكلفت حوالي 6 مليارات دولار، بطاقة إنتاجية تبلغ 6.7 مليون طن من الغاز سنويا بإيرادات تبلغ حوالي 4 مليارات دولار سنويا. وبسبب توقف عمليات تسييل الغاز والتصدير، وتوقف خط أنابيب الامدادات، توقفت أيضا آبار الغاز الطبيعي، كما يتم حرق الغاز المصاحب أعلى آبار استخراج البترول، لعدم القدرة على ضخه في الأنابيب، وهو ما يعتبر خسارة فادحة لليمن والجنوب.
 


السيطرة على الموانئ البحرية
 
تحاول الإمارات منذ فترة حكم علي عبد الله صالح دمج منظومة الموانئ اليمنية على البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن مع الموانئ الإماراتية، في إطار استراتيجية كبرى لعب فيها الشيخ محمد بن زايد وشركة دبي القابضة دورا رئيسيا.
 

وبينما أقام بن زايد علاقة شخصية وثيقة مع أحمد نجل علي عبد الله صالح، فقد لعبت دبي دورا مهما على الصعيد الاقتصادي بتوقيع اتفاق مع مؤسسة موانئ خليج عدن اليمنية، من أجل الاستثمار في الميناء وتطويره وإعداده ليصبح قاعدة انطلاق في المنطقة الحاكمة لطرق التجارة الممتدة بين خليج هرمز وبحر عمان وبحر العرب والمحيط الهندي والأطلنطي وخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر، وصولا إلى قناة السويس والبحر المتوسط.
 

وبذلك يتضح أن دور الإمارات في الصراع على اليمن يقوم على محورين، الأول استراتيجي، يهدف لأن تصبح الإمارات قوة بحرية إقليمية، تستطيع من خلال استخدام السواحل اليمنية والموارد المنتشرة عليها أن تمارس دورا رئيسيا في المياه المفتوحة على المحيطات العالمية، والإشراف على خطوط التجارة البحرية بين آسيا وأوروبا.
 

والثاني اقتصادي يعتمد على التجارة والاستثمار والاستحواذ على النفط والغاز، خصوصا مع حاجة الإمارات للغاز المسال اليمني. وتلعب شركة أدنوك في إمارة أبو ظبي حاليا الدور الرئيسي في محاولة تغلغل الإمارات في قطاع النفط والغاز اليمني، خصوصا حقول النفط في شبوة التي يتم ارسال جزء من إنتاجها إلى مصفاة الرويس في الإمارات.
 


إيران وسوق السلاح
 
لم تكن الحرب على اليمن منذ بدأها التحالف العربي تعبيرا عن صراع قائم بذاته، لكنها كانت وما تزال حربا ترتبط جوهريا بالصراع على ملء الفراغ الإقليمي وممارسة النفوذ في المنطقة. وتعتبر إيران أحد أطراف هذا الصراع. وعلى الرغم من الحصار المفروض على اليمن، فإن إيران حولت هذا البلد إلى سوق للسلاح يمثل امتدادا للصناعة العسكرية الإيرانية، خصوصا في مجالات تصنيع الذخائر والصواريخ والطائرات المسيرة. ومن الثابت أن الأسطول الخامس الأمريكي اعترض شحنات أسلحة إيرانية مرسلة إلى الحوثيين في اليمن بطريق البحر أكثر من مرة.
 

ومن المعروف أيضا أن إيران أرسلت خبراء إيرانيين من الحرس الثوري، ولبنانيين من حزب الله إلى اليمن لتدريب الحوثيين على تطوير الصواريخ وتصنيع الذخائر والطائرات المسيرة. وليس من المتوقع تسوية الصراع على اليمن وإنهاء حرب التحالف إلا في إطار تسوية إقليمية تضم إيران.
 

وفي مرحلة ما بعد الصراع تطمح إيران لأن يكون اليمن، واحدا موحدا، ضمن مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في الشرق الأوسط. وسوف يتركز اهتمام إيران أولا وقبل كل شيء على تصدير السلاح، والتجارة، والتسهيلات البحرية، خصوصا في خليج عدن وموانئ البحر الأحمر.
 

لقد أدت الأطماع الاقتصادية لدولتي التحالف في الحرب على اليمن إلى حالة من الشلل الاقتصادي، خصوصا في الجنوب، حيث توقف تقريبا إنتاج النفط والغاز، وتدهورت قيمة الريال اليمني، وتبخرت المساعدات الإنسانية والاقتصادية وانعدم الأمن مع انهيار مؤسسات الدولة وغياب القانون.
 

ولهذا فإن ما نشهده الآن من اضطرابات شعبية في الجنوب يمثل انذارا مبكرا عن موجة جديدة من الاضطرابات والتدهور قد يتعرض لها اليمن، مع استمرار الحرب، وغياب حل سياسي يحترم الخصوصية اليمنية، ويلعب فيه الفرقاء المحليون دورا رئيسيا، بدون وصاية من الخارج.
 

هذا يتطلب من القوى المحلية هي الأخرى أن تعيد تقييم مواقفها من منطلقات يمنية خالصة، بعيدا عن تقديم أولوية الولاءات الإقليمية، والتحيزات المذهبية والأيديولوجية، فوق مصلحة اليمنيين في العيش بأمان داخل وطنهم.
 
 
المصدر: القدس العربي

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر