أدوار متوقعة للسواحل اليمنية لمواجهة التحكمات الإيرانية في مضيق هرمز (تحليل خاص)

[ صورة ملتقطة من خرائط جوجل على الإنترنت ]

باتت منطقة الخليج العربي، وامتدادها البحري جنوبا وغربا، حتى قناة السويس، مرورا بمضيق باب المندب، البؤرة الأوسع للتجاذبات الدولية، التي تزداد استقطابا، كلما أطلق الإيرانيون تهديداتهم بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة البحرية، لحرمان دول الخليج العربية من تصدير نفطها، والتأثير في موقف القوى الدولية الكبرى من برنامجهم النووي، ومطامعهم التوسعية في هذه المناطق.
 
تدابير مبكرة لتقليل الأثر

منذ أمد بعيد، حاولت بعض دول الخليج، التقليل من أثر التحكمات الإيرانية في هذا المضيق، باللجوء إلى تقنية نقل النفط بواسطة الأنابيب العابرة للحدود الوطنية الدول، للوصول به إلى مصبات آمنة، كما هو الحال في البحرين، الأحمر والمتوسط، دون المرور بمضيق هرمز. كما تمكنت المملكة السعودية، بفعل ما تتمتع به من قيم جيوبوليتيكية، مثل حدودها الممتدة من شواطئ الخليج شرقا، حتى شواطي البحر الأحمر غربا، من اتخاذ موانئ في سواحلها الغربية، مصبات نفطية تصدر من خلالها شحنات النفط المنقولة من بعض حقول المنطقة الشرقية، بواسطة الأنابيب إياها، إلى هذه الموانئ، ومنها إلى دول أوروبا المتوسطية والأطلسية، وبعض الدول العربية.
 
رغم اللجوء إلى هذه التدابير، إلا أن التهديدات الإيرانية لا تزال مقلقة لأمن الطاقة، والأمن البحري في المنطقة، بل والأمن الإقليمي بوجه عام؛ ذلك أن إيران إذا ما قررت إغلاق المضيق، فإنه سيكون آخر الخيارات المتاحة أمامها، وعندئذ لن تعبأ بأي بتداعيات عليها وعلى شركائها الدوليين، الذين تمدهم بالنفط من حقولها وموانئها الواقع معظمها إلى الداخل من المضيق.
 
بين المخاوف من هذه التهديدات، والإخفاق في كبحها أو احتواء تداعياتها، ستظل دول الخليج العربية في وضع أزموي يتحكم فيه الطرف الإيراني، والحلفاء الغربيون لدول الخليج، الذين عادة ما تطغى مصالحهم الخاصة على مصالح سواهم ، وليس أدل على ذلك من الاتفاق النووي مع إيران، الذي ضرب مصالح حلفائهم الخليجيين عرض الحائط، ثم العودة، مرة أخرى، للتلاعب بهذه الورقة من قبل الولايات المتحدة، التي أعلنت الانسحاب من هذا الاتفاق في مايو/ آيار 2018، ما شكل، في حد ذاته، مبررا مقبولا لإطلاق الإيرانيين تهديداتهم بإغلاق المضيق، بعد سعي الولايات المتحدة إلى تقليص صادراتهم النفطية، في إطار الآثار المترتبة على الانسحاب من الاتفاق.
 
المهرة: أفكار قريبة من "سوميد"

في سياق البحث عن البدائل، ربما تعززت قناعة بعض الأطراف الإقليمية بأهمية السواحل اليمنية الواقعة على بحر العرب وخليج عدن، إبتداء من محافظة المهرة، الواقعة على الحدود مع السعودية وعمان، وحتى مضيق باب المندب، لا سيما بعد أن باتت محررة من سيطرة الحوثيين المواليين لإيران، واضطلاع التحالف العربي، الذي تقوده السعودية والإمارات، بالإشراف المباشر وغير المباشر عليها، وما تتيحه السيطرة الشكلية عليها من قبل أجهزة السلطة الشرعية اليمنية، التي يمثلها الرئيس عبدربه هادي.
 
 
الحقيقة أن هذه السواحل تبدو مغرية لاستنساخ تجربة "خط أنابيب سوميد"، الذي يمتد عبر الأراضي المصرية، انطلاقا من ميناء العين السخنة، بالضفة الغربية لخليج السويس، حتى ميناء سيدي كِرِير، غربي مدينة الإسكندرية، على البحر المتوسط، الذي يبلغ طوله 320كم. وهو مشروع استثماري نفطي، تبلغ حصة مصر فيه 50%، فيما تبلغ حصة كل من: السعودية، والإمارات، والكويت 15% كلا على حدة، أما الخمسة بالمائة المتبقية، فحصة دولة قطر. وقد أنشئ هذا المشروع، عام 1974، ليمثل حلا استراتيجيا لنقل النفط الخليجي، بدلا عن قناة السويس، التي كانت مغلقة آنذاك، على خلفية حرب يونيو/ حزيران 1967، ولتفادي مثل ذلك مستقبلا، وهو ما تم بالفعل، فقد لعب هذا المشروع دورا كبيرا خلال ظروف أمنية سيئة، مر بها الخليج العربي وخليج عدن.
 
مِثلُ هذا المشروع يمكن أن يقام على سواحل محافظتي المَهرة أو حضرموت اليمنيتين، ليؤدي ذات الدور، الذي يقوم به سوميد، ولن يكون ذلك مهربا من التهديدات الإيرانية فحسب، بل وضمانا من أي تداعيات يمكن أن يحدثها أي صدام مسلح، مستقبلا، مع الكيان الصهيوني في البحر الأحمر. وهنا تبدو الفرصة متاحة أمام السعودية أكثر من الإمارات، الشريك الثاني في التحالف، مع وجود بعض العقبات، التي يمكن تخطيها.
 
المشروع والعقبات المتوقعة

فكرة مد أنابيب النفط السعودي إلى بحر العرب أو خليج عدن، ليست جديدة، فقد أثيرت خلال العقدين الأخيرين من حكم الرئيس السابق، علي عبدالله صالح (1978-2012)، إلا أن المحاولات السعودية باءت بالفشل، وذلك ما يفسر الاهتمام الكبير، الذي تبديه السعودية تجاه محافظة المهرة، وتمركز قواتها العسكرية في موانئها البحرية والجوية والمعابر البرية مع عمان، وتصرفها فيها كما لو أنها جزء من أراضيها. وهو، كذلك، اهتمام ملفت، تجاوز ما تبديه من منافسة هادئة لشريكتها في التحالف (الإمارات)، في بقية المحافظات الجنوبية، مثل: حضرموت، وعدن، وشبوة، وبصرف النظر عن الترتيبات الشكلية لهذه القوات، بعد احتجاجات سكان المهرة على وجودها، وممارستها أعمالا سيادية.
 
هذا المشروع، وإن بدا ممكنا، الآن، للسعودية، إلا أنه لا يزال محاطا ببعض المعوقات. فالحرب لا تزال قائمة، ولم يتمكن التحالف من استعادة عاصمة الدولة اليمنية، ومينائها الثاني(الحديّدة) الواقع على البحر الأحمر؛ وبالتالي فإن إثارة هذا الأمر، سيُعدّ استباقا مبكرا لجني ثمار تدخل لم يحقق أهدافه المعلنة بعد، كما قد يخلق ذلك انطباعا سلبيا لدى قيادة السلطة الشرعية واليمنيين عموما، بأن السعودية بدأت بكشف مطامعها على نحو مماثل للإمارات، التي اتخذت خطوات عملية للسيطرة على جزيرة سقطرى، دون وجود مبرر لذلك؛ حيث لا أثر للحوثين فيها، ولم تشهد أي تمرد على السلطة الشرعية.
 
إلى ذلك، قد يستغل هذا التوجه من قبل الحوثيين، في تأجيج الشارع اليمني، بذريعة انتهاك السيادة، وقد يكون ذلك قابلا للتصديق، لا سيما أن السلطة الشرعية واقعة في ظرف لا تستطيع معه فرض شروطها، وفقا للدستور والقانون، مع عجزها عن الإسهام المادي الحقيقي في هذا المشروع، لكن ذلك قد يصبح ممكنا، في إطار ما تبديه قوى جنوبية (انفصالية) منافسة للسلطة الشرعية، من رغبة في الانقضاض عليها، ولو كان ثمن ذلك الثوابت الوطنية، غير أن الأمر مرهون بمباركة إماراتية، بوصفها المحرك الأكبر لهذه القوى، وقد يزداد الوضع تعقيدا إذا ما كان هدف هذا المشروع، نقل النفط السعودي من حقل الشيبة، الواقع ضمن المناطق المتنازع عليها بين السعودية والإمارات؛ حيث يقع هذا الحقل على بعد 10كم من حدود إمارة أبوظبي، ويبلغ إنتاجه اليومي أكثر من مليون برميل.
 
في ذات السياق، لا يمكن تجاوز ما يثيره الأمر من حساسية لسلطنة عمان، وإن كان ذلك شأنا يمنيا صرفا، إلا أن مبعث هذه الحساسية، حالة الهشاشة، التي تعانيها السلطة الشرعية اليمنية، فلربما انطوى هذا المشروع على وجود عسكري سعودي أو إماراتي، على حدودها الجنوبية الغربية مع اليمن، وما قد يخلقه ذلك من تداعيات تمس أمنها القومي مستقبلا، في ظل مواقفها المستقلة عن هاتين الدولتين، في كثير من القضايا، أبرزها: حصارهما المفروض على قطر، والملف النووي الإيراني، والحرب اليمنية الراهنة.


*كاتب يمني، ومحلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية

 
حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت" ©2018  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر