قمة "بلاد الشام الجديدة".. التحرك نحو المزيد من القوة الإقليمية (تحليل)

[ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني يتوسطهما رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظفي/ الأحد 27 يونيو 2021 ]

 

 شهدت بغداد، يوم 27 يونيو/ حزيران الجاري (2021)، حراكا سياسيا عربيا لم تشهده منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين عام 2003؛ حيث وصل بغداد كلٌّ من: الملك الأردني عبد الله بن الحسين، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتقيا الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وذلك في ثالث جولة رئاسية لرسم آلية التعاون المشترك بين الدول الثلاث، والتي عُقدت أولى لقاءات قممها بالقاهرة في مارس/ آذار 2019، والثانية بالعاصمة الأردنية عمَّان في أغسطس/ آب 2020.
 


[قمة بغداد هي الثالثة بين الدول العربية الثلاث؛ سبقتها القمة الأولى في القاهرة (مارس 2019)، والثانية في عمَّان (أغسطس 2020).. في إطار إرساء مشروع "بلاد الشام الجديدة"] 



الأهمية والتوجهات العامة

مهتمون بالشئون السياسية والاستراتيجية، وصفوا هذا الحدث بالتاريخي؛ لأن زيارة الرئيس السيسي تعد أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى العراق منذ أكثر من ثلاثين سنة؛ حيث كانت آخر زيارة لرئيس مصري، تلك التي قام بها الراحل محمد حسني مبارك في 24 يوليو/ تموز 1990، عقب توارد معلومات استخبارية أفادت بأن العراق يحشد قواته على حدود دولة الكويت على خلفية الأزمة المتصاعدة بين البلدين، والتي انتهت، للأسف، بوقوع الغزو في 2 أغسطس/ آب 1990، وانهيار ما عُرف بمجلس التعاون العربي، الذي أعلن عن قيامه في 16 فبراير/ شباط 1989، وضم كلا من: العراق، ومصر، والأردن، واليمن (الجمهورية العربية اليمنية، آنذاك).
 
كذلك يُعد هذا اللقاء تاريخيا؛ لأن زيارة الملك عبد الله بن الحسين لبغداد، تعد الثانية له بعد زيارته الأولى عام 2008، التي كانت، حينها، أول زيارة لزعيم عربي بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين، ووقوع العراق في قبضة الاحتلال الأميركي البريطاني عام 2003، ثم تعرُّض السفارة الأردنية ببغداد، عام الغزو، لهجوم تخريبي توقف بعده نشاطها، ثم عادت الأردن فعيَّنت سفيرا لها لدى العراق مؤخرا فقط، في يونيو/ حزيران 2021.
 
قبل حوالي عام ونصف، وصف رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، تقارب الدول الثلاث، بأنه يهدف إلى إرساء "مشروع بلاد الشام الجديدة"، الذي سيتيح لرؤوس الأموال والتكنولوجيا التدفق بين هذه الدول على النحو المتبع في الاتحاد الأوروبي، وبحُرية أكبر. وهذا المشروع مقترح من قبل البنك الدولي، ويضم دولا عربية أخرى، إلى جانب تركيا، وهي: سورية، ولبنان، وفلسطين.
 
ومما يعزز هذا التوجه، موافقة الحكومة العراقية، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، على تجديد عقد إمداد الهيئة المصرية العامة للبترول بنحو 12 مليون برميل من النفط الخام الخفيف الناتج عن حقول البصرة لعام 2021. وكذلك بحلول فبراير/ شباط 2020، وقَّعت مصر والعراق 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات: النفط والتجارة والطُّرق والبناء والإسكان.

 

الظروف والتحديات والأبعاد المحيطة

يأتي اجتماع قادة الدول الثلاث، في ظل ما تواجهه من تحديات سياسية، واقتصاية، وعسكرية، وأمنية، ومع ما تمرُّ به الأمة العربية من ضعف إزاء العديد من القضايا القومية الشائكة، علاوة على ما تواجهه دول عربية من أزمات متلاحقة جرّاء تداعيات ما عُرف بـ"ثورات الربيع العربي"، (2011)، ويتجلى ذلك في الحروب الداخلية التي تستعر فيها، وتفكك أنظمتها السياسية، وتمزق وحدة أراضيها، والتدخلات الخارجية (العسكرية والسياسية) في مختلف شئونها وقراراتها، وهذه الدول هي: سورية، وليبيا، واليمن.
 
ومن أبرز التحديات الاستراتيجية المعاصرة، التي تواجه الأمة العربية، الاندفاع المفاجئ للإمارات والبحرين، نحو التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي، دون اكتراث لحقوق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه ومقدساته، وللإطماع الصهيونية التي تتطلع إلى تهويد شمال إفريقيا، وقيام دولة إسرائيل الكبرى، التي تمتد حدودها الوهمية من النيل إلى الفرات.. ومع ما يخلفه هذا الاندفاع من انعكاس سلبي على اتفاقيات السلام المبرمة بين مصر (اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978)، والأردن (اتفاقية وادي عربة 1994) من جهة، وبين الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى.
 
ويوازي ما سبق، ما يثيره برنامج إيران النووي للأغراض العسكرية، من تهديد فوق تقليدي للأمة العربية، ومنها الأردن ومصر. لا سيّما أن الاستراتيجية الأميركية المتبعة تجاه إيران، في عهد إدارة الرئيس الجديد "جو بايدن"، تتعارض مع ما تطرحه دول الخليج..
 
ولا يقف تهديد إيران عند هذا النوع من التهديدات؛ بل وما يثيره توغلها الأيديولوجي في عدد من الدول العربية، عبر وكلائها من المليشيات الشيعية المسلحة، كما في العراق، الذي يحتضن قمة الثلاثة الرؤساء، وفي لبنان وسورية واليمن. وكذلك سعيها (أي إيران) لبعث مثل هذا الوضع في دول عربية أخرى، مثل: مصر، والأردن، ودول المغرب العربي، واستغلالها التوترات والصراعات السياسية لتمكين هذه الأقليات من السلطة.

   


[تأتي أهمية هذا التقارب الثلاثي في ظل تحديات أمنية وسياسية وأقتصادية أقليمية عديدة، أهمها: إندفاع دول خليجية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتهديدات البرنامج النووي الإيراني، وما يثيره توغل طهران في عدد من الدول العربية]



نستحضر، هنا، ما قاله الملك عبد الله بن الحسين، عام 2004، بشأن ما وصفه بـ"الهلال الشيعي"، الذي يتهدد أمن الأردن، وتغذية إيران للصراعات السُّنية - الشِّيعية في المنطقة العربية. على أن الأردن لا يزال في وضع أفضل بكثير من غيره من الدول العربية التي تواجه هذا التهديد، وإلى حد ما بالنسبة إلى مصر. وإن كانت أعمال العنف التي أودت بحياة قيادي شيعي مصري، يُدعى حسن شحاته، ومعه ثلاثة من أقاربه، في القاهرة عام 2013؛ لتؤكد الدور الناعم لإيران، ومرجعياتها الشيعية، في رعاية بذور التشيع في مصر، على الرغم من أن مصر لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية رسمية مع إيران منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979، وذلك على خلفية تداعيات اتفاقية "كامب ديفيد"، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، واغتيال الرئيس السادات عام 1981.

 

المكاسب الاستراتيجية المتوقعة من القمة

بالنظر إلى تداعيات سد النهضة الإثيوبي على الأمن المائي لمصر والسودان، وما يمكن أن يتعرض له أمن جنوبي البحر الأحمر حال نشوب حرب واسعة النطاق بين مصر وإثيوبيا، وإلى جانب كل منهما دول أخرى؛ فإن وضع مصر ضمن تحالف ثلاثي يمتد على جغرافيا ثلاث دول، مركزية التأثير ومترابطة الأرض، من الخليج العربي إلى البحر المتوسط؛ يجعلها في وضع أكثر قوة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق باحتياجاتها النفطية خلال أي حرب محتملة مستقبلا، وفي الوقت الحاضر كذلك.
 
لعل ما يمكن الاستدلال به، في هذا المقام، احتياج مصر للنفط في الحرب العربية أمام الكيان الإسرائيلي عام 1973؛ حيث لجأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى شاه إيران لتغطية حاجته من النفط، والذي وجَّه بتحويل مسار ناقلات نفطية إيرانية باتجاه مصر، بينما كانت في طريقها إلى أوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط، وفقا لما ورد في أحد خطابات الراحل السادات، بعد توقف الحرب.

  
 

[وضع مصر ضمن تحالف ثلاثي، يمتد على جغرافيا ثلاث دول، مركزية التأثير ومترابطة الأرض، من الخليج العربي إلى البحر المتوسط؛ يجعلها في وضع أكثر قوة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، في ظل ما قد تفرضه مشكلة سد النهضة مع أثيوبيا من تداعيات قد تصل إلى المواجهة العسكرية]
 



قد يكون للعراق رؤية مشابهة، ومستفادة من تجربته خلال الحرب مع إيران (1980- 1988)، في ما عرف بـ"حرب الناقلات"؛ حيث يتطلع العراق، حاليا، إلى إنشاء خط أنابيب للتصدير اليومي للنفط الخام، لما مقداره مليون برميل، ابتداء من مدينة البصرة وانتهاء بميناء العقبة الأردني، شمال شرقي البحر الأحمر، للهروب من أي تهديدات قد تطال مضيقي هرمز وباب المندب، وما يحقق، في الوقت ذاته، مكاسب اقتصادية كبيرة للدول الثلاث، في الظروف العادية وغيرها، لا سيَّما وأن الإنتاج اليومي للعراق من النفط الخام لعام2021، يبلغ نحو3.6  مليون برميل. 

يُتوقع من هذه القمة، الدفع باتفاقيات سابقة، وُقِّعت بين مصر والعراق، إلى حيز التنفيذ الفعلي. وهذه الاتفاقيات تشمل: مجالات الطاقة، والربط الكهربائي، والتبادل والتعاون الاقتصادي والتجاري، وما يرافق ذلك من تخفيف لقيود التنقل والعمل أمام العمالة المصرية التي تضررت، على مدى عام ونصف، من تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19)؛ حيث تؤمِّل مصر أن تتمتع عمالتها في العراق بوضع أفضل مما كانت عليه خلال فترة حكم الرئيس صدام حسين، والتي مثلت فرصة ذهبية يتطلع المصريون لإعادتها، نظرا إلى ما لعبته من دور نهضوي في حياتهم المعيشية، وعلى مستوى الدولة المصرية. 

إلى ذلك، ستحظى مواجهة الإرهاب باهتمام خاص من قبل الدول الثلاث، بما يعزز الاستقرار فيها، وبوصف الإرهاب أحد أبرز الشواغل الأمنية، إقليميا ودوليا، وأبرز قضايا الأمن القومي للولايات المتحدة، التي تقدِّر، بسخاء، من يشاركها أعباء مواجهة ذلك، ولديها تفاهمات مختلفة بهذا الشأن مع الدول الثلاث. 

يشكِّل تقارب الدول الثلاث ضغطا جديدا على إيران، التي تفاوض بشأن برنامجها النووي مع أطراف الاتفاق المعني بذلك، الموقع عام 2015، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي لا تزال تحتفظ بوجود عسكري في العراق قوامه ثلاثة آلاف جندي، يتمركزون في قاعدة "حرير" بمحافظة أربيل في إقليم كردستان، وقاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غربي البلاد؛ مع ما يترتب عليه تقارب العراق مع مصر والأردن، من إضعاف تدريجي للهيمنة الإيرانية، التي عزلته عن محيطه العربي لأكثر من عقدين.
 


 
[يتطلع العراق إلى إنشاء خط أنابيب لتصدير النفط عبر ميناء العقبة الأردني؛ لتفادي أي تهديدات قد تطال مضيقي هرمز وباب المندب؛ الأمر الذي سيحقق أيضا مكاسب اقتصادية كبيرة للدول الثلاث]

وبدوران عجلة التعاون الثلاثي، قد يشهد العراق استقرارا كبيرا، ينعكس إيجابيا على الأردن، الذي تحمَّل أعباء كثيرة وثقيلة عن العراق، نتيجة للاضطرابات التي شهدها بعد اجتياحه الكويت عام 1990؛ وما تبع ذلك من تحولات عنيفة أغرقت البلاد في الحرب والإر هاب، وقذفت إلى الأردن بنحو مليون عراقي. وقد يضاعف هذا الاستقرار فرص الأردن الاستثمارية، الناشئة عن انتظام حركة التجارة وتدفقاتها عبر ميناء العقبة، والأراضي الأردنية، وتدفق المسافرين والبضائع إلى العراق عبر المنافذ الأردنية الأخرى، الجوية والبرية.
 

كذلك، يتيح التقارب، الذي يندفع إليه العراق بقوة نحو الأردن، تجاوز أزمة الثقة، التي ظلت نحو عقدين حاجزا قويا بينهما، لا سيَّما في قضايا التعاون الاستراتيجي، وإن كان هنالك ما يشير إلى تجاوز ذلك في عدد من القضايا الاقتصادية والتجارية، بعد خفوت نبرة التخوف الأردنية من قضية "الهلال الشيعي"، الذي يمثل العراق الجزء الأكبر من محيطه، وسبق أن أثاره، علنا، الملك الأردني عبد الله بن الحسين.
 

 في كل الأحوال، لا تزال الثمار المرتقبة من قمة بغداد الثلاثية، أو قمة "بلاد الشام الجديدة"، محاطة بعدة تحديات، تتعلق أبرزها بقدرة الحكومة العراقية على إحداث نقلة نوعية في القضايا الداخلية الأساسية، خصوصا: الأمن، وضمان الحقوق والحريات للطيف المجتمعي العراقي، قوميا، وعقديا، وسياسيا. 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر