مسؤول كبير من داخل البيت الأبيض يكشف: هكذا نقوم بإفشال ترمب وإحباط مخططاته

وسط اجواء محمومة من الشك، تحاول الادارة الاميركية تحديد هوية "الجبان" الذي كتب مقالا بدون توقيع ندد فيه بسلوك خطير ومزعج للرئيس دونالد ترامب.

وبعدما اشار ترامب مساء الاربعاء في تغريدة غاضبة الى "خيانة" محتملة عاد صباح الخميس ليندد بسلوك يمارسه "اليسار" وب"اعلام الاخبار الكاذبة".
 تواجه قيادة الرئيس دونالد ترمب للولايات المتحدة تحدياً لم يسبق أن شهد مثله أيُّ رئيسٍ أميركي معاصر.

 *نص المقال الذي كتبه مسؤولٌ كبير في إدارة ترمب لم تُكشَف هويته.

لا تتعلَّق المسألة فحسب بتحقيقات المستشار الخاص، التي تُشكِّل تهديداً كبيراً، أو بانقسام الدولة بشدة حول قيادة ترمب، أو حتى باحتمال أن يخسر حزبه الغالبية في مجلس النواب لصالح معارضة تعتزم إطاحته.
 
لكن تكمن المعضلة -التي لا يستوعبها ترمب بشكلٍ تام- في أنَّ الكثير من كبار المسؤولين في إدارته يعملون بهمة من الداخل، لإحباط أجزاء من مخططه وأسوأ نواياه.

 أنا على علمٍ تام بذلك، فأنا واحدٌ منهم.

لنكن واضحين، نحن لسنا «المقاومة» الشعبية لتيار اليسار. فنحن نرغب في أن تنجح الإدارة ونرى أنَّ الكثير من سياساتها قد نجحت بالفعل في جعل أميركا أكثر أماناً وازدهاراً.
 
لكننا نؤمن أنَّ واجبنا الرئيسي هو تجاه هذا البلد، والرئيس يستمر في التصرُّف على نحوٍ يضر بسلامة جمهوريتنا.    ولهذا السبب تعهَّد الكثير من موظفي ترمب بالقيام بكل ما في وسعنا للحفاظ على مؤسساتنا الديمقراطية، وفي الوقت نفسه إخماد اندفاعاته غير المُوفَّقة إلى أن تنتهي ولايته.
 
ويعود أصل المشكلة إلى افتقار الرئيس للأخلاقيات. وأيُّ شخصٍ يعمل معه يعرف أنه لا يلتزم بأية مبادئ أساسية ملموسة تحكم صناعته للقرارات.

وعلى الرغم من أنه انتُخِب مرشحاً عن الحزب الجمهوري، لا يبدي الرئيس تعاطفاً مع القيم التي لطالما اعتنقها المحافظون: عقول حرة، وأسواق حرة، وشعب حر. وفي أفضل الأحوال، لم يقم سوى بالإشارة إلى هذه المبادئ في سياقٍ مكتوب. وفي أسوأها، هاجمها صراحةً.

وإضافة إلى حملته الضخمة للترويج لفكرة أنَّ الصحافة هي «عدو الشعب»، تتسم نزعات الرئيس بصفةٍ عامة بالعداء للتجارة والديمقراطية.

لا تفهموني على نحوٍ خطأ، هناك نقاطٌ مضيئة تتخلَّل فترة رئاسته للبلاد، لكن تفشل التغطية السلبية شبه المستمرة للإدارة في تسليط الضوء عليها، وهي: رفع الضوابط على الأعمال، والذي جاء بثماره، وتبني إصلاح ضريبي تاريخي، وزيادة قوة الجيش، وأكثر.

لكن هذه النجاحات جاءت برغم الأسلوب القيادي لترمب -وليس بسببه- الذي يتسم بالطيش، والعداء، وضيق الأفق، وعدم الكفاءة. من البيت الأبيض إلى أقسام الذراع التنفيذية وهيئاتها، سيُقر كبار المسؤولين سراً بعدم ثقتهم يومياً في تصريحات القائد الأعلى وأفعاله. ويعمل أكثرهم على النأي بأعمالهم بعيداً عن نزواته.

 وتخرج الاجتماعات معه عن إطار موضوعها تماماً، إذ يظل يُكرِّر عباراتٍ صاخبة، وينتهي اندفاعه إلى الخروج بقراراتٍ حمقاء غير مدروسة، وأحياناً طائشة يتعيَّن التراجع عنها. وشكى مسؤولٌ بارز لي مؤخراً، قائلاً: «التنبؤ بما إذا كان سيغيِّر رأيه بين دقيقةٍ وأخرى أم لا هو أمرٌ غير ممكن بمعنى الكلمة»، إذ كان يشعر بالامتعاض عقب اجتماع في مكتب الرئيس (المكتب البيضاوي)، تراجع الرئيس خلاله عن قرارٍ سياسي مهم اتخذه منذ أسبوعٍ مضى.
 
 وكان هذا السلوك المُتقلِّب سيمثل مصدر قلق أكبر، لولا وجود أبطال مجهولين داخل البيت الأبيض وحوله. وتُصوِّر وسائل الإعلام البعض من مساعديه على أنهم الأشرار. لكن خلف الكواليس، بذل هؤلاء جهوداً استثنائية للحرص على ألا تخرج قراراتٌ سيئة خارج مكتب الرئيس، لكن من الواضح أنَّ النجاح لم يحالفهم دوماً.
 
قد نجد في هذا بعض العزاء -وإن لم يكن كافياً- في هذا العهد الفوضوي، لكن على الشعب الأميركي أن يدرك أنَّ هناك راشدين داخل الغرفة. نحن ندرك تماماً ما يحدث، ونسعى لفعل الصواب حتى حين لا يفعل ترمب. وتكون النتيجة رئاسة ذات مسارين مختلفين.
 
 لنأخذ السياسة الخارجية مثالاً: سواء علناً أو سراً، يوضح الرئيس ترمب أنه يفضل الديكتاتوريين والاستبداديين، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-أون، ولا يبدي سوى تقدير ضئيل للصلات التي تربطنا من دول حليفة تشاركنا نفس الآراء.
 
وقد انتبه مراقبون حذقون، مع ذلك، إلى أنَّ باقي أفراد الإدارة يعملون في اتجاه مختلف، حيث تُنتَقد دول مثل روسيا لتدخلاتها وتُفرَض عليها عقوبات، وكذلك يُشرِكون الحلفاء باعتبارهم أقراناً بدلاً من نهرهم كأعداء.
 
وفيما يتعلق بروسيا مثلاً، عارض الرئيس طرد الكثير من جواسيس بوتين كعقابٍ، بعد واقعة تسميم جاسوس روسي سابق في بريطانيا. وظلَّ يتذمَّر لأسابيع، لأن مسؤولين بارزين في طاقم عمله دفعوا به إلى مواجهةٍ مباشرة مع روسيا، وأعرب عن خيبة أمله من استمرار الولايات المتحدة في فرض عقوبات على موسكو لسلوكها الخبيث. لكن فريقه المختص بشؤون الأمن القومي كان أكثر خبرة، كان لا بد من اتخاذ هذه القرارات لمحاسبة روسيا.
 
هذه الأفعال ليست صادرةً عما تُسمَّى بـ «دولةٍ موازية»، لكنها الدولة الفعلية. نظراً لعدم الاستقرار الذي شهده الكثيرون، تناقلت سابقاً أحاديث سرية داخل المجلس الوزاري حول اللجوء للتعديل الـ25 في الدستور الأميركي، الذي بموجبه ستبدأ عمليةٌ مُعقَّدة لتنحية الرئيس عن منصبه. لكن لم يرغب أحدٌ في إثارة أزمة دستورية، لذا سنفعل ما بوسعنا لتوجيه الإدارة نحو الاتجاه الصحيح، إلى أن ينتهي الوضع الحالي بطريقة أو بأخرى.
 
ولكن الخوف الأكبر ليس فيما فعله ترمب للرئاسة، بل فيما سمحنا نحن له كأمةٍ في أن يفعله بنا. فلقد انحدرنا معه إلى مستوى منخفض وسمحنا لحوارنا بأن يخلو من التحضُّر.
 
وقد صاغها السيناتور جون ماكين بأفضل ما يكون في خطاب وداعه. ولا بد أن ينتبه الأميركيون جميعهم لكلماته، وأن يتحرَّروا من فخِّ النزعة القبلية، وأن يكون هدفهم الأسمى هو الاتحاد من خلال قيمنا المشتركة وحبنا لهذه الأمة العظيمة.     ربما السيناتور جون ماكين لم يعد معنا، لكن النموذج الذي مثله سيظل موجوداً دائماً، قدوة يُحتذى بها لاستعادته الاحترام في الحياة العامة والحوار الوطني. وربما يخشى ترمب مثل هؤلاء الرجال النبلاء، لكن لا بد لنا أن نُقدِّرهم.
 
 هناك مقاومةٌ سرية داخل الإدارة، يقوم بها أناسٌ اختاروا تغليب الدولة. لكن المواطنين العاديين هم من سيصنعون التغيير الحقيقي عندما يتحرَّرون من تأثير السياسة، ويتَّحدون رغم اختلاف التوجُّهات، عازمين على إزالة التصنيفات لصالح تصنيف واحد فقط هو الشعب الأميركي.
 
 
 ترجمة: عربي بوست عن صحيفة New York Times الأميركية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر