بعد 45 يوما من "الهدنة" .. قراءة في مستويات التنفيذ و "حتمية" التمديد

[ المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبيرغ أثناء مغادرته صنعاء بعد أول رحلة له إليها في أبريل الماضي ]

 صمدت الهدنة الأممية، لأول مرة منذ سقوط الجمهورية وتدخل التحالف، أكثر من 45 يوما من إجمالي فترة الهدنة المقررة بشهرين بين الحكومة وميليشيا الحوثي الإيرانية. ورغم وجود عدد من الخروقات، إلا أنها- وبعكس الهدن السابقة- لم تؤدِ إلى انهيار هذه الهدنة.

 
وعلى ما يبدو أن هذه النتيجة الإيجابية أغرت المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن "هانس غروندبيرغ"، الذي أعرب يوم الثلاثاء الماضي، رغبته ومساعيه إلى تمديدها.
 
وقال غروندبيرغ، في كلمة القاها أمام الصحفيين عبر الأقمار الصناعية، عقب مشاورات مغلقة في مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء: "إنَّ اليمن لا يحتمل العودة إلى وضع ما قبل الهدنة من تصعيد عسكري وجمود سياسي مستمرين"، مضيفا: "وعليه، سأستمر بالتفاعل مع الأطراف والتحاور معهم لتخطي التحديات القائمة وضمان تمديد الهدنة المقرر انتهائها بعد أسبوعين"
 
شملت الهدنة القائمة عددا من البنود، أهمها: وقف إطلاق النار، وتجميد الأوضاع العسكرية، والسيطرة على الأرض على ما هي عليه ليلة الثاني من أبريل (موعد دخول الهدنة حيز التنفيذ). كما شملت أيضا: وقف الغارات الجوية للتحالف، والسماح بدخول 18 سفينة وقود تابعة لتجار الجماعة الحوثية عبر موانئ الحديدة، والسماح برحلتين أسبوعيا من مطار صنعاء إلى مطاري عمّان والقاهرة عبر الخطوط الجوية اليمنية، وتشكيل لجان لاجتماع بين الحكومة والحوثي لرفع الحصار عن تعز.

 


 

مستويات التنفيذ

أكد المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن جروندبيرج، ضمن إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الفائت، على أن القتال انحسر بشكل كبير في مختلف الجبهات، رغم الخروقات..

 
 يأتي ذلك في حين ظل الجيش الوطني (الحكومي) وميليشيات الحوثي يترصدون ويعلنون يوميا عن عدد الخروقات لكل طرف.
 
ويقول الجيش إنه رصد أكثر من 3500 خرقا حوثيا خلال الشهر ونصف من الهدنة، شمل غارات وقصف بطيران مسير، واستحداث مواقع وتعزيزات عسكرية إلى الجبهات، خاصة مأرب..
 
وفي المقابل، أتهم الحوثيون الحكومة وفصائلها بارتكاب عدد من الخروقات. وزعموا، مرة على الأقل، إسقاط طائرة تجسسية مقاتلة تابعة للتحالف. كما أدعوا أن هناك خروقات بعدد محدود من الغارات نهاية الشهر الماضي. على الرغم أن "غروندبيرغ"، أشار- ضمن إحاطته- إلى عدم تسجيل "أي هجمات جوية عابرة للحدود من اليمن"، مردفا: "ولم تكن هناك ضربات جوية مؤكدة داخل اليمن"

 

سفن الوقود

وفي بند "سفن الوقود"، انتهى الشهر الأول من الهدنة بدخول تسع سفن، من جملة 18 سفينة متفق على دخولها خلال شهري الهدنة.. أي أنه تم تمكين دخول نصف العدد الكلي، وهو كل العدد المخطط له في الشهر الأول. ما يعني أن هذا البند نفذ بالكامل من قبل التحالف، التزما منه بالهدنة في هذا الجانب.

 

الرحلات الجوية

أما في البند المخصص بتسيير الرحلات الجوية من مطار صنعاء، فقد تعثر تنفيذ هذا البند لمدة شهر ونصف، وذلك بسبب الدخول في إشكالية الجوازات التي يسمح للركاب السفر بها. حيث رفضت الحكومة السماح بسفر من يحملون جوازات صادرة عن جماعة الحوثي، على اعتبار أن ذلك لا يحق لها قانونا ولا فعليا إصدارها، كون ذلك يندرج في إطار سيادة الحكومة المعترف بها دوليا، ما قد يمهد- حال السماح بها- الطريق إلى اعتراف دولي بالجماعة الحوثية، وسلطتها الانقلابية المدعومة من إيران، الأمر الذي يؤسس لعملية انفصال للحوثي شمالا.

 

[أقرأ أيضا: مجلس القيادة: عرقلة المليشيا تسيير أول رحلة من مطار صنعاء تهدف للتنصل من الهدنة]

 

ولحل هذه الإشكالية، تدخلت الأمم المتحدة، ومعها الولايات المتحدة أيضا، للضغط على الحكومة اليمنية للسماح برحلات جوية بجوازات الحوثي "بشكل مؤقت"، وضمن حزمة ضمانات "لا تؤسس لانفصال أو تأثير على المركز القانوني للجمهورية اليمنية"، وفقا لما صدر من تصريحات لوزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك بهذا الخصوص. وبموجب ذلك، سمحت الحكومة والتحالف برحلتين إلى مطار عمّان يومي الأثنين والأربعاء الماضيين. ويتوقع أن تكون الرحلة الثالثة الأربعاء المقبل. بينما ما تزال القاهرة حتى الآن ترفض استقبال المسافرين بجوازات حوثية.

 

[للمزيد.. أقرأ: مطار صنعاء يستقبل ثاني رحلة تجارية قادمة من الأردن]

 



 

فتح الممرات

وأخيرا: فيما يتعلق ببند فتح الممرات المغلقة في تعز، ورفع الحصار الحوثي عن المفروض على المدينة منذ سبع سنوات، لم يتحقق أي تقدم في هذا البند على الإطلاق، رغم أهميته ومحوريته بالنسبة للحكومة، لا سيما مع تزايد الغضب الشعبي ضدها بعد فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء أمام الحوثيين دون رفع حصارهم على تعز، بشكل خاص، وبقية الطرقات الأخرى عموما.

 
وحول هذه النقطة قال المبعوث الأممي، الثلاثاء، إن هذه المسألة تشكل "أولوية" بالنسبة له ولمكتبه، وقد أكد على أن الحكومة اليمنية حددت أسماء مسؤوليها للتواصل من جهتها لحضور اجتماع ترعاه الأمم المتحدة حسب بنود الهدنة، بانتظار أن يرفع الحوثيون أسماء مسئوليهم في هذا الجانب، مشيرا إلى أنه ينوي "تنظيم اجتماع في عمّان في أقرب وقت ممكن فور تعيين أنصار الله (الحوثيين) لممثليهم".
 
وحتى أمس الأول (الخميس) لم يكن الحوثيون قد حددوا أسماء ممثليهم، وبدلا من ذلك، ظهر القيادي البارز في الجماعة، محمد علي الحوثي، على صفحته بـ "تويتر" ليحدد ثلاثة شروط لرفع الحصار عن تعز، وجميعها لا تمت بصلة لبنود الهدنة، بل تتعارض معها كليا..!!

 

[أقرأ أيضا: الحكومة اليمنية تؤكد ضرورة التزام الحوثيين ببنود الهدنة ورفع الحصار عن تعز]

 

ومع الضغوط الشعبية الموجهة ضده، حتى من قبل أنصاره، ذكر ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" للحوثيين، الأربعاء الماضي، أنه "وضع فتح الطرق في محافظة تعز وغيرها من المحافظات وفقاً لبنود الهدنة، ضمن الأولويات التي يجري العمل عليها".  
 
وعلى ما يبدو، فقد نجحت الضغوطات على جماعة الحوثي، لقسرهم على تحديد أسماء ممثليهم المطلوبين لحضور هذا الاجتماع. حيث تداولت يوم أمس الجمعة أخبارا تؤكد على أن الحوثيين رفعوا بأسماء ممثليهم أخيرا..

 

 

 

"التمديد".. خيار أم ضرورة؟  
 

 نص الاتفاق الخاص بالهدنة، في بنده الأخير، على إمكانية التمديد للهدنة "بموافقة الأطراف". وفي حين كنا قد أشرنا سابقا إلى حديث المبعوث الأممي "غروندبيرغ" عن أنه يسعى إلى تمديد الهدنة؛ فقد بدأ الحوثيون- من جهتهم- بالحديث عن التمديد قبل نهاية الهدنة بنصف شهر تقريبا (تنتهي الهدنة في الثاني من شهر يونيو القادم).
 
والأربعاء الماضي، قال ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" للحوثي، إنه يدرس إمكانية تمديد الهدنة في ضوء التزام الطرف الآخر بها. وفقا لما نشرته وكالة أنباء (سبأ) الحوثية، عن اجتماع المجلس يوم الأربعاء.
 
ومن المؤكد أن الحوثيين بحاجة إلى هذا التمديد أكثر من غيرهم، كون الهدنة منحتهم الكثير من الامتيازات، لم تمنحها لجانب الحكومة الشرعية؛ على رأسها: دخول سفن المشتقات النفطية من الحديدة، وتسيير رحلات جوية عبر مطار صنعاء. ومع تعثر تلك الرحلات خلال الشهر والنصف الأول من الهدنة، فإن تمديدها يصبح حاجة ملحة لهم للتعويض..
 
وفي إشارة ضمنية إلى ما يمكن أن يفسر على أنه موافقة مسبقة منه على تمديد الهدنة، أشار مجلس الحوثي، في إطار خبر وكالته الرسمية، إلى أن من أولوياته التأكيد على ضرورة تعويض الرحلات الجوية وسفن الوقود. ومثله أيضا، قال محمد عبد السلام، القيادي الحوثي المتواجد في العاصمة العمانية (مسقط)، إن على التحالف تعويض الرحلات الجوية إلى مطاري القاهرة وعمّان، بدلا عن التعثر الذي كان في الأسابيع الماضية.
 
وفي المقابل، بالنسبة لطرف الشرعية، ممثلا بالمجلس الرئاسي الجديد؛ فلن يكون حاله بأفضل مما كان عليه سابقه (الرئيس السابق)، أثناء إبرام اتفاق الهدنة نفسه. ومن المؤكد ألا يعارض المجلس الرئاسي الجديد فكرة تمديد الهدنة. ليس لأن القرار بيد التحالف فحسب، بل وأيضا لأن ملف رفع الحصار عن تعز (وهو الملف الوحيد، من بين كل بنود الهدنة، الذي فيه مصلحة للشرعية)، سيكون بمثابة "مسمار جحا" الذي يقود الشرعية إلى القبول بتمديد الهدنة..
 

[أقرأ أيضا: السفير السعودي يناقش مع المبعوث الأممي الهدنة المُعلنة في اليمن]

 

وكما سبق أن أشرنا، فأن الحوثيين ظلوا يماطلون لأكثر من شهر ونصف، دون أن يُسلِّموا أسماء ممثليهم في ملف فتح المعابر والطرقات المغلقة، إلا يوم أمس الجمعة، وقد اقتربت الهدنة من نهايتها، في حين أن ملفا شائكا وحساسا كهذا سيكون بحاجة إلى وقت طويل لمناقشته، قد يتجاوز الشهر في أفضل الأحوال، خصوصا وأن الحوثيين لديهم شروطا شبه مستحيلة لرفع الحصار عن تعز، اعتمادا على ما سبق وأن أكده قياديهم البارز محمد علي الحوثي؛ ما يعني أن التمديد سيصبح أمرا ضروريا وحتميا على جميع الأطراف.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر