زوجة نيلسون مانديلا تكتب: هذا ما تعلمته في رحلتي مع زوجي

غراسا ماشيل
زوجة المناضل الراحل نيلسون مانديلا

 
يجتمع الناس من جميع أنحاء العالم يوم الأربعاء للتكريم والاستلهام من أحد أقوى الأمثلة على الشجاعة والتغيير: نيلسون مانديلا. المناضل الجنوب إفريقي وُلد منذ 100 عام في قرية «مفيزو»، وترعرع حتى مرحلة البلوغ تحت ظل نظام الفصل العنصري.
 
 منذ البداية، كان مانديلا شخصية سياسية ذات رؤية وتأثير. بالنسبة لأولئك الذين عرفوه وأحبوه، سيظل ماديبا (أحد ألقاب مانديلا الإفريقية) إلى الأبد هو الرجل الذي قاد مع جيله شعبه إلى الحرية.
 
ماذا يُمكننا أن نتعلم من إرث مانديلا، في هذه الأوقات المضطربة والعاصفة التي نفتقر فيها بشدة إلى الإيمان بالقادة غالباً لأسباب وجيهة؟ دعونا نستمع لكلماته: «تعتمد نوعية التغيير في مجتمعنا إلى حد كبير على جودة القيادة التي تُمارس في مختلف قطاعات وأنشطة مجتمعاتنا ومنظماتنا وحياتنا العامة».
 
يعني ذلك أنه يجب أن يكون لدى القادة رؤية واضحة حول أفضل السبل لتلبية احتياجات كل الناس، وليس فقط احتياجات من لديهم نفوذ سياسي. سعى مانديلا على وجه الخصوص إلى تلبية احتياجات أكثر الفئات ضعفاً وأقلها إمكانية لتوصيل أصواتهم، وبذلك، أمّن حرية جميع سكان جنوب إفريقيا.
 
 اليوم، ملايين الأشخاص الذين يشعرون بأن قوى العولمة قد تخلّت عنهم، يُصبحون فريسة سهلة لإغراءات الانعزالية وكراهية الأجانب والعنصرية.
 
إن الثقة بمؤسسات الحكومة والأعمال التجارية والنظام المتعدد الأطراف في أدنى مستوياتها على الإطلاق، ما يجعل من السهل على منتقدي الأوضاع من مروجي الشعبوية الفوز بالأصوات من خلال تقديم وعود كاذبة وما يبدو حلولاً بسيطة.
 
يفتقر العديد من السياسيين والمواطنين إلى الشجاعة لتحدي هؤلاء المدافعين عن التحيز، أو يجدون العزاء في تقديم كبش فداء والانضمام إلى جوقة التعصب الرخيص.
 
 
 ومع ذلك، فإننا نتخلى عن مسؤولياتنا ونترك أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع إذا استسلمنا للقدرية واليأس. يُعلمنا التاريخ أن التغيير ممكن دائماً، عندما تقف النساء والرجال الشجعان معاً ليتحدثوا بصراحة ويبدأوا في العمل لتغيير الوضع الراهن، حتى عندما تبدو الأمور أكثر قتامة.
 
حارب ماديبا شرور الفصل العنصري، جنباً إلى جنب مع رفاقه سواء في الوطن أو في المنفى. عملوا معاً دون النظر إلى الجنس، اللون، السن، أو الخطوط الفلسفية. من أمثال ألبرتينا سيسولو وروث فيرست، إلى ستيف بيكو وهيو ماسيكيلا، إلى تلاميذ مدرسة سويتو وشهداء شاربفيل – في دوائر تأثيرهم. جميع أنواع مؤيدي التغيير لعبوا دوراً حاسماً في إسقاط نظامهم العنصري.
 
 تغلبوا معاً على القمع وساهموا في بناء ديمقراطية جديدة سمحت لجميع الجنوب إفريقيين، بغضّ النظر عن الانتماء السياسي أو العنصري، بأن يصبحوا جزءاً من هذه المثالية المأمولة – أمة واحدة من مختلف الأطياف المترابطة كقوس قزح.
 
ملايين الناس على قيد الحياة اليوم لم يكونوا قد وُلدوا حتى عندما خرج مانديلا من السجن حراً عام 1990. الشيء الرائع، والذي يعطيني الأمل في المستقبل، هو كيف تستمر حياته وتراثه في إلهام هذه الأجيال الشابة.
 
تغير العالم بما لا يقاس خلال العقود الثلاثة التي مضت منذ إطلاق سراحه. لقد تغير حتى بشكل مذهل في السنوات الخمس منذ وفاته في عام 2013. وربما نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى، إلى الاسترشاد ببوصلته الأخلاقية وتذكر أهمية احترام كرامة الإنسان والدفاع عن الحقوق المتساوية للجميع بغض النظر عن العرق، والعقيدة، والأصل القومي، أو الميول الجنسية.
 
 لا يمكننا أن نتسامح مع عالم يتم فيه فصل الأمهات والأطفال الرضع بواسطة رجال مسلحين يرتدون الزي العسكري، حيث تعتبر عمليات الاغتيال والتسميم ضد المدنيين أدوات مقبولة لسلطة الدولة، أو حيث يُترك اللاجئون والمهاجرون اليائسون عاجزين وضعفاء من دون مساعدة.
 
آمن مانديلا بقوة التغيير الإيجابي طوال حياته. لذا يجب علينا، ونحن نحتفل بمئويته أن ندرس ما يمكننا القيام به -كأفراد وجماعات- لمواصلة النضال من أجل الحريات التي كان يعظّمها كثيراً.
 
 نادراً ما يحتاج الأمر إلى إعادة التأكيد على مدى الحاجة الملحة لمواصلة القتال.
 
لحسن الحظ، عدد لا يحصى من الناس في جميع أنحاء العالم غير مستعدين للتخلي بسهولة عن المكاسب التي تحققت بصعوبة في القرن الماضي، من المساواة بين الجنسين إلى الحق في الصحة والتعليم وصولاً إلى العدالة والسلام.
 
ظل الحكماء The Elders على مدار العام الماضي – وهم مجموعة من القادة العالميين المستقلين الذين دعوتهم أنا وماديبا عام 2007 – يعملون من أجل دعم منظمات المجتمع المدني الشجاعة التي تحترم قيم السلام والعدالة والمساواة.
 
 «شرارات الأمل» كما نسميها، هي 100 من منظمات المجتمع المدني الشعبية في جميع أنحاء العالم وتتألف من صانعي السلام، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومناصري العدالة، والناشطين في مجال حقوق المرأة، والمقاتلين من أجل حقوق المثليين، والمتخصصين في الصحة الاجتماعية.
 
انضم إلينا أكثر من 67 مليون شخص من جميع أنحاء العالم على وسائل التواصل الاجتماعي لتضخيم هذا الصوت والوصول إلى «شرارات الأمل» هؤلاء والتعجيل بالتغيير الاجتماعي في مجتمعاتهم. في عيد ميلاده المائة دعونا نستخدم هذه المناسبة العظيمة في مضاعفة جهودنا لمواصلة مسيرته الطويلة نحو الحرية.
 
 انضم إلى زملائي في The Elders  و»شرارة الأمل» في جوهانسبرغ، حيث نعمل معاً لإحياء تراث ماديبا ودعم من يناضل من أجل عالم خالٍ من الفقر والتمييز والظلم، كما قال ماديبا نفسه: «لن تشرق الشمس أبداً على إنجاز بشري مجيد كالحرية، فلتحكم الحرية».
 
 
*الموضوع من موقع CNN ترجمة "عربي بوست".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر