كيف أربك تحالف حزب الاصلاح والتحالف العربي حسابات الحراك الجنوبي في اليمن؟ّ!

[ صورة أرشيفية لأفراد من الحراك الجنوبي في نقطة أمنية ]

لم تقتصر نتائج وردود الفعل حيال تقارب التحالف العربي مع حزب الإصلاح اليمني على محافظات الشمال وسير العمليات العسكرية ضد الحوثيين فقط، بل كانت للخطوة ارتدادات على مستوى الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، الذي ما زال يرى في "الإصلاح" خصمه الأول وعقبة في طريق استعادة دولته الجنوبية.

وبالرغم من إعلان "الإصلاح" أن لقاء رئيس الحزب محمد اليدومي بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، يأتي في إطار تنسيق الجهود لتحرير ما تبقى من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلا أن قيادات في "الحراك الجنوبي" رأت في لقاء "الإصلاح" وما سبقه من محاولة إعادة الراحل علي عبد الله صالح وحزبه إلى الواجهة، أبعاداً سياسية وتفاهمات لمرحلة ما بعد التحرير، وسط دعوات إلى إعادة النظر في التحالفات جنوباً، وتقييم علاقة "المجلس الانتقالي الجنوبي" بالتحالف العربي، وفي مقدمته الإمارات.

ولا تزال علاقة حزب الإصلاح بالحراك الجنوبي يشوبها نوع من الخصومة، منطلقها مشاركة الحزب في حرب الانفصال صيف 1994 ضد قوات الجنوب التي انتهت بانتصار قوات ما يسمى بالشرعية آنذاك، وإخماد محاولة الانفصال. وفيما مثّل الحوثيون باجتياحهم مدينة عدن والمحافظات الجنوبية في 2015، بمساعدة قوات موالية لصالح، عدواً مشتركاً لحزب الإصلاح والفصائل الجنوبية، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً في العلاقة بين الطرفين، بل تصاعدت وتيرة التحريض ضد الحزب من قبل مكونات وقيادات في الحراك الجنوبي بعد تحرير المحافظات الجنوبية، وعزّز ذلك تزايد نفوذ "المجلس الانتقالي" بدعم من الإمارات.

وتزايدت مخاوف الحراك الجنوبي بعد مقتل علي عبد الله صالح من إعادة التحالف القديم بين شريكي حرب 1994، "الإصلاح" و"المؤتمر الشعبي العام"، خصوصاً مع دفع الإمارات والسعودية الأمور في هذا الاتجاه، وتأكيدات الحكومة الشرعية التوجه نحو تشكيل تحالف واسع لمواجهة الحوثيين لتسريع تحرير بقية المحافظات الخاضعة لهم، الأمر الذي يعني إعادة التوازن شمالاً، وهو ما يضع خيار الانفصال أمام تحدي تماسك الشمال مرة أخرى بعد أن شهد انقساماً حاداً منذ ثورة 2011، التي أطاحت نظام الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح.

وكان واضحاً حجم القلق الذي أبداه القيادي في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، ومحافظ محافظة لحج، ناصر الخبجي، من سير الأمور في هذا الاتجاه، إذ قال إن "التقارب الفجائي بين قيادات التحالف العربي وقيادات الإخوان في اليمن لم يكن مجرد اجتماع أو لقاء، وربما هناك اتفاقات وشروط ووعود، عادة لا يتم الإعلان عنها بشكل رسمي بقدر ما هي في إطار السرية المؤقتة وستتضح لاحقاً عندما تحين لحظة تبيان نتائج ما تم الاتفاق عليه".

ودعا الخبجي، في مقال على صفحته على "فيسبوك"، إلى تقييم السياسات والتحالفات جنوباً وفق النوايا والممارسات، مطالباً بإعادة النظر والبحث عن اتفاق سياسي ورؤية مستقبلية مضمونة وواضحة المعالم. وأضاف "فليتم الكف عن تخدير الإرادة الشعبية الجنوبية وتقييد حريتها في التعبير عن مشروعها وعلاقتها السياسية المستقبلية"، في إشارة إلى ترك المجال للعمل الثوري بعيداً عن تقييد "المجلس الانتقالي" الذي بات رهينة التبعية للإمارات.

وتأتي هذه التصريحات بالتوازي مع خطاب إعلامي يضع "الإصلاح" في قائمة خصوم الجنوب. وربما يعود ذلك إلى اعتباره الحزب الأكثر تماسكاً على الساحة اليمنية، فضلاً عن انتشاره الواسع في محافظات الجنوب في ظل تراجع حضور بقية الأحزاب. وعلى ما يبدو فإن نجاح التحالف العربي والشرعية اليمنية في إنشاء تحالف واسع لمواجهة الحوثيين سيقابل على نحو مغاير جنوباً، إذ يسود شعور بأن الهدف المقبل لأي تحالف في الشمال هو السعي لمنع انفصال الجنوب، وهو ما دفع بقيادات جنوبية للدعوة إلى إنشاء تحالف واسع على مستوى الجنوب لمواجهة أي خطوة من هذا القبيل.

وفي هذا السياق، دعت القيادية في الحراك الجنوبي، هدى العطاس، "المجلس الانتقالي" إلى إطلاق دعوة علنية لكل القوى الجنوبية فوراً، والتواصل مع كل المكونات المناصرة والمعارضة، لمؤتمر جنوبي يقوده "المجلس" لترميم "البيت الجنوبي" مع الحفاظ على تنوّعه. وطالبت العطاس، في منشور على صفحتها على "فيسبوك"، بأن يتمخض عن المؤتمر لقاء رسمي معلن للقوى السياسية الجنوبية مع دول التحالف للخروج باتفاق واضح لموقف دول التحالف، من مطلب "الشعب الجنوبي" وإرادته.

كذلك يلاحظ أيضاً في تطورات المشهد السياسي جنوباً أن تقارب التحالف العربي مع "الإصلاح"، وما سبقه من محاولات إعادة صالح إلى الواجهة، أثارت سخطاً ضد التحالف العربي واتهامات للإمارات باستخدام ورقة الجنوب لتحقيق أجندات خاصة بها.

كذلك لم ينج "المجلس الانتقالي" هو الآخر من اتهامات بالتبعية لأبوظبي، وهو ما تحدث عنه سكرتير العلاقات الخارجية للتجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)، عبده النقيب، الذي قال إن ثمانية أشهر كانت كافية لأن تثبت أن المجلس مجرد ورقة تستخدمها الإمارات لاحتواء الثورة في الجنوب لتسليمه لقوى "الإجرام والفساد". وتساءل "هل يستطيع قادة المجلس الانتقالي أن يتحرروا من الأسر ويثبتوا العكس؟". وشدد النقيب، في مقال نشر في صحيفة "رأي اليوم"، على "ضرورة مصارحة التحالف بتصحيح العلاقة وعدم الاعتداء على الإرادة الشعبية الجنوبية"، مضيفاً أن "العلاقة السليمة هي مصلحة عليا وضرورة للطرفين ولن نقبل أن نكون ذيولاً أو شبه دولة".

وفي مقابل المخاوف الجنوبية حيال خارطة التحالفات التي تتشكل لتسوية الوضع شمالاً، يرى سياسيون أن تلك المخاوف غير مبررة، إذ تمكن الاستفادة مما يحدث من زاوية التخلص من العدو المشترك، وهم الحوثيون، ومن ثم التفاهم حول أي ترتيبات تتعلق بمستقبل الجنوب. وفي هذا الإطار، قال الصحافي والمحلل السياسي، خالد الشودري، إنه ينبغي أن ينعكس تقارب "الإصلاح" والتحالف العربي بشكل إيجابي على المشهد الجنوبي، إذ لا توجد أي مبررات موضوعية للخصومة السياسية بين الحزب من جهة والمكونات الجنوبية من جهة أخرى.

ولفت الشودري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن التحريض ضد "الإصلاح" من قبل "المجلس الانتقالي" وغيره ربما كان مبرراً في الفترة الماضية بحكم سوء الفهم السائد بين الإمارات وحزب الإصلاح، أما وقد زالت تلك الشوائب، فإنه ينبغي اصطفاف مكونات الشرعية  جميعها ضد جماعة الحوثي لإنهاء الانقلاب.

وعن تصريحات القيادي في "المجلس الانتقالي" ناصر الخبجي، اعتبر الشودري أنها تصب في سياق المخاوف غير المبررة والتخندق الخطأ في الوقت الخطأ ووضع العصا في عجلة العربة المسرعة، فيما تتجه الأنظار نحو تحقيق الحسم العسكري وإنهاء الانقلاب، بعيداً عن أولويات أخرى قد تشكل عائقاً ومعرقلاً لجهود توحيد مكونات الشرعية ضد الانقلاب.

ووفقاً للشودري فإن الخيارات ستضيق أمام أي مكون جنوبي يريد أن يكون له حضور في المستقبل السياسي ما لم يثبت حضوره اليوم في إنهاء الانقلاب وحسم المعركة مع الشرعية والتحالف العربي، أما غير ذلك فإنه يعد بمثابة "انتحار سياسي"، حسب قوله.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر