محافظة ادلب السورية "جنة" للهاربين من "جحيم" الغوطة الشرقية

    
في محافظة ادلب التي تم اجلاؤه اليها منذ ايام، بات بإمكان فادي شراء حليب لطفله بسعر زهيد بعدما كان يمضي ساعات في الغوطة الشرقية بحثاً عن كمية قليلة، بعدما فاقم الحصار ثم الهجوم العسكري أسعار السلع بشكل جنوني.
 
ويقول فادي الشامي (30 عاماً) وهو واحد بين آلاف غادروا الغوطة الشرقية مؤخراً بموجب اتفاق اجلاء بين الفصائل المعارضة وروسيا لوكالة فرانس برس "كنت أخرج من المنزل بعدما أودع زوجتي وأخبرها انني قد لا أعود، لاؤمن الحليب والحفاضات لابني وسام (11 شهراً). كنت أتنقل من قرية لأخرى حتى أعثر على 200 ليتر من الحليب".
 
ويوضح "وصل ثمن كيلوغرام الحليب في الغوطة الى 17 ألف ليرة" (39 دولاراً) بينما يبلغ ثمنه في ادلب 4000 ليرة.
 
ويتابع الشاب الذي كان يعمل ناشطاً اعلامياً في الغوطة الشرقية ويوثق يوميات الحصار الذي عاشته المنطقة منذ العام 2013 ثم القصف والمعارك "وصلت الى ادلب لاجد المواد الأولية كلها متوفرة. الحياة هنا مختلفة. كأنني وصلت الى النعيم أو الجنة".
 
ووصل الشامي مع زوجته وطفله الى محافظة ادلب قبل أيام بموجب اتفاق اجلاء شمل منذ السبت الماضي أكثر من 36 ألف شخص من جنوب الغوطة الشرقية وحرستا، فيما لا يزال مصير عشرات الآلاف من المدنيين في مدينة دوما معلقاً بانتظار نتائج مفاوضات مستمرة.
 
وتم التوصل الى اتفاقات الاجلاء بعد بدء قوات النظام في 18 شباط/فبراير هجوماً عنيفاً على الغوطة الشرقية، تسبب بمقتل أكثر من 1600 مدني بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان. وتمكنت من التقدم تدريجياً في عمق المنطقة وفصلها الى ثلاثة جيوب، ما دفع الفصائل المعارضة الى القبول بالتفاوض.
 
وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من محافظة ادلب التي غالباً ما تتعرض لغارات سورية واخرى روسية.
 
- سبل الحياة "مفقودة"-
 
ويبدي الشامي ذهوله من الفرق في أسعار كافة السلع. ويقول "لم أتوقع أن أعيش لأشتري ما نحتاجه بهذه الأسعار البخسة في ادلب. في الغوطة الشرقية كان الوضع مأسوياً. كنا كمن يعيش في الجحيم، سبل الحياة كلها مفقودة. المواد الغذائية غير موجودة واذا توفرت سعرها باهظ".
 
وتسبب الحصار في الغوطة الشرقية حيث كان يقيم نحو 400 الف شخص حسب الامم المتحدة بشح الكثير من السلع، التي غالباً ما كان يتم ادخال معظمها عبر طرق التهريب وبأسعار مرتفعة جداً. وبعد بدء الهجوم العسكري، قالت الأمم المتحدة في وقت سابق هذا الشهر إن القصف تسبب بدمار العديد من المخابز، ليزداد سعر الخبز 25 ضعفاً.
 
قرب مركز ايواء مؤقت في بلدة معرة الإخوان في ريف ادلب الشمالي، يعلو صراخ قيس الحلاق (13 عاماً) وهو يلعب مع أطفال آخرين كرة القدم.
 
ويقول الفتى ذو البشرة البيضاء ويرتدي سترة صوفية رمادية لفرانس برس "في حرستا كنت أعيش في خوف ورعب (..) لم نكن نقوى على الخروج من القبو لنلعب بالكرة، لكنني هنا ألعب مع رفاقي".
 
وكان قيس في عداد أكثر من 4600 شخص تم اجلاؤهم الاسبوع الماضي من مدينة حرستا التي كانت تحت سيطرة حركة أحرار الشام الاسلامية.
 
وبعدما كان يضطر للعمل يومياً في "جمع البلاستيك وأكياس النايلون لنبيعها ونؤمن طعام المنزل من خبز وشعير.. بات كل شيء هنا في ادلب يصل الينا".
 
ويضيف "الحمدلله توفر لدينا الأكل والبسكويت، أما هناك لم نكن نحصل على أي من الوجبات اللذيذة".
 
ويستقبل مركز الإيواء حيث يقيم قيس مع عائلته أكثر من ألفي شخص غالبيتهم من الغوطة الشرقية، وتتولى منظمة "ساعد" بالتعاون مع مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الامم المتحدة تأمين الخدمات الأساسية لهم والرعاية الطبية.
 
- "قعر بئر" -
 
على طرف سكة حديد تمر قرب المخيم، يجلس أبو لامع (65 عاما) ويتبادل الحديث مع مجموعة من الرجال وسط هدوء لم ينعموا به منذ أسابيع في الغوطة الشرقية.
 
ويقول الرجل وهو من بلدة مديرا ويعقد كوفية حول رأسه لفرانس برس "وضعنا أشبه بمن كان في قعر بئر وأخرجوه الى سطح الأرض".
 
ويتابع "الحياة هنا غير الحياة هناك... والحرب لدينا مختلفة عن كل العالم".
 
ينفث أبو لامع الذي كان يعمل سائق حافلة صغيرة دخان سيجارته عالياً، ويروي كيف دفع ثمن آخر سيجارة اشتراها في الغوطة الشرقية قبل اجلائه منها 850 ليرة (1,9 دولار) فيما يبلغ سعر العلبة كلها 200 ليرة (0,4 دولار) فقط.
 
يصمت الرجل قليلاً ثم يضيف "في الغوطة كان الحصار خانقاً جداً، منّ الله علينا بأن جئنا الى هذه البلاد وفيها أمان".
 
ورغم الامان الذي يحظى به أبو قاسم (40 عاماً) الذي تم اجلاؤه مع أفراد أسرته من حرستا، الا انه قلق من المستقبل.
 
ويقول "ان تؤمن الأكل والشرب، ليس كل شيء في الحياة. نريد أن نعرف ما هو مصيرنا".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر