العقوبات الأمريكية على إيران.. ساسة العراق منقسمون واقتصاده يتضرر

ترى الحكومة العراقية أنّ العقوبات الأمريكية على إيران خطأ استراتيجي، لكنّها ستلتزم بها، تفاديا لإلحاق الضرر بالمواطن العراقي، الذي عانى من تداعيات حصارٍ دولي دام ثلاثة عشر عاماً.
 
وركزت العقوبات الأمريكية، التي بدأ سريانها في 7 أغسطس/ آب الجاري، على القطاع الاقتصادي بشكلٍ خاص، في محاولة لإجبار إيران على التراجع عن برنامجها النووي وتطوير الصواريخ بعيدة المدى.
 
كما تأمل الولايات المتحدة أن تنسحب إيران تدريجيا من بؤر الصراع في المنطقة، وتوقف تدخلها في شؤون الدول الحليفة لواشنطن، عبر القوى الحليفة لطهران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
 
** مؤيد ورافض وصامت
 
في 7 أغسطس/ آب الجاري، أعلنت الحكومة العراقية أنّ العقوبات الأمريكية "ظالمة إلى حدٍ بعيد، ولن نتفاعل معها".
 
في الوقت نفسه قالت: "سنلتزم بالعقوبات لعدم تعريض العراقيين للضرر"، لأنّ العراق "لا يستطيع الخروج عن المنظومة الدولية الخاصة بالاقتصاد العالمي".
 
بهذا الموقف، يحاول رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، الموازنة بين كسب رضا واشنطن، بإعلان الالتزام بالعقوبات، على أمل الحصول على مزيد من الدعم في سعيه لرئاسة الحكومة الجديدة.
 
في الوقت ذاته يحاول العبادي استرضاء الأحزاب الدينية والمجموعات الشيعية المسلحة في "الحشد الشعبي" (عراقية يوالي أغلبها إيران) وخارجه، بإعلانه أن العقوبات "ظالمةٌ إلى حد بعيد"، وأنّ الالتزام بها يأتي لعدم الإضرار بمصالح الشعب العراقي.
 
جُوبه الإعلان الأمريكي عن إعادة فرض العقوبات على إيران بردودِ فعلٍ واسعة من قيادات المجموعات الشيعية المسلحة والقيادات السياسية والدينية الشيعية في العراق بالقدر ذاته الذي جُوبه به موقف العبادي من هذه العقوبات.
 
وأجمعت الأحزاب والشخصيات الشيعية على رفض العقوبات الأمريكية، وانتقاد موقف العبادي منها، في حين أكدوا على موقف العراق في الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني.
 
ومن بين أهم تلك الأحزاب والشخصيات: نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية، الأمين العام لحزب الدعوة، الذي يرأس العبادي مكتبه السياسي.
 
وكذلك عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة، الذي يرى أنّ إيران تشكل عمقا استراتيجيا للعراق، في ما تحفظ التيار الصدري على العقوبات الأمريكية، دون أن يعلن موقفاً محدداً منها.
 
أما منظمة بدر، برئاسة هادي العامري، رئيس قائمة الفتح، التي حلّت بالمرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقد أدانت العقوبات الأمريكية، وأعلنت مساندتها للحكومة والشعب الإيراني.
 
ودعا تحالف الفتح، الممثّل السياسي للحشد الشعبي، حكومة العبادي إلى اتخاذ موقفٍ صريح مساند لإيران ضد العقوبات.
 
وتعتقد حركة عصائب أهل الحق، الحليفة لإيران، أنّ العبادي لا يحقُّ له إلزام العراق بتبني الموقف الأمريكي من إيران.
 
وتعتبر الحركة، التي فازت بـ 15 مقعدا في مجلس النواب الجديد، أنّ موقف رئيس الوزراء المنتهية ولايته غير ملزم للحكومة المقبلة، التي ستكون قراراتها مبنية على مراعاة سيادة العراق ومصلحته، وأن لا تكون تابعة للإدارة الأمريكية.
 
ووعدت كتائب سيد الشهداء (فصيل شيعي مسلح) بالعمل على كسر العقوبات الأمريكية بكل الطرق المتاحة، للحيلولة دون أن يجوع الإيرانيون، حتى لو تمّ اقتسام رغيف الخبز معهم.
 
بينما تتبنى حكومة إقليم الشمال موقف الحكومة العراقية من العقوبات الأمريكية.
 
في حين أكدت قيادات وأحزاب سُنيّة رفضها للعقوبات الأمريكية، مثل الحزب الإسلامي، المنتمي إليه رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس جماعة علماء العراق، خالد الملا.
 
ولم يصدر تحالف القرار العراقي (كتلة سُنيّة) بياناً حول موقفه من العقوبات أو تصريحات العبادي.
 
لكنّ وسائل إعلام نقلت عن أحد قيادييه أن إيران ليس لديها أيّ موقفٍ جيد مع العراق، حيث دعمت الإرهاب والميليشيات المسلحة فيه، ونفذت أعمال قتل وتهجير وإبادة.
 
ودعا الحكومة العراقية إلى الانسجام مع مواقف دول المنطقة، وعدم الوقوف إلى جانب إيران في رفض العقوبات.
 
** ضغوط إيرانية
 
الجارة إيران من جانبها تمارس المزيد من الضغط على حكومة العبادي للتراجع عن موقفه من العقوبات الأمريكية، عبر تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى، منهم: نائبة الرئيس الإيراني، معصومة ابتكار.
 
ودعت ابتكار، في 10 أغسطس/ آب الجاري، العراق إلى دفع تعويضات عن أضرار لحقت بإيران جراء حربي الخليج الأولى (1980: 1988) والثانية (1990: 1991)، إذ لحقت بالخليج أضرار بيئية تقدر بمليارات الدولارات.
 
كما دعا نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمود صادقي، العراق إلى دفع 1100 مليار دولار تعويضات عن خسائر إيران في حرب الخليج الأولى (بين إيران والعراق)، بحسب المادة السادسة من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598.
 
** الشريك الإيراني
 
تفيد تقديرات بأن تركيا هي الشريك التجاري الأول للعراق، في حين تحتل إيران موقع الشريك التجاري الثاني.
 
وتحتل إيران موقع الصدارة في التبادل التجاري مع العراق ضمن القطاع الخاص، حيث تغطي إيران، بجانب الصين، النسبة الأكبر من احتياجات السوق العراقية من السلع الأساسية.
 
ووفقاً لمسؤولين عراقيين، أوقف العراق استيراد السيارات الإيرانية، امتثالا للعقوبات الأمريكية.
 
وما تزال السوق العراقية بحاجة إلى استيراد قطع غيار السيارات الإيرانية، التي سيكون استمرار استيرادها بحاجة إلى استثناء خاص من واشنطن.
 
ويعتمد المستهلك العراقي في تلبية الكثير من احتياجاته الأساسية على السلع والبضائع الإيرانية، التي تدخل العراق، سواء عبر التجار أو الاستيراد الحكومي أو التهريب.
 
** تداعيات اقتصادية
 
سيكون تنفيذ العقوبات الأمريكية على إيران انعكاسات سلبية على الاقتصاد العراقي بشكلٍ عام، وحركة السلع في السوق المحلية خاصة.
 
تُشغل المنتجات الإيرانية الحيز الأكبر من السلع المعروضة بالأسواق العراقية، خاصة الغذائية والكهربائية والسيارات، وبأسعار مناسبة لمستوى دخل الفرد العراقي، وهي الأرخص نسبيا مقارنة بمنتجات الدول الأخرى.
 
وسيؤدي التزام الحكومة العراقية بالعقوبات إلى فقدان إيران للسوق العراقي، وهو السوق الأهم لصادراتها.
 
وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران، عام 2017، نحو 6.7 مليار دولار، منها 77 مليون دولار فقط هي قيمة صادرات بغداد إلى طهران، حسب وزارة التجارة العراقية.
 
من الصعب تقدير حجم الضرر الحقيقي على الإيرادات العراقية من السياحة الدينية.
 
ويتجاوز عدد الزوار الإيرانيين للعراق أكثر من ثلاثة ملايين زائر سنويا، يدفع كل منهم 40 دولارا كرسوم مقابل الحصول على تصريح للدخول إلى العراق، قبل الإعلان، في 13 أغسطس/آب الجاري عن تخفيضها (دون تحديد مقدار التخفيض).
 
كما أن هذه الأعداد الكبيرة تنفق الكثير من الأموال في قطاع الخدمات والعقارات في المدن العراقية التي تضم مراقد أئمة الشيعة.
 
ويرتبط العراق مع إيران بحدود برية يصل طولها 1460 كيلومترا يمكن لطهران استثمارها باتجاه تنشيط عمليات التهريب بالاتجاهين.
 
وإذا حدث ذلك سيكون العراق متنفسا لتخفيف وطأة العقوبات الأمريكية، على غرار الدور الذي لعبه الأردن خلال فترة الحصار الدولي للعراق بعد غزو الكويت (عام 1990).
 
يمكن أن تؤدي العقوبات الأمريكية إلى تراجع أكبر في القطاع الاقتصادي الإيراني، وزيادة في نسبة البطالة تدفع العاطلين الإيرانيين عن العمل للهجرة إلى العراق.
 
ويعاني العراق أصلا من نسبة بطالة مرتفعة كانت من بين أسباب فجرت احتجاجات شعبية، متواصلة منذ 8 يوليو/تموز الماضي، في محافظات وسط وجنوب العراق (ذات الأغلبية الشيعية).

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر