ماذا اكتشفت الـ"نيويورك تايمز" خلال زيارتها صنعاء حول "ورطة" الحوثيين؟  


كشفت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية بعض ما يجري في صنعاء تحت حكم ميليشيات الحوثي، منذ سيطرتها على العاصمة في 2014، وتحكمها بمفاصل الدولة، والمأزق الذي بلغوه اليوم بعد سنتين من فرضهم الحرب على البلاد.   

وكان وفدا صحفيا من صحيفة الـ"نيويورك تايمز" الأمريكية الشهيرة، سُمح له مؤخرا بدخول العاصمة صنعاء بعد حصوله على إذن وترخيص من قيادات الميليشيات الحوثية لإجراء تحقيقا استقصائيا استمر لمدة 10 أيام، تحت اشراف وحراسة الميليشيات.

والسبت الماضي، نشرت الصحيفة مقالا مطولا لمراسلها الصحفي "بن هيوبارد" ضمنه أبرز نتائج زيارته إلى العاصمة اليمنية، أختار له العنوان "ورطة المتمردين الحوثيين تتجلى خلال زيارة العاصمة صنعاء".   

وكشف المقال، الذي ترجمه "يمن شباب نت"، بعض ما وصل إليه حال تلك الميليشيات الانقلابية اليوم، من عجز معترف به في خوض المعارك التي خلقتها، مع عجز في إدارة شئون البلاد والمحافظات التي تديرها بقوة السلاح، في وقت ما زال فيه بعض قادتها ومقاتليها يصرون فيه على أن استيلائهم بالقوة على العاصمة صنعاء كان ضروريا، منوها إلى ذلك التعارض الواضح بين ما يسهبون فيه من معتقدات وبين ما يقومون به من سلوك عملي مناقض لها على أرض الواقع.    

بداية ومقارنة وبرمجة

بدأ الكاتب مقاله بإحداث مقارنة بين ما كان عليه الحال في العاصمة صنعاء قبل الحرب، وبعدها، قائلا: "قبل الحرب كان نادي الضباط في وسط صنعاء وجهة الترفيه الرئيسية، والمعروف بمسبحه ومقهى حديقته". ويتابع "والآن، مثل معظم صنعاء، العاصمة اليمنية، يتم التحكم ببقاياه المقصوفة من قبل المتمردين المسلحين التابعين للجماعة المعروفة باسم الحوثيين. وبينما كانوا يرتدون زي البدو ويتقدون بحماسة الإسلاميين، أشاروا إلى الفتحات التي خلفتها الغارات الجوية والانقاض التي كانت ذات يوم أكاديمية الشرطة".

ويستدرك الكاتب: "ومع ذلك، مازلوا مصرين على ان الاستيلاء على العاصمة كان فعلا جيدا بالنسبة لليمن"، مستشهدا بقول أحد مقاتليهم: "من قبل، كان هناك الكثير من الفساد والنهب". وهو شاب حوثي يدعى مسعود سعد (19 عاما) ترك المدرسة المتوسطة ليصبح مقاتلا. وأضاف: "أردنا تقديم دين الله الحقيقي على نحو صحيح".

ويعزز هذا الحديث، وما سنجده لاحقا في ثنايا هذا المقال، حجم المغالطات الساذجة التي تمكنت من خلالها الميليشيات من استقطاب وبرمجة عقول مقاتليها.  

ورطة الحرب.. لقمان: خسرنا كل شيء

وتمهيدا للوصول إلى حقيقة الورطة التي وصلتها الميليشيات الانقلابية، بدأ الكاتب بالتذكير أن هذه الحركة بدأت تحركاتها في الجبال الشمالية لليمن، ثم برزت مؤخرا إلى الواجهة بعد سيطرتها على المنطقة الشمالية الغربية في 2014، ومنذ ذلك الحين دفعت الحكومة الشرعية في البلاد إلى المنفى وبدأت حربا شرق أوسطية جديدة أدخلتها في وسط المحنة الحالية التي تمر بها اليوم، بعد أن تدخلت المملكة العربية السعودية لقيادة تحالف عربي.  

ويصل الكاتب إلى القول: "والآن ها هم يكافحون من أجل البقاء في الحكم وسط حرب بلغت حالة من الجمود المدمر".

وأوضح أنه قام بجولة صحفية في العاصمة صنعاء، تحت إشراف ونظر الحوثيين المسيطرين على مفاصل العاصمة، حيث لم يكن يسمح له بالتحرك إلا بعد الحصول منهم على إذن. حسب تأكيده.

 وخلال جولته، التقى بالناطق الرسمي باسم الوحدات العسكرية المتحالفة مع الحوثي، العميد شرف لقمان في سيارته، والذي يؤكد الكاتب أنه "أعترف بأن الخطوط الأمامية تحركت بالكاد في العام الماضي". في إشارة إلى ذلك المأزق من الجمود العسكري المدمر الذي وصلته جماعته، والذي كان الكاتب لفت إليه في عبارته السابقة لهذا التصريح.

وأضاف لقمان: "لقد خسرنا كل شيء، بنيتنا التحتية، ولم يعد لدينا شيئا لنخسره". وتابع: "إن ما يحدث الأن عبارة عن حرب استنزاف طويلة".

ماذا يريدون؟ ورطة إدارة الدولة

يذهب كاتب المقال إلى الاعتقاد أن سيطرة الحوثيين على مثل تلك المناطق الرئيسية (في شمال وغرب البلاد)، جعلهم أساسيين في الجهود الدولية لإنهاء الصراع، ما ترك صناع السياسة والمفاوضين يكافحون من أجل فهم ما الذي يريدونه؟

وقدم نبذة سريعة عن خلفية جماعة الحوثي منذ بدأت في 1990 كحركة إحياء دينية للمذهب الزيدي، وهي أقلية دينية عربية في شمال اليمن، هدفت إلى الوقوف في وجه الجهود السعودية لنشر نسختها من الأصولية من المذهب السني. حسب ما يصف الكاتب، ومن ثم تحولها إلى جماعة متمردة تشن حروبا على الدولة منذ العام 2004.

ويقول الكاتب، إن "تلك الخلفية من التمرد المتجذر في أجزاء منعزلة لأفقر دولة في العالم العربي أفضت بالجماعة نحو تشكيل قوة قتالية قوية، لكنه منحها القليل من السياسيين، والمثقفين أو التكنوقراط المهرة"، موضحا: "ظهر ضعفا واضحا وضوح الشمس أثناء الزيارة التي قام بها مؤخرا صحفيو النيويورك تايمز في صنعاء".

ويواصل الكاتب حديثه عن بعض نتائج زيارته الاستقصائية إلى صنعاء. حيث يؤكد أن إدارة الحوثيين "تعتمد في معظمها على موظفي الخدمة المدنية المنزعجون (المستاؤون) من سيطرتهم، وعلى أتباع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، المتحالف معهم".

تشابك بين المعتقد والسلوك

ومن خلال المقابلات التي أجراها خلال تواجده في اليمن، يكشف الكاتب أن قادة ومقاتلون حوثيون وصفوا أنفسهم بكونهم "ثوار" على شاكلة نموذج "حزب الله في لبنان أو حماس في غزة"، ويقولون إن هدفهم كان تطهير البلاد من القادة الفاسدين الذين يعتبرونهم عملاء للقوى الأجنبية.

ويخلص الكاتب، في هذه الجزئية إلى هذه الحقيقة: "في وصف أهدافهم، يتحدثون بإسهاب عن المعتقدات التي كثيرا ما تتعارض مع سلوكهم".

ويورد المقال تصريحات أخرى لنماذج قابلها من جماعة الحوثي، تعزز حديثهم عن تلك المعتقدات المزورة بخصوص طبيعة أهدافهم من السيطرة بالقوة على الحكم، والتي تشتبك، أو تتعارض كليا، مع سلوكهم العام، الذي ظهر بجلاء خلال فترة سيطرتهم على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى الشمالية.

ومن تلك النماذج يستشهد الكاتب، بما قاله شخص يدعى ماجد علي، والذي ترك جامعة صنعاء لينظم إلى الحوثيين عند سيطرتهم على العاصمة صنعاء، حيث يقول- عن سبب انضمامه لهذه الجماعة: "رأيت أنهم وقفوا مع العدالة والمظلومين". ويضيف: "لم يكن الهدف هو السيطرة، ولكن لمساعدة المظلومين والضعفاء".

انتهازية وبحث عن حصة في الحكم

ويستدرك الكاتب بالقول: لكن أعدائهم في اليمن والمملكة العربية السعودية يصرون على أن الحوثيين هم قوة وكيلة خطيرة تستغلها إيران لتوسيع نفوذها وتحدي النفوذ السعودي.

وبهذا الخصوص، يورد الكاتب ما يراه بعض المحللين والدبلوماسين المتابعين للشأن اليمني، من حيث أنهم يعتقدون أن الحقيقة في هذا الجانب تقع في مكان ما في الوسط. فبينما يعتبرون بشكل عام على أنهم شيعة، إلا أن هناك من يرى أن الزيدية طائفة الحوثيين تختلف كثيرا عن العقيدة الشيعية الرسمية الايرانية، وأن العلاقة التي تربط الحوثيين مع إيران، لم تكن قوية، تاريخيا.

ويضيف: غير أن الكراهية المشتركة تجاه المملكة العربية السعودية جمعتهم سويا في النزاع الحالي، وقدمت إيران للحوثيين الأسلحة والمساعدة التقنية لمهاجمة القوات السعودية على طول الحدود.

ونقل الكاتب تصريحات للمحللة السياسية "أبريل لونجللي"، المهتمة بالشأن اليمني في مجموعة الازمات الدولية، والتي وصفت قدوم الحوثيين من الشمال للاستيلاء على العاصمة بأنه كان "انتهازي". وتضيف: وتتضمن أهدافهم الحصول على حصة حاسمة في صناعة القرار الوطني وفي الجهاز العسكري والأمني ??في اليمن".

وفي حين تعتقد أنه "ما زال من غير الواضح، إلى أي مدى غيرت الحرب من تلك الأهداف"، تساءلت: "والآن بعد أن أصبحوا في العاصمة، السؤال هو كم حجم الحصة التي يعتقدون أنه يمكنهم الحصول عليها بعد هذه التجربة من الحكم".

يحكمون صنعاء.. ولكن..!!

ويقول الكاتب أنه ومن خلال رحلتهم التي استغرقت مدة 10 أيام إلى صنعاء والمحافظات المجاورة، كان من الواضح أن الحوثيين كانوا يحكمون. فسلطاتهم هي التي منحتنا التأشيرات، وهي من قررت ما هي المواقع التي يمكن زيارتها وخصصت لنا حارس للتأكد من أننا ملتزمون بالبرنامج.

ويلاحظ الكاتب أن نقاط تفتيش المستحدثة التي أقامها الحوثيون في الطرقات، كانت المسافة بين النقطة والأخرى تبعد أقل من ميل واحد أحيانا، وأن بعض المقاتلين الشباب المشوشين كافحوا ليقرءوا التصاريح الممنوحة لنا من الحوثي قبل السماح لنا بالمرور. ويقول أيضا أن الإجراءات الأمنية المشددة التي وضعها الحوثيون في العاصمة، على الرغم أنها تبطئ من حركة السير المرورية، إلا أنها وضعت حدا لوقوع تفجيرات إرهابية، وهذا ربما يكون أعظم إنجازاتهم في الحكم.

ويؤكد أنه وفي كثير من الحالات، عيَن الحوثيون موالون لهم كمراقبين في الوزارات، ومنحوا المسلحين الذين لا يمتلكون مؤهلات، سلطة ونفوذ على موظفي الخدمة المدنية الذين يمتلكون خبرة كبيرة.

ويقول أن أحد رجال أعمال في صنعاء- ذكر أن من يذهب الى مركز الشرطة لتقديم شكوى يجد هناك درزينة من الضباط الغير قادرين على اتخاذ إجراءات دون أوامر من رئيسهم الحوثي الجديد.

ويضيف الكاتب: ولزيارة مستشفى الأمومة والطفولة الرئيسي بصنعاء، كان لابد لنا أن نحصل على إذن من المدير الجديد، وهو حوثي يرتدي عباءة وصنادل بلاستيكية وكان المؤهل الوحيد الذي جاء به إلى هذا المنصب هو دبلوم في التمريض.

وقال ممرض يعمل هناك منذ 16 عاما إنه لم يتسلم راتبه منذ شهرين، وتذمر من كون الحوثيين ليس لديهم وسيلة لتمويل إدارتهم.

وأضاف، الممرض، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الاعتقال: "وإذا أردت أن تخرج وتحتج للمطالبة بحقوقك، فمن الممكن أن يأخذونك إلى السجن". وأستدرك "إن هذا يحدث مع كل الميليشيات المسلحة".

وماذا يقول "الصماد"؟

وأنتقل الكاتب للحديث عن المجلس السياسي الأعلى الذي شكل هذا العام، كمحاولة من الحوثي للإشراف رسميا على الحكم. بحسب المقال.

ويقول الكاتب إنه التقى بصالح الصماد، القيادي الحوثي المعين على رأس المجلس السياسي الأعلى، مشيرا: ومع أنه يطلق على هذا المجلس أسم "السلطة العليا في البلاد" إلا أنه اعترف بأن مصادر الدخل الرئيسية للدولة قد خرجت من يدها.

ويلفت الكاتب إلى أن هذا المجلس كان قد تلقى ضربة أخرى في سبتمبر عندما نقل الرئيس هادي البنك المركزي اليمني، المسئول عن دفع رواتب 1.2 مليون موظف، إلى مدينة عدن الجنوبية، حيث توجد حكومته المنافسة.

وكالعادة، يقول الكاتب أن الصماد ألقى باللائمة على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والأمم المتحدة، بشأن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، لكنه قال إن ذلك سيعمل فقط على تقوية إرادة الشعب للقتال.

ويضيف القيادي الحوثي، مهددا: "معظم الشعب اليمني مسلحون، ويعتبرون المملكة العربية السعودية المسؤولة عن إذلالهم". وتابع: "كلما زاد سوء الوضع الاقتصادي، كلما دفع المزيد من الناس نحو المواجهة والجبهات"

ويقول كاتب المقال إن "نهاية اللعبة التي تقوم بها هذه الجماعة تظل غير واضحة، على أية حال"، حتى مع أنها شاركت في محادثات السلام وموافقتها على الهدنة الأخيرة لوقف إطلاق النار، التي انتهت يوم الاثنين، وسط اتهامات من كلا الجانبين بانتهاكها، مع عدم وجود أية أشارة متى يمكن استئناف المحادثات.

ولفت الكاتب إلى أن "الكثير من اليمنيين في جنوب وشرق البلاد يعارضون ما يعتبرونه انقلابا على السلطة من الحوثيين، غير أنه من الصعب قياس عمق التأييد الشعبي لهم في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم".

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر