قرية بمحافظة لحج معظم سكانها مصابون بـ "العمى" يكافحون للحصول على شهادات جامعية

 رغم تخرجه من الثانوية العامة في العام 2010؛ إلا أن قرار مواصلة التعليم الجامعي لم يكن بالأمر السهل بالنسبة للشاب الكفيف "صالح عبد الله القزعلي". إذ كان من الصعب لشاب مثله، من ذوي الاحتياجات الخاصة، أن يترك مسقط رأسه في الريف والانتقال إلى مدينة أخرى لتلقي الدراسة الجامعية بعيدا عن أهله وأسرته، وكل من يعتمد عليهم في ضبط تحركاته..!!
 
 إلى الشرق من مديرية "تُبَنْ" بمحافظة لحج- جنوب اليمن- ترزح قرية "بير الكدمة" التي تشتهر بإصابة معظم سكانها بـ "العمى"- (فقدان البصر). وتقول رئيسة "جمعية المكفوفين" بالمحافظة "إقبال قشاش" لـ "يمن شباب نت" أن تأسيس الجمعية جاء على خلفية إصابة كامل أبناء هذه القرية بـ "العمى"، بهدف مساعدتهم على التعلم ودمجهم في المجتمع.
 
  ينحدر "القزعلي" من هذه القرية الكفيفة، ومعه 14 فردا من أسرته مصابون بـ "العمى" أيضا. ورغم مرارة فقدان نعمة البصر؛ إلا أن ذلك، بالنسبة لهذا الشاب الكفيف، لم يكن يعني أبدا الرضوخ والاستسلام وفقدان كل شيء.
 
  لذلك لم يفقد "القزعلي" أمله في مواصلة الحياة وتحقيق أحلامه. فالشاب الذي فقد بصره منذ الطفولة تمكن من الاستعاضة عنه ببصيرته الداخلية الثاقبة، ليستغني عن رؤية عينيه المفقودة برؤية قلبه وجوارحه. وبإرادته الصلبة تلك تمكن؛ ليس فقط من تحقيق طموحاته التعليمية؛ بل ليلعب أيضا دورا كبيرا في خدمة أقرانه من خلال نجاحه في تأسيس "جمعية المكفوفين" في محافظة لحج.
 
 ففي وقت مبكر من حياته، ناضل "القزعلي" مع ثلة من زملائه في سبيل تأسيس جمعيتهم تلك، وفي العام 2001 تحقيق الحلم، لتكون "جمعية المكفوفين" بلحج بمثابة الجسر الذي عبر من خلاله نحو تحقيق طموحه في التعليم الجامعي، فكان القزعلى- إلى جانب زميل آخر له- أول مكفوفين في محافظة لحج يحصلان على شهادات جامعية.

 


رحلة كفاح مريرة
 
 متحدثا عن تلك المرحلة من حياته، يقول القزعلي لـ "يمن شباب نت"، إنه عقب تخرجه من الثانوية العامة عام 2010، واجهته بعض الصعوبات في تحقيق طموحاته التعليمية في الجامعة، حيث كان يطمح في البداية أن يتمكن من الالتحاق بقسم الإعلام في كلية الآداب بجامعة عدن، إلا أن ظروفه الخاصة منعته من تحقيق ذلك.
 
أما السبب، كما أوضح؛ فيعود إلى أنه كانت هناك مخاوف في أسرته من مسألة الانتقال من قريته الريفية بلحج إلى مديرية خور مكسر بعدن للالتحاق بكلية الإعلام، حيث وأنه كان كفيفا، في حين كانت عدن في تلك الفترة من العام 2011 تشهد اختلالات أمنية متزايدة "الأمر الذي أعاقني عن تحقيق ذلك الطموح وبلوغ حلمي في دراسة الإعلام".
 
 لكن ذلك لم يوقفه كليا عن تحقيق طموحه في مواصلة دراسته الجامعية، ففكر بالبديل، وبرفقه زميله الكفيف "زكي"، من أبناء منطقته، شد الشابان الكفيفان رحالهما نحو كلية التربية بمديرية "صبر" بمحافظتهما لحج، ليلتحقا بقسم اللغة، لكن طريقهما لم تكن مفروشة بالورود، حيث واجها بعض العراقيل بسبب حالتهما الاستثنائية..!!
 
"لم تكن هذه المهمة سهلة أيضا" يقول صالح، الذي أوضح أن عمادة الكلية رفضت قبولهما في بادئ الأمر بحجة تخوفها عليهما، نظرا لكونهما الكفيفان الوحيدان في الكلية. لكن مع إصرارهما رضخت الكلية، لا سيما وقد تعهدا بتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يواجههما من صعوبات أو فشل.
 
 بعدها، بدأت رحلة الدراسة الجامعية لأول طالبين كفيفين بالمحافظة، تمكنا بعد أربع سنوات من الإصرار والكفاح المرير الحصول على درجة البكالوريوس من قسم اللغة عربية- كلية التربية.
 
العودة إلى البداية
 
لكن تلك الشهادة لم تكن كافية لإنهاء معاناة الكفيف صالح، الذي بدأ رحلة مريرة أخرى بحثا عن عمل ووظيفة رسمية بموجب تلك الشهادة الجامعية التي كافح لأجل الحصول عليها. وبعد أن عجز عن الحصول على وظيفة حكومية، قرر صالح العودة إلى جمعيته التي أسسها وأنطلق منها، ليعمل فيها متطوعا دون مقابل مادي..!!
 
 وبعد خمس سنوات من المثابرة في عمله التطوعي المجاني، حصد صالح أخيرا أول ثمرة من ثمار صبره ذاك بحصوله العام الماضي فقط على عقد عمل من الجمعية لقاء راتب رمزي. ومع انه عمل تعاقدي وليست وظيفة رسمية، إلا أن ذلك- كما يقول- فتح أمامه أملا بالحصول على وظيفة رسمية بموجب قانون الخدمة المدنية.
 
وإلى جانب وظيفته التعاقدية تلك، يترأس صالح أيضا قسم الثقافة والإعلام التابع للجمعية- التخصص الذي كان يطمح إليه في دراسته الجامعية وحالت إعاقته دون بلوغه.
 
 من الجمعية بدأ وإليها عاد الكفيف صالح، حاملا شهادته الجامعية بكل فخر، ليعمل فيها متعاقدا في تعليم أقرانه من الأكفاء (فاقدي البصر)، منتظرا بفارغ الصبر تثبيته بشكل رسمي، ليحظى ولو بجزء من الاستقرار الذي افتقده معظم اليمنيين في ظل الأوضاع المعيشية والانسانية الصعبة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من سبع سنوات من الحرب؟!
 



إرادة جماعية من وسط المعاناة

 بالنسبة للكفيفة رندا حسين التي على وشك أنهاء مسيرتها الجامعية كمتخرجة من قسم اللغة العربية في كلية التربية بلحج، فهي تنظر إلى تجربة زميلها صالح القزعلي بمرارة وخوف.
 
ومنذ أربع سنوات تكافح رندا، التي تسكن ببلدة المناصرة بـ "الفيوش"؛ الظروف المزرية معيشيا، في ظل أعاقتها البصرية، من أجل حصولها على شهادة جامعية عليا، بمساعدة وتشجيع اهلها.
 
تحكي رندا لـ "يمن شباب نت" أبرز الصعوبات التي واجهتها في رحلتها التعليمية الصعبة. حيث كانت تذهب إلى الكلية بمساعدة زميلة لها، وعندما كانت زميلتها تغيب لا تستطيع رندا الذهاب لوحدها، ما يجعلها تتخلف هي أيضا عن الدراسة في ذلك اليوم. لكن تقدير الأساتذة لها- كما تقول- هو من شجعها على المضي في مواصلة تعليمها.
 
وتضيف: لكن أكبر صعوبة تواجهها في الفترة الحالية فتتمثل بشحة الامكانيات المادية، الأمر الذي تعرب عن مخاوفها بكونه قد يحرمها من مواصلة ما تبقى لها من أشهر قليلة لإكمال دراستها. لذلك تتمنى أن تجد من يسندها في اكمال دراستها والحصول على فرصة عمل بعد سنوات من الكد والتعب.
 
ومعظم أبناء المنطقة، على رأسهم المكفوفين بشكل خاص، يعانون من الفقر وصعوبة مواصلة حياتهم المعيشية وفق أبسط المتطلبات. لكن مع ذلك، يبدو أن الكثير من فاقدي البصر قد قرروا عدم الاستسلام لظروفهم، فضرب بعضهم أروع الأمثلة في مواصلة تعليمهم الجامعي.
 
فلم يكن الأمر مقتصرا على القزعلي وزميله زكي والكفيفة رندا حسين أيضا، بل كما تقول رئيسة جمعية المكفوفين إقبال قشاش لـ "يمن شباب نت" هناك 18 كفيفا وكفيفة تمكنوا من مواصلة تعليمهم الجامعي وحصلوا على درجات البكالوريوس في تخصصات متنوعة.
 
وتشمل تلك التخصصات- بحسب قشاش: القرآن والاسلامية واللغة العربية وعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية والأحياء والتسويق والترفيه.
 
وتضيف أن هناك أيضا سبعة آخرون ما زالوا يتلقون التعليم الجامعي، وعلى وشك الانتهاء منه، في تخصصات القران والعلوم واللغة العربية والاعلام، فيما يستعد ثلاثة اخرون لالتحاق بالجامعة هذا العام في وقت يتطوع الخريجون لتدريس اخوانهم من المكفوفين في الجامعة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر