«ACLED» يستعرض كيف أدى نشاط الإمارات والسعودية في سقطرى والمهرة إلى تدهور البيئة الأمنية؟ (ترجمة خاصة)

[ جزيرة سقطرى ]

يواصل مشروع جمع وتحلل بيانات الصراعات المسلحة والحدث الأمريكي «ACLED»، استعراض حالة التشظي التي تشهدها المحافظات اليمنية الجنوبية، منذ بداية اندلاع الحرب، ويركز هذه المرة على محافظتي "سقطرى" و "المهرة" واللتان تشهدان حالة من الصراع على النفوذ بين قطبي التحالف العربي في اليمن (السعودية والإمارات).
 
ووفقا للتحليل المطول المدعوم بالإنفوجرافيك - والذي ترجمة "يمن شباب نت" - يشير إلى أن الغالبية العظمى من أحداث النزاع والاحتجاجات في كل من سقطرى والمهرة مرتبطة مباشرة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث أدى النشاط الأجنبي المكثف في هاتين المحافظتين إلى تدهور البيئة الأمنية.
 
وسبق لمشروع «ACLED» أن استعرض أيضاً حالة التفكك في محافظتي "حضرموت" و "المهرة" في الحلقة الأولى من سلسلة التحليل المكونة من ثلاث حلقات، وترجم نصها "يمن شباب نت"،



نص "الحلقة الثانية" من تحليل «ACLED» الذي ترجمة "يمن شباب نت"

في اليمن، ساهم ما يقرب من خمس سنوات من الصراع في إحداث تفتيت شديد للسلطة المركزية، وكثيرا ما تآكلت الأنظمة السياسية المحلية. حيث نشأت تركيبات سلطوية محلية، إلى جانب عدد كبير من أشباه الدول والميليشيات، وذلك بناءً على طلب من نخب المحلية ورعاة الدوليين.
 
ووفقًا لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، على الرغم من اختفاء السلطة المركزية، فإن "اليمن كدولة، لم يعد موجودًا"، حيث تم استبداله بدويلات شتى تقاتل بعضها البعض.
 
وهذا هو التقرير الثاني، ضمن سلسلة تحليل من ثلاثة أجزاء تستكشف تجزئة سلطة الدولة في جنوب اليمن، حيث أنشأت هيئة انفصالية - المجلس الانتقالي الجنوبي - نفسها، بلا منازع، معتبرا نفسه "الممثل الشرعي" لشعب الجنوب.
 
ومنذ تأسيسه في عام 2017، تطور الانتقالي الجنوبي ليصبح كيان يشبه الدولة، مع وجود هيئة تنفيذية (مجلس القيادة)، وهيئة تشريعية (الجمعية الوطنية الجنوبية) وقوات مسلحة، على الرغم من أن الأخيرة لازالت تحت هيكل القيادة الظاهري لوزارة الداخلية في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دوليا.
 
وبهدف الغوص بعمق في ديناميكيات الصراع في سبع محافظات جنوبية، تحاول هذه التقارير إلى تسليط الضوء على كيف أن جنوب اليمن ليس سوى وحدة متجانسة، تعكس الولاءات المنقسمة وتطلعات المجتمعات السياسية.
 
ويركز هذا التقرير الثاني على جزيرة سقطرى المطلة على البحر العربي، بالإضافة للمهرة في أقصى شرق البلاد، حيث كانت تشكل في السابق، سلطنة المهرة في الغيظة وسقطرى، ولاتزال المنطقة تحتل مكانة خاصة في الديناميكيات اليمنية، من منطلق أنهما المحافظتان الوحيدتان اللتان لم تتأثرا بشكل مباشر من عنف النزاع الحالي. 
 
ومع ذلك، فقد تأثرت بالتوترات المرتبطة بالنزاع، والتي هي في المقام الأول نتيجة لسياسات التدخل من الدول المتحالفة التي تقودها السعودية، مما خلخل الأنظمة القبلية السلمية فيها.
 
وبعكس بقية اليمن، الذي تأثر بشكل مباشر بالعنف من محاولات الاستيلاء الحوثية، وما تبع ذلك من تدخل التحالف الذي تقوده السعودية، فقد ظلت هاتان المحافظتان المعزولتان بعيدتان عن الخطوط الأمامية للقتال منذ عام 2014. ومع ذلك وفي بعض الأحيان، تصدرت المحافظتان عناوين الصحف الدولية نتيجة للتدخل الأجنبي وردود الافعال المحلية اللاحقة.
 
ففي أول تقرير دولي من سقطرى بعد الحرب، زعمت صحيفة الاندنبندنت البريطانية في مايو 2018 بأن "سقطرى تم جرها أخيراً إلى الحرب الأهلية في اليمن"، عقب أسبوع من إعلانها أن الإمارات العربية المتحدة قد ضمت هذه القطعة من اليمن لتصبح تحت سيادتها.
 
البيانات التي جمعها مشروع جمع وتحليل بيانات الصراعات المسلحة والحدث الأمريكي «ACLED»، تشير إلى أن الغالبية العظمى من أحداث النزاع والاحتجاجات في كل من سقطرى والمهرة مرتبطة مباشرة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث أدى النشاط الأجنبي المكثف في هاتين المحافظتين إلى تدهور البيئة الأمنية.
 
 سقطرى
 
إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تتمتع بصلات منذ قرون مع سقطرى، فقد زادت من تواجدها في الجزيرة بشكل كبير في نوفمبر 2015، وذلك عندما قدمت مساعدات إغاثية عبر الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة بعد تعرض الجزيرة لإعصارين في أسبوع واحد.
 
ومنذ ذلك الحين، استمر الوجود الإماراتي بالتزايد هناك، محاولاً اكتساب شعبية في أوساط السكان المحليين عبر مزيج من القوة والقوة الناعمة، وهو ما شمل إنشاء قاعدة عسكرية تزامن مع بناء للمدارس والطرق والمستشفيات الجديدة.  ويذكر البعض أن وجود الاماراتيين "أصبح جزءًا من الحياة اليومية" في الجزيرة. 
 
وعلى الرغم من أن البيانات التي جمعها «ACLED» سجلت حدوث الاحتجاج الأول الذي ندد بالوجود الإماراتي في الجزيرة في أكتوبر 2017، فقد بدأت التساؤلات حول الدوافع الأوسع لإمارة أبو ظبي في الظهور في أواخر عام 2016، مع حديث بعض اليمنيين عن "احتلال" أجنبي لسقطرى. وفي 9 أبريل 2018، تم تسجيل احتجاج ثانٍ، هتف فيه المحتجون ضد " احتلال القوات الإماراتية " وطالبوا برحيلها من الجزيرة.
 
يوضح الشكل (1) أدناه أن هذا الحدث ينبئ بحدوث أسوأ أزمة دبلوماسية بين حكومة الرئيس هادي والإمارات المعترف بها دولياً. ففي 2 مايو 2018، وصل أكثر من مائة من القوات الإماراتية إلى سقطرى، وسيطروا على البحر والمطارات، كما نُشرت الدبابات وغيرها من العربات المدرعة، بينما كان رئيس وزراء اليمن آنذاك أحمد بن دغر يقوم بزيارة نادرة للجزيرة.
 
وعقب اتهام أبو ظبي باحتلال سقطرى باعتباره "عمل عدواني"، مُنع بن داغر وعشرة من وزرائه من مغادرة الجزيرة من قبل القوات الإماراتية التي تسيطر على المطار.
 
وكما هو مبين في الشكل (1)، أشعل هذا الحادث أكبر موجة من الاحتجاجات التي سجلها «ACLED» في الجزيرة خلال الفترة من يناير 2016 إلى مايو 2019، حيث هتف المتظاهرون برحيل الإمارات من سقطرى ورفضاً للوجود الإماراتي المستمر في الجزيرة. وقد منعت المملكة العربية السعودية تصعيد الأزمة، حيث نشرت قواتها في 13 مايو.
 
احتلال أبو ظبي

وبعد بضعة أيام، ظهرت تقارير عن مغادرة القوات الإماراتية سقطرى عقب اتفاق توسط فيه المبعوثون السعوديون.  وكما هو موضح في الشكل (1)، انخفض النشاط الاحتجاجي فيما بعد ولم يسجل «ACLED» أي احتجاج آخر ضد الإمارات، حتى مارس 2019.
 
ومع ذلك، بقيت القوات الإماراتية في الجزيرة، وإن جرى ذلك بصورة أكثر تكتمًا، إذ تجنبت استعراضات القوة المماثلة لما جرى سابقاً.
 
وتقع جزيرة سقطرى على بعد 240 كيلومتراً شرق القرن الإفريقي، و380 كيلومتراً جنوب اليمن. وتقع في ممر استراتيجي لطرق الملاحة التجارية الدولية، الواقعة في مركز خطة أبو ظبي التوسعية كي تصبح قوة بحرية رئيسية في اليمن والقرن الافريقي.

وفيما بدا موائمة اماراتية بين المصالح الاقتصادية والعسكرية لها، على سبيل المثال، فقد برزت تقارير في أبريل 2019، تحدثت عن إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية بجوار ميناء حولف مباشرة، والذي تم إعادة بنائه من قبل أبو ظبي في مارس 2018 عبر مؤسسة خليفة الاماراتية.  ويمكن رؤية البنية التحتية الرئيسية للجزيرة في الشكل (2) أدناه.
 
وفي أوائل مايو 2019، أكد محافظ سقطرى السابق، وعضو المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم اماراتياً، اللواء سالم القسطري، استقبال الجزيرة أكثر من 100 من السكان المحليين الذين تم تدريبهم في عدن من قبل القوات الإماراتية.
 
وزعمت تقارير أن هؤلاء المقاتلين المدربين حديثًا وصلوا على متن سفينة حربية إماراتية كجزء من قوات الحزام الأمني، أحد الأجنحة المسلحة التابعة للانتقالي الجنوبي، بينما لا يزال حوالي 200 شخص آخر لايزالون يتلقون تدريبات. 
 
ومن المثير للاهتمام، أن هذا التطور، الذي أدانته حكومة هادي رسميًا، حدث بعد أقل من عشرة أيام من إعلان محافظ سقطرى الحالي، رمزي محروس عن أنه لن يسمح بإنشاء قوات مماثلة الحزام الأمني ??فوق الجزيرة.
 
وإذا لم تتصاعد هذه الحلقة الجديدة من التوترات بعد، فإنه لابد من مراقبة التطورات في سقطرى باهتمام، مع استمرار الحضور الإماراتي في الجزيرة، ورغبة الامارات المزعومة في تحويلها إلى "منتجع لقضاء العطلات العسكرية" مما أحدث بالفعل خلخلة لنسيج الجزيرة الاجتماعي، ويمكن أن يخلق انقسامات دائمة يمكن أن تتحول إلى عنف سياسي مستقبلاً على المدى البعيد.
 
المهرة
 
يبدو أن هنالك مزيجًا من كل من التدخل الإماراتي والسعودي في محافظة المهرة التي كانت تقليدياً ضمن نطاق نفوذ سلطنة عمان، بات يقلق بشكل متزايد الحكم القبلي القائم على الإجماع والذي حافظ تاريخيًا على أمن المنطقة.
 
وفي البيانات التي جمعها «ACLED» منذ يناير 2016، تم تسجيل أربعة أحداث للصراع والاحتجاج فقط في كل من عامي 2016 و2017، في حين تم تسجيل 37 حادثًا بين يناير 2018 وأيار 2019 تدخل فيها التحالف بقيادة السعودية داخل المحافظة.  ويوضح الشكل (3) أدناه أحداث الاحتجاج في المهرة بين يناير 2016 ومايو 2019.
 
ومع ذلك.. تنخرط كلا من الرياض وابوظبي في المهرة لأسباب مختلفة.  فبالنسبة لأبو ظبي، من المحتمل أن تمثل المهرة آخر محافظة لم تصبح بعد جزءًا من جنوب اليمن الموحد تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.
 
وعلى الرغم من أن ذلك الكيان الانفصالي افتتح مقرًا له في المهرة، أواخر عام 2017، إلا أنه واجه مقاومة أقوى مما كانت عليه في المحافظات الجنوبية الأخرى، وذلك عندما حاول إنشاء قوات أمن محلية خاصة به.
 
وبرغم ذلك، وفي أوائل عام 2019، ظهرت تقارير تفيد بأن قوة مكونة من 4000 مهرياً تلقوا تدريباً من قبل القوات الإماراتية في حضرموت، وأسسوا مقرات لهم في كل من الغيضة ومنطقة حوف المجاورة، على الرغم من أنهم غادروا سريعًا عقب احتجاجات قبلية محلية.
نجاح عمل أبو ظبي في المهرة لازال غير واضح، حيث واعتبارًا من أواخر مايو 2019، لم يسجل «ACLED» أي نشاط لقوات النخبة المهرية.
 
بالنسبة للرياض، يعتبر التدخل في الديناميكيات المحلية في المهرة ضرورة وجودية، حيث أصبحت المحافظة مركزًا للتهريب يسمح بمرور الأسلحة الإيرانية التي تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي السعودي.
 
في نوفمبر 2017، قام فريق من خبراء الأمم المتحدة بتقييم يقول بأن الصواريخ البالستية التي أطلقها الحوثيون على المملكة العربية السعودية، على الأرجح، انها دخلت اليمن عبر امتداد "الطرق البرية من عمان أو الغيظة ونشطون في محافظة المهرة"، وقد دفع ذلك الرياض إلى نشر عدد كبير من القوات والعتاد العسكري في نقاط الدخول الرئيسية للمحافظة في عدة مناسبات، مما يمثل تعدياً على النفوذ العماني في المنطقة بينما تتم محاولة استهداف مجموعات التهريب.
 
ويوضح الشكل (4) أدناه المناطق المختلفة التي سجل فيها «ACLED» انتشار القوات السعودية.  وفي يوليو 2018، أدت إحدى عمليات نشر القوات السعودية تلك إلى اندلاع أزمة تشبه سقطرى، أدت خلالها الاحتجاجات التي دامت أسبوعًا ضد سيطرة القوات السعودية على مطار الغيظة إلى انسحابها بعد اتفاق مع السلطات المحلية هناك.
 
ومثل حالة الإمارات العربية المتحدة في سقطرى، حصلت المملكة العربية السعودية على دعم شعبي في أوساط بعض السكان المحليين، من خلال تقديم المساعدات عبر مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية والهيئة السعودية للتنمية وإعادة الإعمار، وكذا محاولة فرض قيود على شبكات التهريب.
 
خلخلة النسيج الاجتماعي

ومع ذلك، فقد اتُهمت المملكة في الوقت نفسه بخلخلة النسيج الاجتماعي المحلي، على سبيل المثال عبر رعاية وصول المئات من السلفيين بقيادة الشيخ الهاجري لبناء مدرسة سلفية في مدينة قشن الساحلية، في الوقت الذي تعتبر فيه المهرة منطقة صوفية تقليدية.
 
ويحتدم الخلاف أيضًا حول خطة سعودية مزعومة لبناء خط أنابيب يربط حقول النفط في شرق المملكة العربية السعودية بمحطة نفط جديدة في المهرة، مما سيسمح للمملكة بتصدير نفطها عبر بحر العرب متجاوزةً مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران.
 
لكنه، واعتبارًا من مايو 2019، يبدو أن التدخل الإماراتي والسعودي لم ينجم عنه عنف سياسي منتظم.  ومع ذلك، يوضح الشكل (5) أدناه أن أحداث الصراع تتزايد فيما يبدو، وسط بيئة أمنية متدهورة.
 
وفي حادثة نادرة بشكل استثنائي، استُهدف محافظ المهرة راجيح باكريت بمحاولة اغتيال. وخوفًا من أن يؤدي ذلك إلى اندلاع حلقة من العنف في المحافظة، قام السكان المحليون بعد فترة وجيزة من الاحتجاج بالمطالبة باستقالته.
 
وفي مايو 2019، سجل «ACLED» (مشروع جمع وتحليل بيانات الصراعات المسلحة والحدث)، الامريكي أول نشاط للحوثيين على الإطلاق في المحافظة، مع اسقاط أنظمة الدفاع الجوي السعودية طائرة استطلاع بدون طيار تحكم بها الحوثيون فوق الغيظة.
 
وعلى الرغم من أن منظور النشاط الحوثي المستمر في المهرة يعتبر ضرباً من الخيال، إلا أن هذا الحادث يشهد على أن الحشد العسكري للتحالف بقيادة السعودية يؤثر بشكل خطير على الوضع الأمني.
 
ونظرًا لأن تطور الانخراط الإماراتي والسعودي في المهرة غير مؤكد - فبإمكانهما استغلال الخلافات داخل المؤسسة العسكرية في المحافظة، تماما ًمثلما حدث في حضرموت - حيث من المرجح أن يكون موقف عمان محددًا. 
 
وفي حين أن استقرار المهرة له أهمية قصوى بالنسبة إلى مسقط، حيث يلعب دور المنطقة العازلة بين السلطنة والصراع الحوثي، فإنها على الأرجح ستحاول العمل كوسيط بين المصالح الإقليمية والمحلية المختلفة التي يتم تشكيلها حاليًا في المحافظة، على الرغم من حديث تقارير عن قيامها بتمويل الاحتجاجات ضد وجود التحالف الذي تقوده السعودية.
 
الحدث الذي لا يزال من غير المحتمل أن تعرقله أبو ظبي والرياض كثيراً، ويتعلق بمصالح مسقط الخاصة، هو أنه ومع ذلك، يمكن لجار اليمن الشرقي (سلطنة عُمان) أن يقرّر أيضًا تبني نهجاً أكثر عدوانية في تعامله مع المهرة.
 
وفي هذا السياق، يشار إلى أن الشيخ عبد الله بن عيسى العفرار، نجل السلطان السابق ورئيس المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، وهي هيئة تسعى إلى الحكم الذاتي للمحافظتين، منحته مسقط الجنسية العمانية في يوليو 2017.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر