بعد سقوط لائحة سحب الثقة في البرلمان.. "الغنوشي" يكسب جولة جديدة في "معركة الديمقراطية"

جدد مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي، الخميس، ثقته برئيسه راشد الغنوشي، بعد سقوط لائحة سحب الثقة منه، إثر فشلها في الحصول على 109 أصوات من الإجمالي البالغ 217 صوتا.
 
ولم يصوت لصالح سحب الثقة من الغنوشي سوى 97 نائبا فقط، في حين رفض اللائحة 16 نائبا، وتم تسجيل 18 ورقة ملغاة، وورقتين بدون تصويت، بحسب ما أفاد مراسل الأناضول.
 
وامتنعت كتلتا "حركة النهضة" (يترأسها الغنوشي- 54 نائبا)، و"ائتلاف الكرامة" (19 نائبا) عن المشاركة في التصويت.
 
وقبل أسبوع، قرر مكتب البرلمان تنظيم جلسة عامة للتصويت على سحب الثقة من الغنوشي، بناء على لائحة مقدمة من كتل نيابية.
 
وسعت 4 كتل نيابية هي "الديمقراطية" و"تحيا تونس" و"الكتلة الوطنية" و"الإصلاح" إلى سحب الثقة من الغنوشي، إثر اتهامه بـ"سوء إدارة المجلس ومحاولة توسيع صلاحياته".
 
والتحقت كتلة "الدستوري الحر"، (17 نائبا) باللائحة وسعت بكل قوة لإنجاحها.
 
وعقب فشل لائحة سحب الثقة، قال الغنوشي، في مؤتمر صحفي، إن "تونس لها مستقبل ما دامت متمسكة بالحرية".
 
وأضاف مهنئا التونسيين بعيد الأضحى، أن "الديمقراطية حديثة وناشئة وتحتاج الى مزيد التمرين".
 
وتابع متوجها إلى المواطنين: "أنتم صنعتم ثورة وحافظتم عليها 10 سنوات، فلنحرص عليها ونعض عليها بالنواجذ".
 
وكان الغنوشي قد فاز برئاسة البرلمان، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بأغلبية مطلقة وحصل على أصوات 123 نائبا، بنسبة تجاوزت 56 بالمئة.
 
 
"الناصري" الذي أصبح إسلاميا
 
ينحدر الغنوشي (78 عاما) من مدينة الحامة بمحافظة قابس (جنوب)، التي أنجبت محمد علي الحامي، رئيس أول نقابة تونسية في عشرينات القرن الماضي، حين كانت البلاد ترزح تحت الاستعمار الفرنسي.
 
مفكر وسياسي عاش حياته مطاردا في بلده، منفيا خارجها، قبل أن تفتح له ثورة يناير 2011، التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، أبواب العودة للبلاد، لتتصدر حركته المشهد السياسي.
 
وفي ستينات القرن الماضي، كان الغنوشي معجبا بالتيار الناصري، وهو الذي درس بالعاصمة المصرية القاهرة مدة عامين بعد إنهاء تعليمه في "جامعة الزيتونة" بتونس عام 1963.
 
انتقل إلى دمشق عام 1964، قادما من القاهرة، التي غادرها إثر تسوية بين الرئيسيْن التونسي الحبيب بورقيبة (حكم من 1957 إلى 1987) والمصري جمال عبد الناصر (حكم من 1956 إلى 1970)، طلب الأول ترحيل طلبة بلاده في مصر إلى تونس.
 
وفي 1968، حصل الغنوشي على الإجازة في الفلسفة من جامعة دمشق، وغادر إلى العاصمة الفرنسية باريس لإكمال دراسة الدكتوراه، والتحق بجماعة "الدعوة والتبليغ" (جماعة إسلامية ذات التقاليد الخاصة).
 

الحركة الإسلامية وعشرية الصراع
 
في العام 1969، شكّل لقاء الغنوشي، أستاذ الفلسفة العائد حينها من سوريا وفرنسا عبد الفتاح مورو (طالب الحقوق)، واحميدة النيفر (أستاذ فكر إسلامي)، الخطوة الأولى على طريق تأسيس "الحركة الإسلامية" المعاصرة بتونس.
 
وفي 1972، أسس الغنوشي، برفقة مجموعة من رفاقه تنظيم "الجماعة الإسلامية"، خلال اجتماع ضم 40 قياديا بمنطقة مرناق، إحدى الضواحي الجنوبية للعاصمة تونس، وانتخب رئيسا لها.
 
وبالإعلان عن تأسيس "حركة الاتجاه الإسلامي"، خلال مؤتمر صحفي عقد في السادس من يونيو/ حزيران 1981، بدأت عشرية ملاحقات الغنوشي وصراعه مع السلطة.
 
ورغم إعلان الحركة تبنيها العمل السياسي الديمقراطي السلمي، إلا أن نظام بورقيبة حاكم الغنوشي ورفاقه خريف 1981، وأصدر بحقه حكما بالسجن لـ11 عاما، ولم يغادر محبسه إلا في أغسطس/ آب 1984 بعفو رئاسي.
 
وفي مارس/ آذار 1987، اعتقل أمن بورقيبة الغنوشي من جديد، على خلفية تهم أبرزها "قيادة تنظيم غير معترف به"، وحكم بحقه بالسجن مدى الحياة، خريف العام نفسه.
 
وإثر وصول زين العابدين بن علي، إلى السلطة في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، تم إطلاق سراح الغنوشي في مايو/ أيار من العام التالي.
 
وعقب انتخابات أبريل/ نيسان 1989، التي شاركت فيها "حركة النهضة" عبر دعم قائمات مستقلة، غادر الغنوشي البلاد في منفى اختياري إلى الجزائر، قبل أن تصدر بحقه المحكمة العسكرية بتونس، صيف 1992، حكما بالسجن المؤبد بتهمة "الإعداد للانقلاب على نظام الحكم".
 
 
سنوات المنفى والثورة

في العام 1993، غادر الغنوشي، الجزائر، واستقر نهائيا بالعاصمة البريطانية لندن، فيما استمر نظام بن علي في حملته الشرسة ضد منتسبي حركته، أطلق عليها الغنوشي نفسه اسم "الهولوكست النوفمبري".
 
ومنذ نوفمبر 1991، شغل الغنوشي منصب رئيس "النهضة" بانتخابه، وذلك إثر ثلاث مؤتمرات عقدتها الحركة في الخارج.
 
والمؤتمرات هي المؤتمر السادس في ديسمبر/كانون الأول 1995 بسويسرا، والسابع في أبريل2001 بهولندا، والثامن في مايو 2007 في لندن.
 
وفي الوقت الذي كان فيه عدد المؤمنين بإمكانية التغيير في تونس يتضاءل ويقل فيه الأنصار حول الغنوشي، تسبب محمد البوعزيزي، من محافظة سيدي بوزيد وسط البلاد، بانطلاق شرارة ثورات "الربيع العربي".
 
وفي 14 يناير/كانون الثاني 2011، سقط النظام وفرّ "بن علي" إلى منفاه الأبدي، وعاد الغنوشي في 30 من الشهر نفسه إلى تونس، ليستقبله عشرات الآلاف من أنصاره.
 
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، فازت "النهضة" بالانتخابات التشريعية، وشكلت أول حكومة منتخبة بعد الثورة ضمن ائتلاف "الترويكا" مع حزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية" والتكتل الديمقراطي من أجل الجمهورية" العلمانيين.
 
 
مصاعب الحكم و"غضب" الداخل

واجه الغنوشي باعتباره رئيس الحركة الحاكمة، مصاعب كبيرة في مواجهة الأحداث، فتخلت الحركة عن الحكم نهاية 2013، بعد اغتيالات سياسية شملت معارضيْن يساريين، واحتجاجات قادها تحالف بين اليسار الماسك بالنقابات، ومنتسبي النظام القديم الذين شكلوا حزب "نداء تونس" في يونيو/حزيران 2012.
 
وفي انتخابات 2014، انهزمت الحركة أمام "نداء تونس"، إلا أنها شاركت الأخير الحكم، بتوافق رعاه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي والغنوشي.
 
لكن وفي الوقت الذي يعتبر فيه البعض أن الغنوشي نجح في تجنيب حركته مصيرا مشابها لما حدث لـ"جماعة الإخوان المسلمين" في مصر صيف 2013، إلا أن رصيد الحركة تراجع من 89 نائبا في انتخابات 2011، و69 نائبا في انتخابات 2014، إلى 52 باقتراع أكتوبر الماضي.
 
ورغم ذلك حافظت "النهضة" على صدارة الترتيب، الأمر الذي يجعل تشكيل الحكومة من مهامها.
 
والغنوشي يحظى بعلاقات دولية جيدة، وبرصيده أكثر من 20 كتابا ترجم البعض منها إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والفارسية والتركية.
 

المصدر: الاناضول

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر