محافظة "إب".. موطن الأوبئة الفتاكة والتجارة الطبية الرائجة..(تقرير خاص)

[ انتشار ظاهرة الاستثمار الطبي في محافظة إب التي تتفشى في الأوبئة القاتلة بمعدلات عليا ]

 
مع أن محافظة إب شهدت طوال الفترة الماضية من الحرب، توسعا وانتشارا لافتا في المنشآت الطبية (التجارية)، إلا أن الوضع الصحي في المحافظة يبدو أكثر قتامة على مستوى الوطن المثخن بالحرب المستعرة منذ ثلاث سنوات، حيث شهدت تفشيا أكبر للأمراض، وتناميا متسارعا للأوبئة، وارتفاع أعداد الضحايا الناجمة عنها.
 
 في كل شارع، تقريبا، من شوارع هذه المدينة، تواجهك لافتات دعائية عن خدمات، أو افتتاح: مستشفى؛ مستوصف؛ مركز صحي؛ أو عيادة طبية.
 
عمليا؛ كان يفترض أن ينعكس انتشار أعداد المنشآت الطبية على رقعة هذه المدينة الصغيرة، كأكثر الاستثمارات المحلية تناميا، على تعافي المنظومة الصحية، بما يصب في مصلحة تقليل نسبة تفشي الأمراض والأوبئة؛
 
إلا أن حدوث العكس يشكك في أن الأمر، هنا، لا يعدوا عن كونه مجرد زيادة في نسبة الاستثمار الطبي لمواكبة انتشار الأوبئة وأعداد المرضى، المتزايدين على الدوام.
 
أسباب استشراء الظاهرة
 


إذا ما نظرنا إلى الاستثمارات الصحية على مستوى محافظة ومدينة إب، فالمستشفيات الأهلية والمراكز والمستوصفات الطبية والعيادات والمختبرات باتت في كل حي وشارع، بل وعلى مستوى الشارع والحي الواحد تتزاحم تلك المؤسسات التي يعج بها مركز المحافظة بدرجة أولى، ثم المدن الثانوية الأخرى.
 
وبالوقوف أمام ظاهرة ازدهار وانتشار الاستثمار الطبي في المحافظة، سنجد أن ثمة أسباب كثيرة أدت إلى ذلك؛ أولها وأهمها هو: انتشار الأوبئة والأمراض بشكل كبير في محافظة إب.
 
 وتؤكد تقارير المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة في اليمن هذه الحقيقة. فعلى سبيل المثال: يؤكد آخر تقرير للاستجابة لوباء الكوليرا، الصادر عن "برنامج الترصد الإلكتروني للمرض" التابع للأمم المتحدة في اليمن، للأسبوع الثاني من عام 2018، فقد بلغت حالات الاشتباه بالمرض في محافظة إب (64,536) حالة، فيما بلغ عدد الوفيات التراكمي (286) حالة. وهي الأعلى بين المحافظات، بعد محافظة حجة التي تأتي في المرتبة الأولى. ما يعني أن معدل الإماتة- من بين حالات الاشتباه- يبلغ (0.44%) في محافظة إب.   
 
أما وباء الدفتيريا (الخُناق) الذي بدأ بالانتشار مؤخرا في البلاد، فتحوز محافظة إب على المرتبة الأولى في الجمهورية في الانتشار وحالات الوفاة. فبحسب تقرير منظمة اليونسيف (نوفمبر 2017)، فقد تم تسجيل 239 حالة مشتبه بها، و 28 حالة وفاة مرتبطة بالوباء في 55 مديرية، موزعة على 15 محافظة. بلغ معدل وفيات الحالات 11.7 %، في حين ُسجلت 62 % من الحالات المشتبه بها في محافظة إب. وفقا للتقرير.
 
كما يؤكد التقرير أن محافظة إب أيضا، سجلت أعلى عدد من الوفيات المرتبطة بالوباء، بلغت 11 حالة، حتى نوفمبر الماضي. أي بنسبة 40% من إجمالي الوفيات في البلاد.
   
وإلى جانب السبب الرئيسي السابق، ثمة أسباب أخرى ثانوية ساعدت هي الأخرى على ازدهار التجارة الطبية في المحافظة، بينها: انهيار المنظومة الصحية في محافظة تعز المجاورة، نتيجة تعرضها للحصار من قبل الانقلابيين منذ اندلعت الحرب فيها قبل ثلاث سنوات، ما أدى إلى تدفق النازحين والباحثين عن العلاج إلى محافظة إب.
 
كما أنه، وبسبب الحصار المفروض على مدينة تعز، لجأت كثير من المستشفيات والمؤسسات الطبية فيها إلى فتح فروع لها في إب، استجابة للكثافة السكانية التي أحدثتها موجات النزوح ومحاولة لتعويض خسائرها المالية بسبب توقفها عن العمل في تعز. وبالمثل اضطر الكثير من أطباء تعز إلى النزوح إلى إب، بعد أن توقفت أعمالهم وتوزعوا على مستشفيات ومراكز ومستوصفات إب، أو فتحوا عيادات خاصة بهم.
 
ومن ضمن الأسباب، التي ساعدت على انتشار الظاهرة، أن المستشفيات الحكومية بالمحافظة هي الأخرى باتت شبه متوقفة نتيجة نهب مخصصاتها المالية من قبل الانقلابيين، وتحول بعضها إلى مستشفيات ميدانية لجرحاهم، كما هو حال مستشفى الثورة العام.


 
 
أمراض وأوبئة جديدة تستوطن المحافظة

 حل العام الفائت ضيفاً ثقيلاً على محافظة إب، ففيه عرفت المحافظة أسوأ الكوارث الصحية بتفشي أوبئة قاتلة تخلص منها العالم قبل عقود.
 
فإلى جانب وباء الكوليرا، لم يكن وباء الدفتيريا (الخُناق) هو الداء الوحيد الذي اجتاح المحافظة سريعا مع نهاية العام، بل استشرت أمراض أخرى مثل: "داء الكلب"، و"السعال الديكي"، ووباء "اللشمانيا"، والجدري...، وغيرها من الأوبئة التي انتشرت بشكل متزايد ولافت.
 
فقد سجل المركز الوطني لداء الكلب نحو 2000 إصابة في المحافظة خلال العام الفائت، وأنتهى عدد منها إلى الموت. وبحسب تقرير حديث صادر عن المركز، فقد ازدادت وتيرة الإصابة بداء الكلب في النصف الأول من شهر يناير الجاري بنحو 200 إصابة.
 
ولايزال هذا الداء يواصل الفتك بأبناء المحافظة في ظل انعدام اللقاحات اللازمة والكافية. حيث أكد مصدر في مكتب الصحة بالمحافظة أن المكتب يشكو من شح في اللقاحات للداء المتصاعد، منوها إلى أنه لا يوجد سوى 500 لقاح فقط، وهي لا تكفي للمصابين لمدة أسبوع. حسب تأكيد المصدر.
 
وبالنسبة للسعال الديكي، تؤكد مصادر طبية بالمحافظة لـ"يمن شباب نت" أنه ظهر في عدد من القرى والمناطق المختلفة من مديريات يريم وحبيش وبعض أرياف محافظة إب.
 
ويعد "السعال الديكي" أحد أمراض الجهاز التنفسي، وهو أشد حدة من السعال العادي والإنفلونزا رغم التشابه بينها، ويصيب المرض الرئة والجهاز التنفسي العلوي بالتهابات مفاجئة، ويمكن أن تصل خطورته لدى بعض الأشخاص، خصوصاً الصغار وكبار السن، إلى الوفاة.
 
أما داء "اللشمانيا"، الذي بدأ هو الأخر بالإنتشار في عدد من مناطق المحافظة، فهو من الأمراض الجلدية التي تنتشر في المناطق الزراعية، ويؤدي إلى ظهور جروح متقرحة يصل قطر الواحد منها إلى بضعة سنتيمترات، وتدوم لأشهر طويلة على الرغم من العلاجات المختلفة.
 
 وبحسب مراجع طبية فإن الداء ينجم عن اختراق طفيليات أحادية الخلية من نوع الليشمانيات إلى الجلد، إثر تعرض المصاب للدغة / لسعة من أنثى ذباب الرمل (من عائلة الفواصد)، لذلك تكون المناطق المعرضة للإصابة هي مناطق الجسم التي تكون غير مغطاة، عادة، مثل منطقة الوجه والأطراف.
 
وكان مدير الرصد الوبائي بمكتب الصحة بالمحافظة، الدكتورعلي الحسني، قد أكد في تصريحات صحفية مطلع الأسبوع الجاري، تسجيل حالات إصابات بدائي السعال الديكي واللشمانيا.
 
وقال الحسني، إن "الجهات الصحية المختصة تتصدى للمرضين من خلال حملات ميدانية إلى المناطق الموبوءة، لكن لا توجد إحصائيات تبين عدد الإصابات حتى الآن".

 

ومع اقتراب العام من نهايته، اجتاحت "الدفتيريا" عدد من مديريات إب. وإذا كان تقرير منظمة اليونسيف، الذي أشرنا إليه سابقا، قد تحدث عن وفاة 11 حالة بهذا المرض في محافظة إب وحدها، وأعتبرها الأعلى في البلاد حتى نوفمبر 2017، فإن "يمن شباب نت" حصل على معلومات من مصادر صحية محلية تفيد أن عدد حالات الوفاة بالمرض في المحافظة ارتفع إلى (37) حالة، حتى الأن، فيما الإصابات بالمئات.
 
 
الفشل الكلوي.. حالات وفاة غير مسبوقة


 يعد مركز الغسيل الكلوي في إب من أكبر مراكز الغسيل الكلوي في اليمن، ويستقبل أكثر من 500 حالة أسبوعيا من محافظات إب وتعز والحديدة وذمار والضالع.
 
 والعام الماضي، عانى مرضى الفشل الكلوي في المحافظة بشكل مضاعف نتيجة توقف مركز الكلى الصناعية بمستشفى الثورة العام أكثر من مرة تحت ذريعة نقص المواد والمستلزمات الطبية، وسجلت التقارير أعداد كبيرة وغير مسبوقة من الوفيات.
 
وكشف تقرير صادر عن قسم الفشل الكلوي في هيئة مستشفى الثورة العام بالمحافظة أن (122) شخصا توفوا خلال العشرة الأشهر الأولى من العام نتيجة إصابتهم بمرض الفشل الكلوي، بينهم 62 من الذكور، و 48 من الاناث، و 12 طفلا.
 
وُتتهم إدارة المركز ومستشفى الثورة ومتنفذين حوثيين بسرقة المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المركز من المنظمات الدولية وفاعلي الخير، وبيعها في السوق السوداء، نظرا للاحتياج المتزايد عليها، وارتفاع أسعارها مع انعدامها.
 
وقد لوحظ أن مشكلة توقف مركز الغسيل الكلوي في المحافظة عادة ما تظهر مع وصول بعثات أممية إلى اليمن أو المحافظة، الأمر الذي يعكس رغبة في استغلالها لجلب المعونات والمساعدات التي تنتهي معظمها إلى جيوب الفاسدين، في الوقت الذي يعاني المرضى من شحة تلك المواد وارتفاع أسعارها في السوق السوداء.
 
استثمار سلطات الانقلاب لمآسي إب



واليوم، ها هي المحافظة تدلف إلى العام الجديد، وهي مثقلة بكوارث وأدواء العام الماضي، مضافا إليها أوبئة جديدة ظهرت مع أواخره، وسط صمت وتخاذل كبيرين من السلطات الانقلابية، المستفيد الأكبر من هذه الأوضاع المأساوية.
 
وقد لوحظ أن السلطات المحلية التابعة للميليشيات لا تترك هذه الأوبئة تنتشر دون التحرك اللازم لمواجهتها فحسب، بل تحرص على تسويقها لحصد أكبر قدر ممكن من الدعم والمساعدات الدولية.
 
 فالمحافظة التي خضعت منذ البداية – ومازالت حتى الأن- لسلطات الانقلابيين، نهشت في جسدها الأوبئة لتسجل أرقاماً قياسية في الاصابات والوفيات، في ظل تعمد الميليشيات إيصال المنظومة الصحية الرسمية إلى مستوى الانهيار شبه الكامل، برغم أن المحافظة لم تدخل في حروب توصل إلى مثل تلك النتيجة كبعض المحافظات الأخرى وعلى رأسها تعز.
 
غير أن السر من وراء ذلك، يعود إلى أمرين أثنين رئيسيين، الأول: رغبتها في نهب المزيد من المساعدات الإنسانية والإغاثية الدولية؛ والأخر: استفادتها الكبرى من انتشار ظاهرة الطب التجاري، حيث تجني الملايين سنويا من وراء ذلك تحت مسميات عدة، فضلا عن فتح سوق رائجة لأذرعهم المالية ومواليهم.
 
وفي الوقت الذي كان يعاني فيه أبناء المحافظة من الأوبئة الفتاكة ويموتون بشكل كبير، كانت سلطات الانقلاب في المحافظة تسابق الزمن للبحث عن مساعدات إنسانية من منظمات دولية، وقد تحصلت تلك السلطات على عدد كبير من الهبات والأموال لصالح مكافحة تلك الأوبئة، لكن معظم تلك الهبات والمساعدات ذهبت إلى جيوب الفاسدين حسب مصادر صحية وناشطين في المحافظة.
 
وتشير المعلومات الخاصة التي تحصلنا عليها من مصادر مطلعة بأن سلطات الانقلاب، كلفت أحد وكلاء المحافظة بإدارة الشأن الصحي والذي اشترط على كل منظمة عاملة في الإغاثة الطبية دفع نسبة 20% قبل أخذ تصريح العمل.
 
ومارست سلطات الانقلابيين في المحافظة مضايقات ضد عدد من المنظمات الدولية، بينها منظمة أطباء بلا حدود، التي أعلنت أكثر من ثلاث مرات توقيف أنشطتها في مركز المحافظة ومديرية ذي السفال بسبب تدخلات الحوثيين.
 
كما اختطفت السلطات الانقلابية في المحافظة طاقم الهيئة الطبية الدولية في ابريل من العام الماضي بسبب عدم صرف رشى مالية. كما تفيد المعلومات المنشورة بهذا الخصوص.  
 
وفي الوقت الذي أعلنت فيه عدد من المنظمات عن اختطاف عدد من عامليها في المحافظة، فقد تم الإعلان أكثر من مرة عن تعرض عدد من الشحنات الاغاثية والمساعدات المخصصة لمحافظات أخرى، للاحتجاز والمصادرة في محافظة إب. 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر